23 نوفمبر، 2024 4:57 ص
Search
Close this search box.

حكومة اللاكفاءات!

يحتل العراق المرتبة الأولى في عدد السياسيين من حملة الشهادات العليا” غير المطابقة للمواصفات العلمية”،  ما يكشف عن أسباب عدم القدرة على انضاج مشروع سياسي و علمي كفيل بانقاذ العراق من مخاضات التعكز على عدم الواقعية و النضوج المبهرج، ونحن هنا لا نغمط حق أي شخص جد و أحتهد للوصول الى درجة علمية خولته القدرة على التمييز بين المنطق و نقيضه، لكن أيضا ما يدمي ألقلب أن بعض العناوين الكبيرة قد تسلل الأهمال الى نفوسها، فتراخت حلقات الأهتمام بالتطور خاصة في مجال الطب، حيث يحق لي أن أجتهد بحكم التجربة و الغيرة على المهنة و أيضا حرصي على وضع  القفزة العلمية الكبيرة في خدمة أخوتي، الذين قست عليهم الظروف أكثر من اللازم، وهو ما تعكسه طبيعة أمراضهم لتي اتابعها عن قرب في عمان .
وللتأكيد على هذه الحقيقة نسوق مثلا عن قيام شخص ما في ” استنساخ” شهاداتي العلمية و وضع أسمه عليها على أمل الحصول على فرصة عمل وراء الأطلسي، وذلك من باب عدم القدرة على مواكبة المسيرة بأجتهاد حقيقي، فما وصل اليه العلماء من العراق الى الصين هو نتيجة مثابرة و حرص بعيدا عن الأتكالية والتقاعس، خاصة في ميدان الطب الذي يستلزم أمانة كبيرة ، ولا أدري اذا أصبح هذا ” المستنسخ” صاحب قرار في العراق اليوم، أو خبيرا في شؤون الطب أو الطاقة وغيرها من أختصاصات على صلة مباشرة بحياة العراقيين و مستقبلهم، خأصة وهناك الكثير من أمثاله الذين خلطوا العلم بالسياسة والمصالح بطريقة مشوهة.
و فناعة منا بأن الكم الهائل من الشهادات ليس بالضرورة طريق النجاح، فأننا ندافع بقوة عن مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المخصص له، وبما يمكنه من تقديم خدمات حقيقية للعراقيين وليس مصدرا للثراء أو تقلد المناصب دون عطاء، وهي من وجهة نظرنا من  اخطر المشاكل التي تنخر بالعراق على مختلف المستويات، حيث أصبحت ” الوجاهة المكتسبة” من أساسيات الفوز بالملذات،  بينما شعب العراق ينتظر أملا من المجهول، ما يضع على عاتق الوطنيين مسؤولية التكاتف لتغيير المسارات الخاطئة، و انضاج مشروع عراقي يضع الكفاءة في مكانها الصحيح ويدفع الى أسفل القائمة المراهنين على استمرار الخلل عبر طيخة مدروسة لخلط الأوراق و تنويع المصاعب و الغاء الحلول.
ان العراق بحاجة كبيرة لاعادة تفعيل دور الكفاءات في مختلف الأختصاصات و القضاء على مشروع ” تخويف و تهجير” أصحاب الأختصاص بطرق ملتوية، تصل حد التأمر على المبدعين واجبارهم على ترك الوطن يغرق في مستنقع اللاوعي السياسي و الأمني و العلمي، خاصة وأن الحكومة الحالية تعترف بنصف الحقيقة من حين لأخر عندما  تتحدث عن ضرورة العمل على اعادة توطين الكفاءات، و تأمين ظروف حياة آمنة تمكنهم من تقديم الخبرة و المهنية العالية لتحقيق نهضة حقيقة في الأختصاصات كافة، وبما يسهل عودة التوازن للحياة اليومية، بدلا من تعويم الحلول و كسر زجاجة الأمل أمام عيون العراقيين.
 وانطلاقا من خبرة مكتسبة في أهم مجالات الطب، وأقصد بذلك جراحة القلب و الشرايين امتدت الى أكثر من 30 عاما من أمريكا الى الأمارات مرورا ببيروت والدوحة وعمان وقبل ذلك بغداد، فأني على قناعة تامة بضرورة اجراء عملية جراحية كبرى يتم من خلالها استئصال كل الأورام التي تسللت الى الجسد العراقي من محاصصات وتوافقات وتناحر مذهبي غريب جدا عن نبض القلب العراقي، بحيث نؤسس لتجربة وطنية يكون فيها الولاء الى العراق هو الهدف و الغاية، وأن تتكاتف الجهود لبناء وطن يتسع لجميع أبنائه بعيدا عن انتظار الحلول من وراء الحدود بأية طريقة أو املاءات تضع استقرار العراق في أخر سلم الأهتمامات.
 ولأني عايشت بشكل مباشر الأحداث التي أسست لجريمة احتلال العراق، فان الخطأ القاتل الذي يهدد الجميع هو غياب المشروع الوطني الجامع، فيما تتنوع  ” الخيارات الطارئة ” و التي ستبقى عاجزة عن تشخيص المرض وتحديد نوع العلاج بعيدا عن المسكنات أو الحلول الترقيعية، وهذا لن يحدث بدون انتفاضة سلمية تعيد رسم خارطة العراق الذي يحلم به الأطفال ويتغاضى عنه السياسيون بسبب التزاحم على المكان غير المناسب لقدرتهم على العطاء الحقيقي، و الأحتماء وراء ” تطييب خواطر” حزبية وعقائدية تضيق بها شرايين العراقيين، بدليل الأمراض غير الأعتيادية التي نتعايش معها بشكل يومي، حيث القلق و الخوف من المجهول يغير من نبضات القلب لتتصلب الشرايين و النتيجة معروفة.
 ولأني لست من بين قائمة المتشائمين فأن انقاذ العراق من ” ورطة ” ما بعد الأحتلال وقبلها التي تسببت بها مزاجيات الحكم و وفردية القرار و عدم الأهتمام الحقيقي بعطاء علماء الوطن، وما أكثرهم، فان الطريق الصحيح الذي يقودنا الى” الفرج” لن يكون طويلا اذا تلاقت النفوس و العقول عند مصلحة العراق و شعبه، حينها لن نطلب العون من واشنطن أو موسكو أو نواكشوط فالعراق خزين العلم والأبداع والثقافة و الثروات الهائلة، رغم ” بلوة” عدم نضوج الحكم في مراحل أمتدت الى أكثر من نصف قرن، ومع ذلك فان المستقبل بحاجة الى خطوة بالاتجاه الصحيح، وهذا ما نسعى اليه سبيلا للبقاء و ردم هوة الخوف بايادي عراقية مخلصة.

* اخصائي جراحة القلب و الشرايين

أحدث المقالات

أحدث المقالات