بتاريخ 2 آذار الحالي ، نشر الموقع الالكتروني لهيئة التقاعد الوطنية خبرا جاء فيه ( باشرت هيأة التقاعد الوطنية دفع رواتب المتقاعدين لوجبة آذار ٢٠٢٠ مع صرف مكافأة نهاية الخدمة للمتقاعدين المدنيين والعسكريين المحالين إلى التقاعد في شهري كانون الثاني وشباط / ٢٠٢٠ مع صرف مكافأة نهاية الخدمة لمنتسبي الجيش العراقي السابق الوجبة الأخيرة كما تم صرف راتب وجبه حزيران ٢٠١٤ لمتقاعدي محافظة نينوى ممن لم يستلموا راتب الوجبة المذكورة سابقا بعد إجراء التدقيقات اللازمة ) .
والخبر بخصوص إطلاق الصرف أكيد ولا غبار عليه وقد تم تطبيقه بعد نشره بلحظات ، ولكن ما يميزه عن الإعلانات المشابهة للأشهر السابقة في الموضوع نفسه بخصوص دفع رواتب المتقاعدين ، إذ انه أخفى عبارة مفادها (وبإمكان المتقاعدين حاملي بطاقات الدفع الإلكتروني مراجعة منافذ الصرف لاستلام رواتبهم ) ، التي يتكرر ذكرها دائما ، ففي إعلان دفع راتب شهر شباط المنشور على الموقع نفسه بتاريخ 1/ 2 / 2020 كان نص الإعلان ( تعلن هيأة التقاعد الوطنية عن دفع رواتب المتقاعدين لشهر شباط 2020 وبإمكان المتقاعدين حاملي بطاقات الدفع الإلكتروني مراجعة منافذ الصرف لاستلام رواتبهم ) ، والإخفاء يوحي بان الهيئة قد ابتكرت طريقة جديدة لدفع الرواتب التقاعدية خارج الدفع الالكتروني تتناسب مع الظرف الذي يمر به العالم والعراق في الوقاية من وباء فيروس كورونا الذي يأخذ اهتمام سكان الكرة الأرضية جميعا ، كما إن الإخفاء يوحي بان الهيئة تلتزم بتوصيات اللجنة الوزارية العليا في العراق المشكلة لمتابعة تفشي فيروس كورونا المستجد بالأمر الديواني 55 لسنة 2020 ، والتي من ضمن ما جاء في توصياتها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع التجمعات وتجنب الملامسة باعتبارها من الوسائل المساعدة على العدوى ، والتي ترتب عنها تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات وتعليق عمل دوائر المرور والجنسية والجوازات وإيقاف العمل بالبصمة الالكترونية ومتابعة دوام الموظفين من خلال استخدام السجلات لان البصمة من وسائل العدوى المحتملة .
وكما هو معروف فان الرواتب التقاعدية يتم دفعها من خلال مراكز الدفع الالكتروني التي كانت تشير إليها هيئة التقاعد الوطنية عدا إعلان شهر آذار الحالي ، ومراكز الدفع تعتمد على بطاقة المتقاعد واستخدام البصمة لأغلب الحالات ( لان هناك حالات محدودة تعتمد على البطاقة والرقم السري لمن لا تظهر لديهم بصمات في أصابع اليدين ) ، وقد ترتب عن هذا الإعلان توجه المستفيدين من خدمات هيئة التقاعد الوطنية عشرات الآلاف ( المتقاعدين المدنيين والعسكريين وعوائل الشهداء والجرحى والمتضررين من العمليات الإرهابية وخلف المتقاعدين وغيرهم ) إلى المصارف ومراكز الدفع في المكاتب والأسواق لاستلام مستحقاتهم والبالغ مجموعهم أكثر من 4 ملايين ، وهم يتعرضون للعدوى بالفيروس من خلال استخدام البصمة او التواجد في آماكن مزدحمة والانتظار لوقت طويل لان مراكز الدفع تشهد إقبالا كبيرا منهم سيما في الأيام الأولى التي تلي إعلان الدفع الشهري ، واغلب المتقاعدين من أكثر الفئات تعرضا للعدوى بالفيروس الوبائي بسبب أعمارهم التي تزيد عن 60 سنة وهذه الفئات أشارت لها المنظمات الدولية من حيث وجوب حمايتهم لان المناعة قد تقل بتقدم الاعمار ، وقد توقع البعض إن هيئة التقاعد الوطنية ومن خلال تنسيقها مع الجهات الحكومية الأخرى وشركات الدفع العاملة في العراق ستقوم بولوج طرق بديلة أخرى للدفع بما يدرأ الخطر عن المستحقين او أن تستخدم طرق مساعدة للتخفيف من احتمالات العدوى ( على الأقل ) ، ولكن من ذهب لمراكز الدفع وجد ذات الأساليب وكان شيئا لم يكون ، ويظن البعض إنها لم تغير أساليبها ربما لشعورها بعدم كفاية الوقت لغرض استخدام طرق بديلة او إنها تحرص على عدم تغيير مواعيد الدفع لأنها تضر بالمستفيدين او إنها لم تكترث للحدث العالمي لفيروس كورونا ظنا منها انه ليس من شؤونها ، إذ كان بإمكانها أن تستخدم طرقا وأساليب تقلل من أثار التواجد بكثافة والبصمة في مراكز الدفع الالكتروني بالتنسيق مع الجهات المعنية ، ومنها مثلا التنسيق مع المصارف والمكاتب بتنظيم دخول المتقاعدين وغيرهم بعدد لا يسبب الكثافة والاكتظاظ والملامسة كان يتم إدخال 5 – 10 في كل حالة دفع وترك الآخرين في الانتظار بفضاءات خارجية مناسبة ، او توفير وسائل الوقاية الشخصية لمن سيتم دخوله لمركز الاستلام مثل توزيع الكمامات وإلزام الموظفين والمراجعين بلبسها داخل مركز الدفع ، وتوفير وسائل الوقاية الشخصية قبل وبعد البصمة كغسل اليد بالمطهرات او تعقيمها بالكحول او ارتداء القفازات قبل وبعد الاستلام ،كما إن من الممكن أن يتم إرشاد المستفيدين بغسل الأيادي بالماء والصابون بعد الاستلام باستخدام حمامات مركز الدفع ( إن كان فيه حمامات أصلا ) ، مع وجوب توجيه الموظف الذي يمسك جهاز البصمة باستخدام المطهرات من المواد المناسبة التي يتفق عليها وعلى توفيرها مع الشركة المعنية بعد كل عملية بصمة ، ولأن اغلب المصارف تحوي على قاعات للانتظار فانه كان من المناسب أن توضع فواصل داخل أماكن الانتظار لعزل المسافات بين المراجعين لتدارك انتقال الفيروس إثناء العطس او السعال ، مع وجوب أن تقوم مراكز الدفع بوضع ملصقات ولافتات تتضمن استخدام الطرق الصحيحة في التعامل الصحي داخل القاعات كمنع التدخين والبصق واستخدام المناديل عند العطس والسعال وغيرها من الأساليب .
إن كل ما ذكرناه وما يمكن أن يضاف إليه من وسائل وأساليب الحماية لم تستخدم لا من قبل هيئة التقاعد الوطنية وفروعها او من قبل المصارف او مكاتب الصرف او الشركات المتعاقدة التي تجبي العمولات ، ويبدو إن الأمور تركت على الأقدار والعملية مستمرة لان عمليات الدفع تستمر طيلة أيام الشهر وتتكرر شهريا ، وان من يتحمل مسؤولية تعريض المتقاعدين وغيرهم المستحقين للحقوق التقاعدية ليس هيئة التقاعد الوطنية فحسب وإنما كل الجهات المعنية ومن ضمنها اللجنة العليا المشكلة بأمر مجلس الوزراء ، لأنها لم تتطرق للموضوع او تضع ضوابط وإرشادات لمنع ما حصل خلال الأيام الماضية وغيرها من الأيام ، ولان القضية لا تزال مستمرة وتحتاج لحلول بما يناسب الحالة الوبائية الحالية او لغيرها من حالات الطوارئ في مختلف الاحتمالات ، نجد من المناسب أن تقوم وزارة المالية والبنك المركزي وغيرها من الجهات ذات العلاقة بدراسة وتأمين البدائل في التعامل مع الظروف الطارئة في التداول النقدي ودفع الرواتب والمستحقات خاصة بعد الشروع بتوطين رواتب الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين والتحول إلى وسائل الدفع الالكتروني ، فالعراق كغيره من الدول معرض إلى أزمات وكوارث وحروب ( لاسمح الله ) ومن غير المعقول أن تبقى الجهات المعنية تعول على ذات الحلول لان ما تدفعه يمثل استحقاقات الشعب المشروعة وربما هي وسيلتهم الوحيدة لتأمين متطلبات المعيشة والحياة ، وفي هذا الصدد لابد من الطلب من الشركات المتعاقد معها والتي تعمل في العراق بوضع بدائل عن طريقتها المعتادة وضمن العقد ، عند حصول حالات غير اعتيادية كتوقف الكهرباء او شبكات الانترنيت او التعرض إلى تشويش او انقطاع الطرق وانتشار الأوبئة وغيرها من الاحتمالات ، على أن لا يكون ذلك على حساب المواطن من خلال تعريضه لمزيد من التكاليف يتم دفعها كرسوم او ضرائب او إتاوات .