خاص : كتبت – هانم التمساح :
انتفضت المرأة العراقية ردًا على دعوة الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، إلى عدم الإختلاط بين الجنسين واتهامهن بالكفر والإنحلال في أماكن الاعتصام، ودفاعًا عن دور المرأة في حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة العراقية، تظاهرت مئات العراقيات في وسط “بغداد”، الخميس والجمعة. وسارت نساء وشابات في “نفق السعدون” وصولاً إلى ساحة الاعتصام الرئيسة، وهن يرفعن شعارات ويردّدن هتافات تُشدد على دور المرأة في الاحتجاجات المطالبة برحيل الطبقة السياسية المتّهمة بالفساد.
وأعادت التظاهرة بعضًا من الزخم للحركة الاحتجاجية غير المسبوقة، التي بدأت بالتراجع بعد أكثر من أربعة أشهر على إنطلاقها في “بغداد” ومناطق الجنوب العراقي ذات الغالبية الشيعية.
“الصدر” يُكفر المتظاهرات.. والنساء تتحداه !
ويبدو أن “الصدر” قد أوهم نفسه بأنه وصي على “العراق” وشعبه، أو أنه مبعوث إلهي لحماية الدين، متبعًا خطابًا لا يختلف عن خطابات “بن لادن” و”البغدادي” في شيء، وهو يُكفر المختلفين معه، فقبل دقائق من بداية المسيرة النسوية في “ساحة التحرير”، الخميس، كان “الصدر” قد هاجم المتظاهرين متّهمًا إياهم، عبر (تويتر): بـ”التعري والإختلاط والثمالة والفسق والفجور (…) والكفر”.
وحذّر أنّ تيّاره ومؤيديه لن يبقوا: “مقيدين وساكتين عن الإساءة إلى الدين والعقيدة والوطن”، معتبرًا أنّه مُلزم: “عدم جعل العراق قندهارًا للتشدد ولا شيكاغو للتحرر والإنفلات والأخلاقي والشذوذ الجنسي”.
على الرغم من ذلك؛ جاء رد المرأة العراقية سريعًا للغاية في تحديٍ لصلف “الصدر”، وتطرفه، وسارت النساء وبينهن مئات الطالبات لأكثر من ساعة ونصف الساعة في “ساحة التحرير” ومحيطها؛ وهنّ يرددن شعارات تدافع عن دور المرأة وتدعو إلى الاستمرار بالاحتجاجات، بينما شكّل عشرات الشبان سلسلة بشرية لحمايتهنّ من الجهتين.
وكُتب على إحدى اللافتات: “أنا ثورة وصمت الذكور عورة”، وعلى أخرى: “حرية ثورة نسوية”.
وهتفت النساء، اللواتي حمل بعضهنّ العلم العراقي والورود: “أين الملايين”، و”شلع قلع والذي قالها من ضمنهم”، في إشارة إلى “الصدر”.
وقالت إحداهن: “يريدوننا أن نُصبح إيران ثانية، لكن المرأة العراقية لم تُولد ليملي عليها الرجل ماذا تفعل. عليهم أن يتقبلونا كما نحن”.
وقالت طالبة جامعية في قسم الصيدلة، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: “هناك من حرّض ضدّنا قبل أيام؛ ومن يحاول أن يُعيد النساء إلى المنازل وأن يُسكتنا، لكننا نزلنا اليوم بأعداد كبيرة كي نُثبت لهم أن محاولاتهم ستبوء بالفشل”.
وتابعت: “نُريد أن نحمي دور المرأة في التظاهرات، فحالنا حال الرجل. هناك محاولات لإخراجنا من الساحة لكننا سنعود أقوى”.
“الصدر”، الذي أيّد التظاهرات في بدايتها ودفع بآلاف الأنصار إلى ساحات الاعتصام، طالب عبر (تويتر)، السبت 8 شباط/فبراير الجاري، بعدم الإختلاط بين الجنسين.
وفي تجني واضح على المتظاهرين ومحاولة تشويههم، قال “الصدر”: على المتظاهرين “مراعاة القواعد الشرعية والاجتماعية للبلد قدر الإمكان وعدم إختلاط الجنسين في خيام الاعتصام وإخلاء أماكن الاحتجاجات من المُسكرات الممنوعة والمخدرات ” !.
توتر بين “الصدر” والمتظاهرين وهتافات ضده..
ويشوب التوتر علاقة “الصدر”، بالمتظاهرين، منذ أعلن هذا الشهر دعمه تكليف الوزير السابق، “محمد علاوي”، تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يرفضه المحتجون باعتبار أن رئيس الوزراء المكلف مُقرّب من الطبقة الحاكمة.
وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات تسخر من “الصدر”، بينما يردّد متظاهرون في العديد من المدن العراقية هتافات مناوئة له. وهو ما لم يكن من الممكن تصوره قبل الاحتجاجات.
ودان نواب الكتلة الصدرية في البرلمان، الخميس، “الإساءات المتكررة”، لـ”الصدر” وشخصيات أخرى من قِبل المتظاهرين، معتبرين أنّها تأتي ضمن “موجة أميركية” هدفها “إسقاط كل المعتقدات”.
وتصاعد التوتر أخيرًا بين “الصدر” والمتظاهرين؛ وتحول إلى مواجهات عندما أقتحم مؤيدو “الصدر” أماكن اعتصام في “النجف والحلة”، جنوب “بغداد”، الأسبوع الماضي، ما أدى إلى مقتل ثمانية متظاهرين.
ومع عودة التوتر، مساء الأربعاء 12 شباط/فبراير، إلى العاصمة العراقية ومدن أخرى في البلاد، بعدما أعادت السلطات فتح “جسر السنك” الرئيس في “بغداد” صباحًا، أعلن النائب، “محمد الخالدي”، إكتمال التشكيلة الحكومية لرئيس الوزراء المكلف، “محمد توفيق علاوي”، مشيرًا إلى أن: “علاوي سيُعلن عنها رسميًا الأحد المقبل”، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية.
وقال إن: “علاوي سيُبلغ رئيس الجمهورية، برهم صالح، ورئيس الوزراء المستقيل، عادل عبدالمهدي، وسيطلب من البرلمان عقد جلسة طارئة للتصويت على الحكومة”.
وأوضح “الخالدي” أن هناك ضغوطًا من قِبل بعض الكتل، إلّا أنها لن تؤثر في تمرير التشكيلة الحكومية داخل “مجلس النواب”.
وكان “علاوي” قد تعهد بتشكيل حكومة تُمثل جميع الأطياف ورفض مرشحي الأحزاب، كما تعهّد بمحاربة الفساد وتوفير فرص العمل، إلا أن تسميته لا تزال تُقابل برفض المحتجين في الساحات.
مليونية نسوية وفاءً للشهيدات..
وكانت “اللجنة المنظمة لانتفاضة تشرين” قد دعت، في بيان مساء الثلاثاء، إلى: “تظاهرة نسوية تنطلق، الخميس للتأكيد على دور المرأة الفاعل، الذي ظهر في كل المواقف الوطنية، وكانت لها البصمة التي يفخر بها كل عراقي أصيل منذ اليوم الأول من انتفاضة تشرين”.
كما أشارت اللجنة إلى أن: “هذه المسيرة هي وفاءً للعراق وللقتلى، وفي طليعتهم سارة طالب، وهدى خضير، وزهراء القره لوسي، وجنان الشحماني، اللواتي اغتالتهن عناصر مسلحة لنشاطهن في تظاهرات الاحتجاج التي يشهدها العراق، منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر الماضي، ضد الطبقة السياسية الحاكمة”، وكان منظمو الدعوة قد توقعوا أن تكون هذه التظاهرة النسائية هي الأضخم في تاريخ “العراق”؛ لولا الإعتداءات التي قامت بتفريق المتظاهرين، فجر الخميس.
ثورة على القيود ضد المرأة..
يُذكر أن المرأة العراقية سجلت حضورًا فاعلاً في الحراك، الذي إنطلق بداية تشرين أول/أكتوبر الماضي، وبرز حضورها في مختلف الساحات، سواء في “بغداد” أو المحافظات الجنوبية، فضلاً عن “كربلاء” و”النجف”.
وقد ارتفع عدد القتلى في تلك التظاهرات، غير المسبوقة، نحو 550 شخصًا في أنحاء مختلفة من البلاد الغنية بـ”النفط”؛ والغارقة في نزاعات أمنية وسياسية منذ نحو أربعة عقود.
إلى ذلك دفعت الاحتجاجات الشبابية رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، للاستقالة، وجرى تكليف وزير الاتصالات السابق، “محمد علاوي”، بتشكيل حكومة جديدة في موعد أقصاه، الثاني من آذار/مارس المقبل.
ويرفض المتظاهرون تكليف “علاوي”، معتبرين أنه شخصية قريبة من النخبة الحاكمة المتهمة بالفساد.
تدريجيًا؛ أخذت مشاركة النساء تتزايد في ساحات الاحتجاج في “العراق”؛ وأمام المدارس وداخل الجامعات وفي الشوارع، يقفن في خطوط المواجهة مع قوات الأمن، أو يقدمن المساعدات الطبية أو الخدمية في الخطوط الخلفية.
ففي ذلك المكان؛ يبدو جليًا لأي زائر أن النساء أيضًا بدأن يحصلن على موطيء قدم لهن في الاحتجاجات، على أمل أن يحققن أهدافهن الخاصة، إلى جانب المطالب العامة.
وبينما يهتف الجميع ضد النخبة السياسية الحاكمة، ويطالبون برحيلها لبناء نظام جديد بعيد عن المحاصصة وسطوة الأحزاب التقليدية؛ تتطلع النساء إلى أبعد من ذلك، عبر سعيهن للانتفاض على القيود القبلية التي تُعيق حريتهن إلى حد كبير في بلد لا تزال القبيلة تلعب دورًا كبيرًا في مجتمعه.
ورغم مخاوفهن من الاختطاف، فإن هذا الهاجس لم يقف حاجزًا أمام إقبال متزايد للنساء في الاحتجاجات، بدءًا من خط المواجهة الأول وصولًا إلى الخطوط الخلفية.
وبإندفاع كبير، تحدثت المسعفة الطبية، “إشتياق”، (36 عامًا)، وقالت: “بدأنا نأخذ دورنا وبدأ يكبر، ونحن الآن نقف وسط إخوتنا المتظاهرين في كل ميادين الاحتجاج، فنحن نتواجد على خط المواجهة الأول سواء كمفارز طبية أو لتقديم المساعدة، بالرغم من وجود الرصاص الحي والقنابل الموجهة على رؤوسنا والقريبة منا”.
وتابعت: “تتواجد نساء آخريات في الخطوط الأخرى لتقديم الدعم اللوجيستي والطعام وحملات التنظيف وأعمال تطوعية أخرى، وكذلك هناك شابات أسهمن في رسم جداريات، وآخريات أسهمن مع إخوانهن في إصدار جريدة ورقية يومية في ساحة التحرير باسم (تك تك)”.
وطالب المحتجون، في البداية، بتحسين الخدمات وتأمين فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تشمل مطالبهم رحيل الحكومة.
معاناة المرأة العراقية وبيعها في أسواق “داعش” !
وعانت المرأة العراقية ما عانت، منذ عام 2003، ولغاية يومنا هذا؛ من إنتهاكات وظلم وضياع للحقوق، فبُخست حقوقها في جميع مجالات الحياة سواء بالعمل أو البيت أو المجتمع، حتى وصل بها الحال إلى البيع في أسواق (داعش) الإرهابية، وتعرضت النساء العراقيات إلى السبي والاغتصاب والتعذيب والتهجير والسكن وسط العراء في الصحاري القاحلة هن وأطفالهن، ورغم كل هذه الإنتهاكات كان موقفها دائمًا الموقف المشرف فهي تقف موقف الساند والصابر.
إلى أن وصل بها الحال إلى كسر سلاسل الإنتهاكات وقيود الأوضاع؛ لتنتفض على هذا الواقع المرير وتقف بوجه الظلم وتطالب بحقوقها المسلوبة وخرجت بكل قوة وهيبة وإجلال، كما عهدناها، للمطالبة بحقها وحق أولادها وحق أبناء شعبها في ساحات التظاهرات، يوم الجمعة 25 تشرين أول/أكتوبر 2019، لترفع راية “العراق” وتقف مع إخوانها المتظاهرين في “ساحات التحرير” وتساندهم بكل ما لديها من قوة.
وشكلت المرأة العراقية عنصرًا مهمًا في الحراك الشعبي الأخير، رغم تعرضها إلى مضايقات اجتماعية وسياسية نتيجة مشاركتها في المظاهرات، لكنها أصرت أن تقف وقفة مشرفة بوجه الظلم وتنطق كلمة الحق بكل قوة وإجلال لمساندة إخوانها وأبناءها للتعبير عن حبها وولاءها للوطن والدفاع عنه من أيدي الفاسدين والمطالبة بحقوقها المسلوبة، ورسمت لنا المرأة العراقية، في هذه المظاهرات، صور مشرفة وكثيرة ومتنوعة؛ فهي كانت المساندة والتي رابطت مع إخوانها المتظاهرين في “ساحات التحرير” للمطالبة بحقوقها والوقوف بوجه موجة الفساد المتفشية في البلاد واعتصمت عن دوامها وتركت عملها للنطق بكلمة الحق وكانت على أتم الاستعداد لتقديم روحها فداءً لكلمة الحق وفتح خارطة طريق جديدة في وطنها، “العراق”، ولأبناء وطنها.
وتعد هذه المشاركة المميزة والرائدة للمرأة العراقية في ساحات التظاهرات والاحتجاجات الأخيرة، التي شهدتها العاصمة العراقية، “بغداد”، وبعض المحافظات الوسطى والجنوبية للمطالبة بحقوقها والوقوف بوجه الفساد المتفشي بالبلاد، نقطة تحول كبيرة في تأريخ المرأة العراقية لتعيد صورة المرأة العراقية المشرف، وتقول بصوت وشموخ أن المرأة العراقية قوية وتستطيع أن تتعدى أكبر الصعاب لتقف بكل شموخ وإباء للمطالبة بالإصلاح الجذري وتضميد خدوش وطنها الجريح.