22 نوفمبر، 2024 12:02 م
Search
Close this search box.

التغيير الاجتماعي عند السيد محمد باقر الحكيم

التغيير الاجتماعي عند السيد محمد باقر الحكيم

اختلف العلماء والمفكرين خلال عهود طويلة من الزمن، في محاولتهم لتفسير طبيعة تكون المجتمعات، وآلية التغير الحاصلة فيها، وإمكانية ضبط أو توجيه هذا التغير.
واختلفوا أيضا في محورية هذا التغيير وفلسفته، فمدرسة ذهبت إلى إمكانية ضبط منظومة القيم والأخلاق، ومراقبة المؤسسات التربوية في المجتمع، من أجل الحفاظ على هيكلية المجتمع وطريقة حياة أهله، باعتبار المجتمع يمثل جسدا وبينية واحدة متراصة، وغالبا ما كانت المدرسة البنيوية، تمثل تصورا واضحا لهذا الاتجاه.
مدرسة أخرى كانت ترى أن المجتمع في حالة تغير مستمر، من خلال تعاقب الأجيال، وأن التغيير هذا يمكن أن يحصل من خلال تغير أنماط التفاعل بين أفراده، وهو ما يمثله أصحاب التفاعلية الرمزية.
أنماط أخرى حاولت أن تحصر فلسفة التغيير بالمنهج الفرداني، وأن الفرد هو الذي يمثل آلية أو أداة التغيير أو الثبات في القيم والسلوكيات المجتمعية، وأن قياس الفعل الاجتماعي، يمكن ضبطه ومعرفته من خلال مراقبة سلوك الأفراد فيه؛ بينما مدرسة أخرى كانت ترى أن عمدة التغيير والثبات في أشكال التربية والسلوك والأخلاق، إنما يكمن من خلال اعتماد تحليل الفعل الاجتماعي عند الجماعة، دون الاهتمام بالفرد، وكانت الوظيفية خير ممثل لها .
التغيير الاجتماعي يُقصد به: كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية سواء البنائية أو الوظيفية، خلال مدة زمنية محددة، كما يشير إلى أنواع التطور التي تُحدث تأثيرا في النظام الاجتماعي، أي التي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه، أو أي اختلاف أو تبدل في الحالة الشكلية أو الجوهرية من شكل إلى آخر، أو مكان إلى آخر وبشكل متعاقب.
غالبا ما ينظر علماء الاجتماع إلى أن التغيير الاجتماعي يسير بمنهج فوضوي بدون تحديد اتجاه، باعتباره كعملية تطورية أو تغير مستمر، دون أن يضعوا غايات أو نهايات عقلانية لهذا التغيير .
-التغيير الاجتماعي عند السيد محمد باقر الحكيم.
ينطلق السيد الحكيم في نظرته لمفهوم التغيير الاجتماعي، من منطلق ديني قرآني بحت، يختلف في غاياته النهائية، عن ما سبق ذكره من مدارس وتحليلات.
فعملية التغيير المجتمعي عند السيد الحكيم تنطلق من إعطاء الإسلام للإنسان محتوى عقلي وعلمي وروحي وأخلاقي خاص، تمكنه من أن يكون النواة الأولى للتغيير في المجتمع، فهو يرى أن عملية التغيير تبدأ من الفرد، فهو المحور الأساس فيها.
وبما أن محور التغيير الاجتماعي عند السيد الحكيم يتعلق بالفرد، من خلال ما يحويه من أسس وجدانية وعاطفية وروحية وأخلاقية، لذا يرى أن المنهج الديني الأخلاقي الروحي (الذي غالبا ما يكون هو المحرك الأقوى لهذه الأسس)، هو الأساس الأول لحصول أي عملية تغيير، وهو الرادع الأول ضد أي عملية تهديم أو تكسّر لبنية الفرد (وبالتالي بنية المجتمع)، وبمقدار ما يتميز الفرد بهذه الخصائص، وبمقدار ما يكون لهذه الخصائص من أثر في هذا المحتوى، يتأثر المجتمع ويتغير.
أي أن السيد الحكيم رحمه الله، ينظر إلى أن الإنسان بنظرة بنيوية متكاملة، لا كنظرة أصحاب البنيوية الاجتماعية، بل نظرة تعتبر الفرد هو لوحده بنية اجتماعية، بنية تمثل الجوهر واللب الأساس لبنية المجتمع، فإذا تم ضبط البناء الداخلي الرصين لهذه البنية، من خلال تفعيل ضوابط السلوك الأخلاقي والروحي لدى الفرد (التقوى)، سوف يكون التغيير الاجتماعي تغييرا تطوريا يسعى بالدرجة الأولى نحو تحقيق الفضيلة الاجتماعية، بسيطرة القيم كفواعل، تمثل مصادر ثِقَل المجتمع وكينونته.
يرى السيد الحكيم، أن المحتوى الداخلي أو الجانب الروحي والنفسي، هو العنصر الأهم في مصير الإنسان وحياته الأبدية، وهنا يختلف مفهوم التغيير الاجتماعي عند سماحته، عن المدارس الغربية التي تناولت هذا الموضوع، والتي ترى أن التغيير يسير بدون تحديد اتجاه، فهو يرى أن التغيير الاجتماعي، يحصل نتيجة تطورية أخلاقية سلوكية، تقود الفرد بتراتبية صعودية تطورية، لتحقيق حالة تكامل تنشطر نحو هدفين، الهدف الأصغر: الحياة الدنيا، والهدف الأكبر والأهم والأعمق، وهو الحياة الآخرة الأبدية.
تبقى النظريات التي تحاول أن تفسر التغيير المجتمعي، تفتقر إلى النظرة الشمولية في تحقيق فهم واضح للمغزى الرئيسي والمهم في عملية التغيير هذه، فاقتصار التفسير العلمي لعملية التغيير على شق واحد من الفواعل أو المحركات (والمقصود بها هنا الحياة الدنيا)، أسس لتفسير، لعدم أخذه بنظر الاعتبار، لتلك البنية الداخلية الكبيرة والمحكمة التي يحتويها الفرد، والتي تتعطش دوما للبلوغ نحو تحقيق الكمال الروحي والأخلاقي، ووقوف العقل العلمي عاجزا عن إيجاد تفسير لنزوع النفس البشرية لتحقيق ذلك الكمال الروحي.
بينما نجد أن نظرية السيد الحكيم تعالج هذه المعضلة، بإرجاعها إلى منهجية الامتحان والتكليف الإلهي للفرد البشري، وإخضاعه لمنهجية امتحان الإرادة في اختيار الحق والصواب، أو الباطل الضلالة، لكي يصل إلى حالة التكامل المنشودة، التي تهيئة للحياة الأخرى، أي أن التغيير الذي يحصل في المجتمع، يرجعه السيد الحكيم إلى إرادة الفرد الصراعية، التي تدفعه أو تردعه، للتعاطي مع كينونته الفردية الداخلية، التي جبلت على هذا الصراع الوجودي الفطري، والذي تكون نهايته بنهاية الحياة الدنيوية للفرد، والانتقال للحياة الأخرى.
المصادر :
الحكم الإسلامي- بين النظرية والتطبيق- آية الله السيد محمد باقر الحكيم.
التغيير الاجتماعي- قراءة مفاهيمية من منظور سوسيولوجيا الاستخدامات- سويهلة زوار

أحدث المقالات