يوم القدس العالمي حدث سنوي يعارض احتلال إسرائيل للقدس. ويتم حشد وإقامة المظاهرات الجماهيرية المناهضة للصهيونية في هذا اليوم في بعض الدول العربية والإسلامية والمجتمعات الإسلامية والعربية في مختلف أنحاء العالم، ولكن خصوصا في إيران حيث كانت أول من اقترح المناسبة. وهو يعقد كل سنة في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك .. جمعة الوداع.
في آب / 1979 أعلن الإمام الخميني مؤسس جمهورية إيران الإسلامية ما يلي :
((أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين. لسنوات عديدة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة والتي اليوم تكثف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية على العمل معاً لقطع هذه اليد الغاصبة ومؤيديها. وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم ، من خلال تظاهرات جماهيرية حاشدة ، تعبر عن تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعبر فيها عن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين)).
ومن الجدير بالذكر أن خلال السنوات الأخيرة، قد انتشرت هذه المناسبة بين المسلمين والبلدان غير الإسلامية حتى في الولايات المتحدة. بحيث لم تقتصر على العرب أو المسلمين، ولكن حتى من غير المسلمين أيضا يشاركون فيها بما في ذلك اليهود الأرثوذكس المعادون للصهيونية. لكن من المؤسف حقاً أن معظم الحكومات العربية تتحسس من المشاركة في هذه المناسبة لأسباب أهمها مايلي :
1. إنَّ شعار (يوم القدس) شعار رفعته إيران
2. إنَّ جمهورية إيران الإسلامية دولة شيعية
3. الخوف على المصالح الدبلوماسية
4. الخوف من المشاركة التي يتبعها الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي
ولعل ؛ هذه الأسباب الأربعة تجعل من حكومات وأنظمة الدول العربية .. الخليجية خاصة ً تنكمش عن المشاركة البارزة في هذا اليوم ، كيما تظهر للولايات المتحدة والمجموعة الأوربية وإسرائيل بأنها بعيدة عن التيار الإيراني الذي يقع في المواجهة مع أمريكا وإسرائيل وحلفائهما في العالم. ولو كان ممكناً للكثير من الدول العربية وأنظمتها أن تمحو مشروع تحرير فلسطين وقدسها عن الخارطة السياسية لفعلت ، لكنها لم ولن تستطيع بسبب الروح القومية والإسلامية المتنامية في الجماهير العربية ، والتي تمثل تياراً كاسحاً لعروشها إذا ما أعلنت هكذا مواقف مخزية من قضية فلسطين .. قضية العرب والمسلمين المصيرية . كما أن الأزمات السياسية التي أحدثت التناقضات في النسيج الإسلامي ، ومنها موضوعة الطائفية الإسلامية السياسية التي عززتها وأيقظتها الولايات المتحدة الأمريكية عبر قنواتها المختلفة ، جعلت من المجتمع العربي والإسلامي ينقسم على نفسه ، بين موال ٍ لإيران وموال ٍ للسعودية .. بين شيعة وسنـّة ، وهي مأساة تاريخية خطيرة تعيشها الشعوب والحكومات والمنظمات العربية والإسلامية هذه الأيام . متناسية ً ؛ هذه الشعوب وهذه الحكومات أنَّ قضية تحرير فلسطين وعاصمتها القدس ليس استحقاقا ً (صفوياً) أو (فارسياً) أو (خمينياً) ، وإنـّما هو استحقاق عربيّ إسلاميّ إنساني ، يهم العرب والمسلمين ودعاة التحرر في العالم كله .
حزب الله ؛ هذا الحزب الذي يقف ـ لوحده ـ بالمواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني تعلن عنه مجموعة الدول الرأسمالية الأوربية بأنه حزب إرهابي عسكرياً ، وهو لا يقف عسكرياً بالمواجهة لا مع ألمانيا ولامع بريطانيا ولامع فرنسا ، بل؛ يقف بالمواجهة مع إسرائيل ـ الغير أوربية ـ فلماذا تجرّمه هذه المجموعة عسكرياً ، وهو بالمواجهة مع عدوٍّ يستهدف أرضه وشعبه اللبنانيين ؟!!!
النظام القومي السوري ؛ هذا النظام الذي يمثل (قلب الأسد العربي النابض) بمواقفه التاريخية القومية منذ حرب تشرين73حتى يومنا هذا .. وكيف كانت دمشق تحت مطرقة المدفعية الإسرائيلية ، وهو نظام عربي يناضل لأجل حماية فلسطين وعاصمتها القدس وتحرير الأراضي العربية المغتصبة ، والحؤول دون تحقيق الحلم اليهودي الصهيوني التاريخي بإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات .
اليوم ؛ إيران الإسلامية ، وهي بعيدة عن مطرقة المدفعية الإسرائيلية ، وأمريكا تحسب لها ألف حساب ، والعالم الأوربي يحترمها دبلوماسياً ، وهي دولة عظيمة في قارة آسيا من النواحي المتعددة ، وذات وزن إقليمي وعالمي ، فما الذي يجعلها تخلق الأعداء على نفسها وهي في غنىً عن هذا ـ تكفيها همومها الإقتصادية ـ فنراها تعلن مساندة الفلسطينيين وتقدم لهم الدعم المباشر وغير المباشر على مختلف المستويات ، مالم يكن هنالك مقدسات عقائدية تحضها على فعل الخير لفلسطين ، ومنها إعلان اليوم العالمي للقدس ، ومناصرة ومؤازرة قضية تحرير فلسطين العربية المسلمة من براثن المحتل الصهيوني الغاصب .
على الحكومات العربية والإسلامية أن تخجل من نفسها ـ وهي تنظر بصمت قطا مرتجف ـ إلى المواقف الإيرانية الواثبة على الساحة السياسية الإسلامية والعالمية من قضية العرب الكبرى .. قضية فلسطين والقدس الشريف .. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين . . قضية فلسطين قضية العرب قبل أن تكون قضية (الفرس الصفويين) !!!
ألا تخجل المملكة العربية السعودية ، وهي حاضنة القبلة الأولى والحرمين الشريفين، أن تعلن إيران الفارسية المجوسية قبل حرب القادسية .. الشاهنشاهية شرطية الخليج الأمريكي قبل الثورة الإسلامية ، مالا تعلنه المملكة العربية السعودية الإسلامية المكيّة القرشية العدنانية القحطانية الغسانية السامية العريقة .. حاضنة أعتق بيت وضع للناس مباركاً يُعبد فيه الله ، أن تنتهك قبلتها الأولى على أيدي اليهود الصهاينة ، وإيران تنوب عنها بهذا الدور الريادي المسؤولة هي عنه قبلها .. تاريخياً وقومياً ودينياً ، فتركّز اهتمامها على تمتين درع الجزيرة لكي يضرب مساكين شيعة البحرين ، وتصب جام غضبها عليهم ، لا لشئ ؛ سوى أنهم ( شيعة ) يناضلون لأجل تحقيق هويتهم الوطنية في وطنهم الأمّ . بينما تترك المملكة العربية السعودية ومن إلتف بدرعها الخليجي إسرائيلَ تمرح وتسرح على أرض العرب المسلمين .
يتحدثون كثيراً عن أبي موسى وعن الطنب الكبرى وعن الطنب الصغرى منذ بوقهم الدكتاتور صدام حسين حتى يومنا هذا ، ويسدلون أثقل الستائر السوداء عن قضية فلسطين ، وكأن قضية الشعب العربي الفلسطيني المسلم قضية دعم مالي فقط ، دون إلاء إلى حسم هذا المصير المعلق على شماعة السياسة العالمية منذ أكثر من ستين عاما. وليس الحكومة العراقية بمنأى عن هذا العتاب ، وهي تنظر لجارتيها بعيني المقارنة ، فعلى أقل تقدير أن تعلن الحكومة العراقية احتفالية رسمية بهذه المناسبة ، وتعبّئ لأجلها . سيّما وأنَّ قضية فلسطين ليست استحقاقا بعثيّاً صدّامياً مشمولاً باجتثاث البعث ، بل هو استحقاق عربي إسلامي إنساني !!!