اليونانيون اول من عرفوا وعبدوا سلطة المال..حين صنعوا له تمثالا معبودا عندهم سموه “مامون”.وقدموا له الاحترام والقرابين وعدوه آلههم الذي لا يقارن بأخر..أنظر :”الألياذة اليونانية القديمة”..استمسك يهود اليونان بهذا المعبود ونشروه بينهم حتى اصبح المال معبود اليهود الذي لا ينافس، مع الألتزام بالعقيدة الدينية..فيما بعد.
قال بعض حكمائهم ان للمال فوائد ومضار ..لكن مضاره اكثر من فوائده اذا استعصم الانسان به ونسي القيم والمبادىء..فالمال يسوق الانسان الى التدني وفقدان القيم ..نعم .. يفقد الانسان سلطة القيم والمبادىء عندما يكون المال هدفه دون قانون..به يتصور انه يقدر على تحقيق كل شيء،حتى قالوا عبدة المال: “ان المال مدينتنا المحصنة عن الشرور..”
.لكنهم كانوا مخطئين.
اخذت بهذه النظرية بعض الحضارات ومنها الفارسية بدافع اشباع السيادة ، وقد استخدمت العقيدة عندهم وسيلة للوصول الى هدف السيادة والمال..حتى قال بعض عباد المال عندهم” رأيت الناس قد ذهبوا الى من عنده الذَهَبُ.
الانسان بطبعه مُتدين ..كان يعبد الاشجار والحيوان واحيانا الحجر (الصنم) وبقي لمدة طويله حتى استيقظ عقله الى عبادة القيم..لكن منذ البداية وبدافع العاطفة الانسانية المركبة به التي تطغى على العقل جعل المال آلههُ المفضل…ففتح يده للموبقات من اجل الحصول عليه …من هنا ظهرت الرشوة وبيع الشرف والقيم واسكات صوت ضميره في سبيل المال..هذه النظرية سرت عند الكثيرين فآماتت القيم عندهم وحولتم الى دمى لعبدة المال ..كما نراهم اليوم في حكومات الفساد في بلادنا ومن يتبعهم ..حين لم تعد الكلمة الجارحة بحقهم تهمهم او تؤلمهم..لانهم فقدوا الضمير..أو لانهم يملكون المال فلا يهمهم الاخر ان جاع او مات.
في بعض الشعوب حين فكر رجالها بالهجرة الى بلدان المال والسعادة لم يفكروا الا بالرفاهية والمال ليتخلصوا من فقر الحاجة والعوز..لكن حين وجدوا ان تلك البلدان تتبع القانون في المال والحياة اعتدلوا في غالبيتهم فاصبحت ثقتهم بالمعبود والقانون اقوى من المال والغنى.
بهذا التوجه قد اصلحوا اخلاقهم ومعتقداتهم السابقة وحولوها الى قيم..لكن مع الاسف وبمرور الزمن بدأت تتغلب عليهم سمة المال والغنى والتمتع بمباهج الحيا ة والرفاهية نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية – الطبع يغلب التطبع- فبدأت نفوسهم تميل الى اصلها القديم فاصبحوا يرفعون شعارين “الله المعبود صاحب الحق ..والمال الموجود صاحب الرفاه” هنا بدأت النفوس تتراجع امام الحق “الله” فأتخذوه وسيلة لسرقة اموال الناس..لكنهم ما دروا انهم يخربون بيوتهم واوطانهم وأولادهم بأيديهم .. وينساهم الله من حيث لا يعلمون.
لا شك ان دافع امتلاك المال حالة طبيعية ..نعمل ونسعى من اجلها جميعاً…لأن الدوافع الانسانية النبيلة ليست شراً..أنما الشر في وسائل اتباعها والانحراف بها ..اذا تحققت هذه النظرية الشرانية في نفوس الناس يظهرون بمظهرين :ظاهر وباطن” الظاهر القيم والاخلاق والتحدث بها.. والباطن هو التمسك بالباطل وظلم الناس وتخريب الذمم..كما في دول الفساد اليوم..ويقف من يحكمون العراق الجديد في المقدمة .
فمتى نتخلص من حالة الشر اذا كانت قيمنا في نفوسنا اقوى من باطلها ..هنا اختار الانبياء والرسل والصالحين اسلوب الحياة الصحيحة.. لذا ظلوا موضع الاحترام والتبجيل وهم اغنى الاغنياء..بلا مال.
وليتذكر من يحكمون الاوطان اليوم بالباطل قد سقطوا في فخ الشهوات والسرقات للمال العام .. وهو اصل كل الشرور..لقد طعنوا انفسهم بامراض لن ينجوا منها الى الابد ..وسيندمون.ان هم اليوم نادمون من حيث لا يشعرون.
ما دروا هؤلاء الفُساد انهم خسروا حياتهم وحياة اولادهم في الشرف والعفاف والعاطفة الكريمة واحترام الأخرين ..وفي سيل المال دونوا ضوابط قانونية تفسد القضاء ،وتعمى العيون المبصرة..ويصبح الانسان دمية لا يشعر ولا يرى الا منفعته دون الاخرين..
هذا ما سمته الكتب السماوية بالظلم للنفس والاخرين ..لذا قال الله فيهم انه “لا يحب الظالمين “.
هكذا نادى الانبياء والرسل وكل المصلحين بالنصيحة التي ذكرها الله وهي “الاستقامة”..وبدونها فانت حجر لا بشر..
[email protected]