الثورات في مجتمعاتنا مهما كانت أصيلة ومعبّرة عن إرادة وطنية حقيقية , فأنها تتحول إلى حالات يتم الإستثمار فيها من قبل غير الثائربن , فتفقد منطلقاتها وغاياتها وتصبح بضائع في أسواق المزايدات السياسية , ويركب موجتها من لديه القدرات اللازمة لذلك.
حصل هذا السلوك في الثورة المصرية والسورية والليبية واليمنية , وباقي الثورات في الدول العربية الأخرى , وإن ظن البعض فيها سوءً , لكنها تحمل روح الثورة , وتشترك في غياب القيادة والرؤية الواضحة للمستقبل , وتميل نحو المطلبية العسيرة المنال , مما يكلفها التضحيات الجسام.
وهناك قوى محلية وإقليمية وعالمية تندفع نحوها لتشويهها وأخذها في مسارات تحقيق مصالحها ونواياها السيئة , ويأتي في مقدمتها تأمين الإضطراب والإقتتال ما بين أبناء المجتمع , والتأسيس لعلاقات مأزومة بين القوى الفاعلة فيه.
وما يحصل للثورة العراقية الشبابية الباسلة لا يختلف عما جرى لأخواتها , لكنها تعلمت بعض الدروس والعِبر ومضت بمطاولتها وصمودها وإصرارها السلمي , ومع ذلك فأن العديدين يحاولون الصعود على ظهرها وتسخيرها لتحقيق مصالحهم , وكلما طال أمدها تزايَد عددهم.
فما يجري هو التنافس على الإستحواذ على المشهد الثوري , والإبحار به نحو ميادين ما تريده هذه القوة أو تلك , بل أن الأحزاب أخذت تحاول الظهور بالإصطفاف إلى جانب الثورة قولا وضدها فعلا وغدرا , وأن بعض الرموز تسعى للقول بأنها هي صاحبتها ولديها القدرة على إخمادها وتأجيجها أنى تشاء.
وتلك محنة الثورات في المنطقة , لأن المطلوب أن تكون أنظمة الحكم ضد الشعب , وأي حركة أو توجه لنيل مطالب الجماهير وتأكيد دورها وقيمتها , سيتقاطع مع المصالح الإقليمية والعالمية الهادفة إلى إمتلاك مصادر الطاقة بأنواعها , وإذا صار الشعب حرا ونال حقوقه فأن هذه المصالح ستكون في خطر.
وهذا يفسر الصمت المشين للدول المنادية بالديمقراطية , والتي لم تفعل ما تستوجبه الحالة , حيث تُنتَهك فيها الحرمات ويُقتل الأبرياء , لأنهم يريدون حقوقهم المتعارف عليها في لائحة حقوق الإنسان.
فلماذا يحاولون مصادرة إرادة شعب يريد وطنا؟!!
“……ولكل جهدٍ في الحياةِ ثمارُ”؟!!