17 نوفمبر، 2024 1:34 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. فريد عبد العظيم: لم نعد نتمتع بروح التعددية أصبحنا عنصريين بامتياز

مع كتابات.. فريد عبد العظيم: لم نعد نتمتع بروح التعددية أصبحنا عنصريين بامتياز

 

خاص: حاورته سماح عادل

“فريد عبد العظيم”، روائي وقاص مصري، من مواليد القاهرة 1983،  صدرت له رواية بعنوان “خوفا من العادي” 2019. صدرت له رواية بعنوان “يوميات رجل يركض” 2020.

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– بدأت الكتابة متأخرا، في عمر الثالثة والثلاثون كتبت قصتي الأولى، كل من قرأها أجمع أنني لا أمتلك أي مقومات لأصبح كاتبا. الصدفة لا أكثر هي من دفعتني لورش الكتابة الإبداعية، في معرض القاهرة الدولي للكتاب للعام 2017 كنت متواجدا فوجدت إعلانا عن ورشة مجانية تقيمها هيئة الكتاب فحضرتها بدافع الفضول، محاضرتين للروائي محمد عبد النبي استفدت منهما الكثير، كتبت بعدها أكثر من قصة وشعرت بتحسن مستوى كتابتي.

بعدها أخبرني أحد الأصدقاء بأن الدار المصرية اللبنانية ستقيم ورشتها الأولى للرواية، اعتبرت الأمر مسابقة لتقييم قصصي وأرسلت إحداها إلى الدار، أعلنوا بعدها قائمة الفائزين التي ضمت عشر مشاركين تم اختيارهم من ضمن 200 متقدم للانضمام، وكانت المفاجئة بالنسبة إلي بأنني كنت ضمن المختارين. بدأت أثناء الورشة في كتابة المسودة الأولي لروايتي “خوفا من العادي” ولاقت استحسانا من المحاضر وفريق العمل بالدار، بعدها تأهلت للمشاركة في مشروع دعم المواهب في مجال الكتابة بإقليم شمال أفريقيا/ الشرق الأدنى ٢٠١٨ (مشروع قصص القاهرة القصيرة) الذي نظمه معهد جوته بالتعاون مع مؤسسة بنك التعمير الألماني KfW ضمن 12 متدربا اختيروا من أكثر من 400 متقدم.

 (كتابات) في رواية “خوفا من العادي” رصدت مشاعر الغربة والوحدة التي يشعر بها الريفي في العاصمة.. حدثنا عن ذلك؟

– ليست فقط غربة الريفي في العاصمة، ما دفعني إلى الكتابة هو معني الوطن بالنسبة للفرد، ما هو تعريفه الدقيق، هل هو مجرد حدود جغرافية، أرض، تراب، بيت صديق مثلا أو دفء حبيبة أو حضن أم. البطل الرئيسي للرواية هو تلك الفكرة، المحرك الرئيسي لبطل “خوفا من العادي” هو شعوره بالاغتراب وبحثه المستمر عن الوطن، الرواية هي رحلته للبحث عن وطن يشعر فيه بالاطمئنان والسلام النفسي.

(كتابات) في رواية “خوفا من العادي” تحدثت عن أنماط متعددة من البشر.. البطل، الأخرق، الاونطجي احكي لنا؟

– البطل يمثل القائد، صاحب القرار، المسيطر على الجمع والقادر على استغلال الأحداث السياسية والاقتصادية لصالح فريقه، الأخرق هو مثال للشخص الثوري، الرافض لقواعد مجتمعه وطريقته في العيش، أما الأونطجي فهو الشخص الفائز في جميع الحالات والمتقلب بين جميع الاتجاهات السياسية ليحقق المصلحة القصوى لنفسه دون النظر لأي اعتبارات.

(كتابات) في رواية “خوفا من العادي” هل استلهمت شخصيات الرواية من الواقع أم الخيال لعب دورا كبيرا؟

– لا أبطال خياليون، بالتأكيد هناك من يماثل شخوص أي رواية في الواقع، أحيانا إلى حد التطابق.أغلب أبطال “خوفا من العادي” بلا أسماء، لكل منهم صفة تعبر عنه وتوصل للقاريء ما أريد قوله، هناك المخبر والبطل والأونطجي والأخرق والطائش.

(كتابات) في رواية “خوفا من العادي” رصدت معاملة القاهريين للوافدين من الريف بتعالي أو استغلال أو عنصرية.. هل هذا تعميم؟

– للأسف لم نعد نتمتع بروح التعددية، أصبحنا عنصريين بامتياز، نسخر من المختلف، أغلب نكاتنا تتمحور حول الصعيدي والأسود والفلاح والسمين، بالرغم من أن القاهرة أصبحت مدينة للغرباء، أي أن  أغلب سكانها لا ينتمون إليها بالمولد، غرباء من محافظات مختلفة حضروا إليها سعيا وراء لقمة العيش وأملا في حياه أفضل، إلا أن التعالي من أهل العاصمة على المغتربين لم ينته.

(كتابات) أحد الأفكار الرئيسية التي تطرحها الرواية هي ثنائية الريف والمدينة لماذا اخترت هذه الفكرة تحديدا؟

– ثنائية الريف والمدينة فكرة قديمة للغاية، قصة الريفي النازح إلى العاصمة للبحث عن لقمة العيش، ثيمة تناولتها الكثير من الأعمال الإبداعية، حاولت في “خوفا من العادي” أن أرصد التغيرات التي حدثت في العقد الأخير، أعتقد أن أي قارئ للرواية سيلاحظ الفارق، لم يعد هناك القروي الساذج، الصورة النمطية تغيرت كلية، أتحدث هنا  عن المغترب المتفاعل مع الأحداث المشتبك معها لتحقيق مصالحه. مفهوم الاغتراب تغير.

“كمال محفوظ” بطل العمل يهرب من بلدته إلى العاصمة أملا في الصعود الاجتماعي، يكتشف مع مرور الوقت أنه غريب في العاصمة، يحاول طيلة الوقت التأقلم والاندماج أملا في أن تصبح العاصمة موطنه ومستقرة الأخير، الأجيال السابقة كانت تنظر إلى القاهرة كمقر للعمل ليس إلا، مجرد مكان يتحصلون فيه على أجور جيده تمكنهم من الادخار، سنوات من الغربة الاختيارية يعقبها عودة إلى القرية لشراء الأرض وتأسيس الدار، على العكس من ذلك أغلب شخصيات الرواية، يرون في القاهرة موطن بديل ومستقر أخير.

(كتابات) حدثنا عن روايتك الجديدة؟

– روايتي الثانية بعنوان “يوميات رجل يركض”، تتناول الرواية موضوع السلطة المطلقة ومدى تأثيرها على المجتمع من خلال تسخير أدوات مختلفة من ترهيب وترغيب واستخدام الأعلام الموجه. كما تشير إلى مشكلة الأقليات وكيفية تعامل المجتمع معها ومحاولة تقديم صورة غير نمطية أو نموذجية لجميع الأطراف، ويتم ربط كل هذه الخيوط من خلال لعبة شعبية وهي كرة القدم وتأثيرها في حياة الفرد والمجتمع.

“تدور الرواية  حول “عبد المعبود”، أو “عبودة” كما يطلق عليه كلقب شهرة٬ بطل كرة قدم محترف معتزل، يسرد مذكراته لصحفي يريد أن ينشر كتابا عن قصة نجاحه الكبير، وانتقاله من اللعب في الشارع إلى اللعب في أكبر نادي في الدولة تحت قيادة (الجنرال)، أقوى وأشهر مدرب كرة قدم، والأحداث المثيرة التي أدت لاعتزال “عبودة” بعد صراعه العنيف مع الجنرال بسبب رفض “عبودة” تنفيذ بعض القرارات التي تخالف مبادئه.

 (كتابات)  لما اخترت مجال الرواية هل بسبب طغيانها على أنواع الأدب الأخرى أم ماذا؟

– أحب الرواية ووجدت نفسي بها، القصة القصيرة تحتاج إلى الاختزال والتكثيف وحاليا تميل إلى التجريب وأنا لا أجيد ذلك ولا أفضله.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في مصر؟

– رغم كل ما يقال عن تدني المستوى الثقافي بمصر إلا إنني أرى أن الوضع ليس بمثل هذا السوء، أعداد القراء في زيادة ملحوظة، الفاعليات الثقافية تضاعفت بالسنوات الأخيرة، عدد الإصدارات الأدبية زادت بصورة كبيرة، أعتقد أن جيل ما بعد ثورات الربيع العربي يضع القراءة ضمن اهتماماته.

(كتابات) ما رأيك في حال النشر في مصر وهل يدعم الكتاب المبتدئين؟

– النشر مثله مثل أي صناعة يرتبط بالعرض والطلب، أغلب دور النشر لا ترحب بالكتاب المبتدئين، أي صاحب رأس مال يضع الربح على رأس اهتماماته ويتجنب المخاطرة بنشر عمل أول لكاتب غير معروف، النشر في الهيئات الحكومية هو الآخر صعب ويستلزم الكثير من الصبر والانتظار لسنوات حتى يصدر العمل أو لا يصدر.

قصّة قصيرة لفريد عبد العظيم

صاحبه العصا

انتصف النهار ولا جديد تحت الشمس منذ أن انقطع دبيب العصا على سقف الغرفة.

جلست على مقعدها الوثير تنظر إلى الصالون الذهبي العتيق بفخر بعد أن انتهت من تنظيفه للتو واسترجعت ذكريات نصف قرن مضى منذ شرائه، زواج طويل أثمر عن طفلين هم الآن على مشارف الخمسين وزوج تركها وحيده قرب نهاية الرحلة وسبقها في الانتقال إلى جوار ربه، تتذكر البيت الكبير الذي تركته بعد هذا العمر لتنتقل إلى تلك المدينة الجديدة التي كانت منذ سنوات قليله صحراء لا يسكنها بشر، الأولاد لمحوا باستحياء برغبتهم في بيعه وهى لم تعترض.

تضحك على عصبيتها الزائدة في يومها الأول في ذلك المسكن الجديد بسبب دبيب العصا على سقف الغرفة.

فبعد أن ودعها الأبناء بعد إتمام المهمة وفى نهاية يوم شاق أنهك أعصابها كان هذا الدبيب، دبيب منتظم، يبدأ بطيئا وخافتا ثم يتصاعد تدريجيا إلى أن يبلغ الذروة ثم يبدأ في الخفوت حتى ينتهي، ليبدأ من جديد، تجاهلته مره تلو الأخرى إلى أن أصبحت لا تحتمله، فالهدوء الجاثم على تلك المدينة الخاوية جعل صوته قاس على إذنها، قررت أن تصعد، لتقابل صاحبه العصا للمرة الأولى.

هي امرأة ، وحيده مثلها، والعصا عكاز تتوكأ عليه، والدبيب وسيلتها في الترحيب بالساكن الجديد ولفت انتباهه للصعود، فالسن والصحة لم يعدا يسمحان بالنزول، فهي بالكاد تتحرك.

منذ ذلك الحين ودبيب العصا أصبح إشارة للقاء ، فبعد أن تستيقظ من قيلولتها المعتادة وتصلى العصر وتنتهي من وردها اليومي تجلس على مقعدها الوثير وتنتظر الإشارة لتصعد. تطول الجلسة لساعات ، تحدثها عن ذكرياتها ، بيتها القديم ، زوجها الراحل، أطفالها الذين أصبحوا شيوخا ، أحفادها الذين أصبحوا أباء، تسعل من دخان سجائر صاحبه العصا، تعنفها على ذلك الفعل فلم يعد رصيد الصحة الذي قارب على النفاذ يسمح بذلك، تعد لها القهوة ، تشرب معها بتردد خوفا من ارتفاع ضغط الدم .

تتعجب من أفعال صاحبه العصا، ضحكتها الرنانة التي لا تتناسب مع جسدها الواهن ، معرفتها بنتائج مباريات كره القدم، حكاياتها التي لا تنتهي عن الأفلام والمسلسلات التي تتابعها بشغف، اهتمامها الزائد بأخبار العالم، دائما ما تعاتبها على باب شقتها المفتوح دائما وعمال التوصيل الذين لا يطرقون الباب ويدخلون دون سابق إنذار ليسلموا لها  المشتريات.

كان السعال في البداية نادر الحدوث رغم سنوات عمرها التي تخطت السبعين ولكنه زاد بفعل سجائر صاحبه العصا، إلى أن أصبح يلازمها دائما، في البداية تضاءلت مده اللقاء مع فتح جميع النوافذ، ثم قلت اللقاءات تدريجيا على الرغم من استجابة صاحبه العصا بالامتناع عن التدخين خلال تواجدهما معا ولكن الدخان عالق في المكان يأبى أن يخرج، إلى أن اتخذت قراراها النهائي وانقطع اللقاء.

لم تعد تستجيب لدبيب العصا، يوم تلو الأخر إلى أن طرق بابها ابنه صاحبه العصا الآتية في زيارة خاطفه لأمها، بضعه دقائق فقط كانت كفيله بشرح الموقف إلى الابنة. ومن يومها انقطع الدبيب بلا رجعه.

انتصف النهار ولا جديد تحت الشمس منذ أن انقطع دبيب العصا على سقف الغرفة.

اتصلت بالأولاد والأحفاد، أطمئنت على الجميع، صلت الفرض والسنة، قرأت وردها اليومي وختمته بالدعاء لزوجها الراحل، أخرجت من جيبها بخاخ الحساسية الذي أوصاها الطبيب بأن يكون بجانبها دائما لتستعمله حين تهاجمها نوبات السعال اللعينة، نظرت إليه في سعادة فهي لم تعد تستخدمه منذ أيام، أزاحت الأدوية من على المنضدة، فقد زال السعال.

تنظر إلى سقف الحجرة، تحدث نفسها بأنها قد اتخذت القرار الصحيح في الوقت المناسب ، فالصحة لم تعد تحتمل ، تفكر في انقطاع الدبيب. بالتأكيد ابنتها شرحت لها الموقف… أم تكن اخترعت حجه أخرى كي لا تضايق أمها، هل هي مريضة؟ ولهذا حضرت الابنة التي لم أراها من قبل، هل ذهبت إلى مستشفى أم إلى بيت ابنتها.

راودتها أفكار مفزعه عندما تذكرت باب جارتها المفتوح دائما ، هل تعرضت لمكروه ؟ ، أنهت سلسله الاحتمالات بقرار الصعود للاطمئنان على الجارة وقالت لنفسها:

النبي وصى على سابع جار، اطمئن عليها من على الباب وانزل على طول.

الباب الموصد على غير العادة زاد من قلقها، طرقته ولا مجيب، طرقت ثانيه، أكثر، طرقت بعنف، بكلنا يديها، بكت، انتحبت، ثم أتى دبيب العصا الخافت بردا وسلاما عليها، ارتفع الدبيب أكثر فأكثر إلى أن فتح الباب وظهرت، عانقتها وأطالت

يعنى ابقي مريضه ومتسأليش عليا

رد صاحبه العصا ألف سلامه عليكي…. اتفضلي

دخلت دون تردد وتوجهت مباشره إلى المطبخ لتعد القهوة ، سعلت بشده بفعل دخان السجائر ، تناولت جرعه من البخاخ بسرعة ، ثم خرجت حامله فنجاني القهوة … لتبدأ الجلسة المعتادة التي افتقدتها كثيرا

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة