20 سبتمبر، 2024 12:33 ص
Search
Close this search box.

تحرير الإنسان الشيعي -6

تحرير الإنسان الشيعي -6

نتحدث هنا عن شرائط التقليد التي أكد عليها المراجع في رسائلهم العملية كالإيمان والذكورة والبلوغ والعدالة التي لم يعتمدوا فيها على دليل شرعي واضح، وقد فندها السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) من الناحية الشرعية ولكنه اكدها من باب الاجماع وسيرة المتشرعه والاستنتاجات العقلية والقياس والذوق الفقهي، يذكر المحقق الخوئي في التنقيح كتاب الاجتهاد والتقليد ص214 حول شرط البلوغ : ( لم يقم أي دليل على ان المفتي يعتبر فيه البلوغ ) ويقول عن شرطي الاسلام و الإيمان ( أي كون الفقيه اثنا عشري ) ص219 : ( لم يدلنا دليل لفظي معتبر على شرطية الايمان في المقلد ، بل مقتضى اطلاق الادلة والسيرة العقلائية عدم الاعتبار لان حجية الفتوى في الادلة اللفظية غير مقيدة بالايمان ولا بالاسلام كما ان السيرة الجارية على الرجوع الى العالم مطلقا سواء اكان واجدا للايمان والاسلام ام لم يكن ) ، وكذا الحال في الرجولة والعقل فقد فند (ره) هذين الشرطين من ادلتهما الشرعية ولكنه استقر رأيه أخيرا على إثبات هذه الشرائط اعتمادا على سيرة المتشرعة ، والاجماع ، ومذاق الشارع!  ، لكن بعض الفقهاء المعاصرين كانوا اكثر صراحة من استاذهم الخوئي وقالوا بجواز ان تتقلد المرأة منصب الإفتاء والمرجعية و( الرجوله ) ليس شرطا في مرجع التقليد امثال السيد محمد حسين فضل الله والسيد كمال الحيدري .
اما بقية الشروط كـ ( الحرية وطهارة المولد ) فان الفقهاء لم يجدوا لها دليل شرعي غير سيرة المتشرعة كقولهم ان من كان فيه منقصه دينية او دنيوية مسقطة له عن الوقار والأنظار لا يجوز له ان يتصدى للمرجعية والإفتاء لأنه من أعظم المناصب الإلهية بعد الولاية .
كما ان موضوع ( العدالة ) وهو من الشروط الأساسية في مرجع التقليد موضوع متحرك وغير ثابت في شخص الفقيه فممكن ان يتمتع اليوم بالعدالة والاستقامة وغدا وبسبب ظروف ضاغطة أو إغراءات دنيوية يفقد عدالته وكل الناس يخطأون، والعصمة لاهلها، وهذا يستلزم من المكلف أن يتابع خطوات وتحركات من يرجع إليه في التقليد ، أما أن يختبئ الفقيه المتصدي للزعامة الدينية في صومعته لكي لا يطلع المكلفون على سيرته وسلوكه وكلامه ، ويحيط نفسه بهالة من القداسة المزيفة فهذا مما يرفضه الشارع المقدس فلا رهبانية في الاسلام ، والسيرة العملية لرسول الاسلام (ص) والإمام علي (ع) لم تكن بهذا الشكل ، بل كانوا يمشون في الأسواق ويخطبون ويتكلمون مع مختلف الشرائح الاجتماعية بمختلف الشؤون ، وهنالك العديد من المواقف في هذا الشأن لا تخفى على القارئ اللبيب، بل إن فقهاءنا (ره) كانت هذه سيرتهم فهذا السيد محسن الأمين صاحب موسعة ( أعيان الشيعة ) يذكر الشيخ مغنية انه وجده في دكان احد القصابين ويتمازح مع باعة الفاكهة، وهذا السيد الشهيد الصدر يجيب دعوة من دعاة للإفطار وهذا السيد روح الله عاش في وسط شعبه وارتحل بينهم ، فعدالة المرجع لا تُلمس ولا تعرف ولا تشخص الا اذا كان الفقيه بين الناس ومنفتح عليهم ولم يضع حواجز بينه وبينهم ، اما من يضع الحواجز والمسافات بينه وبين الناس فلا يعرف دينه ومدى التزامه ، واستقامته ، وتقواه.
أما الاعتماد على ما يسمى بأهل الخبرة في هذا الشأن فقد اثبت بطلانه الواقع المعاش، بل إن ما يعرف بأهل الخبرة اليوم في الغالب أناس يريدون الارتزاق على هذا المرجع او ذاك، يظهرون المناقب ان وجدت ويخفون المثالب، بل حتى يكذبون في سبيل ثبيت مرجعية فلان على حساب فلان ، يذكر ان بعد رحيل المرجع اليزدي تصدى لمرجعية النجف ثلاثة مراجع احدهم ابو الحسن الاصفهاني وقد تشكل مجموعة من ( اهل الخبرة ) ضد مرجعيتة وفي احد الايام قرر احد رجال الاعمال في ايران زيارة النجف ومرجعه الاصفهاني ، ولما سمع هؤلاء الخبراء قرروا استمالته لمرجعهم فاستقبلوه عند الحدود بصحبة ابن له كان يريد الدراسة في اوربا فحمله معه لزيارة مرقد الامير (ع) وعند لقائه بهم  سألهم عن اخبار المرجعية ومن المرجع بعد اليزدي ؟ فأخذوا يتحدثون عن تميز السيد الاصفهاني وعلمه الغزير الا ان به عيبا واحدا ارهق الجميع وتواروا عن الكلام في هذا العيب ، فزاد فضول صاحبنا حتى بلغ الجنون فلما كان منه ذلك قالوا بانه شاذ جنسيا ويهوى الغلمان ! خمن هذا التاجر بانها قد تكون خدعة منهم، وبعد وصوله الى النجف وزيارة المرقد الطاهر للامام (ع) ذهب احد الرجال الى المرجع الاصفهاني قائلا بان فلان رجل الاعمال قادم اليه ومعه ابنة الشاب الذي سوف يذهب لاوربا للدراسة وانه قد يفسد ويغلب هواه دينه وآخرته وان ورث اباه فقد لا يؤدي فريضة الخمس كوالده ! فاشار اليه ان يقنع ابن التاجر بالبقاء في النجف والدراسة في الحوزة كي يكون عالما ، وما ان انهى التاجر مراسيم الزيارة عرج لمقابلة السيد مع ابنة ، حينها بادر السيد للترحيب بالغلام اشد ترحيب مصحوبا برقة عالية ومشاعر استلطاف واصرار على ان يبقى الغلام في النجف للدراسة ، فما كان من التاجر الا ان تيقن من شذوذ المرجع الاصفهاني ! فقفل عائدا الى بلاده واصبح فيما بعد من مقلدي الميرزا النائيني المعاصر للسيد ابي الحسن، وصار يرسل له كل عام مبالغ الخمس والزكاة ! فتأمل …
اما شرط ( الاعلمية ) فقد ادعاها الكثير من الرجال بدون وجه حق، واختلف في تحديدها فقهاء آخرون ، والمتتبع لهذا الشرط يجد ما يأتي :
ان هذا الشرط ليس شرطا اساسيا في المرجع الديني لذا نجد العديد من الفقهاء لم يعترف به لصعوبة تحققه واقعا.
ان هذا الشرط لم يتوفر في اغلب الفقهاء المعاصرين وهنالك تعارض شديد فيما بينهم حول الاعلمية وعند التعارض تطرح الأقوال اذا لم توجد مرجحات اخرى .
ان الأدلة التي اعتمدها الفقهاء على شرعية التقليد لم تحدد الاعلمية فقد ارجع الائمة (ع) جماعة من الناس الى اكثر من شخصية علمية من تلاميذهم مع وجودهم (ع)، وكذلك الايات المباركة (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) يعني اسألوا أي احد منهم ، وكذلك (وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) لم تحدد الاعلمية.
ان تحديد الاعلم متعسر جدا على عموم الناس بل حتى على ما يعرف بأهل الخبرة لان لكل واحد من العلماء مقايسه في تحديد الاعلم ، ولا يوجد مقياس مسلم به عند الجميع .
ان الاعلم لم يحدد عند الفقهاء بانه اعلم بماذا في الفقه ام في اصول الفقه ام في عموم امور الشريعة ؟ حتى يتم التمايز.
كما معظم من عقدت المرجعية لهم بعد الشيخ الانصاري (ره) كان هنالك من هو اعلم منهم ولنأخذ مثال السيد ابو الحسن كان في عهده الشيخ النائيني من اكابر علماء الحوزة ، والسيد الحكيم كان هنالك العديد من الفطاحل امثال الاصولي الشيخ ضياء الدين العراقي والسيد جمال الدين الكلباكاني والسيد البغدادي والشيخ الحلي والعديد غيرهم ، حتى ان احد معاصريه كان شديد العتب عليه بسبب تصديه امام هؤلاء الافذاذ وهو اصغرهم سنا وعلما، وكذلك السيد الخوئي فقد شهد المنصفين ان الشهيد محمد باقر الصدر كان اعلم منه بالرغم من انه من تلامذة ، واليوم ما يسمى المرجع الأعلى للشيعة يوجد اعلم منه من الذين عاصروه أمثال السيد عبد الأعلى السبزواري والشهيد الشيخ علي الغروي والشهيد الصدر الثاني والسيد الروحاني والسيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي والعديد من الأعلام حتى ان كتابه الاصولي ( الرافد في علم الاصول ) عندما طبع تفاجئ اهل العلم بمستواه ، وفي اوانها سألت بعض العلماء عن مستوى هذا الكتاب من الناحية العلمية فقال : ان بعض طلابي لو يكتب في علم الاصول يكتب افضل من هذا الكتاب ! ونصحه السيد الحائري بان يسحبه من المكتبات.
وهنالك العديد من الإشكالات المثارة حول موضوع الاعلمية نحيل من يريد التوسعة إلى كتاب ( آراء في المرجعية الشيعية ) لمجموعة من العلماء والباحثين وكتابي الأستاذ عادل رؤوف الآلهة البشرية ج1 ، وصناعة العقول بين التقليد الفقهي وثقافة التقليد.

أحدث المقالات