خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد طلب من “تركيا”، وهو الأمر الذي يؤكد أن ما يحدث على السطح غير ما هو متفق عليه بالباطن، كشف المبعوث الخاص للخارجية الأميركية بشأن سوريا، “غيمس غيفري”، أن بلاده تُفكر في دعم الجيش التركي في “إدلب” عبر تقديم معلومات استخباراتية ومعدات عسكرية.
وقال “غيفري”، أمس، في حديث تليفزيوني أدلى به أثناء الزيارة التي يقوم بها إلى “تركيا” حاليًا: “الولايات المتحدة تنظر في سُبل تقديم الدعم لتركيا في إدلب في إطار حلف (الناتو)، والأولوية هنا تعود لتزويد العسكريين الأتراك بمعلومات استخباراتية ومعدات عسكرية”.
وأكد المبعوث الأميركي، على أن الحديث لا يدور حتى الآن عن دعم “أنقرة” عن طريق إرسال جنود أميركيين إلى منطقة النزاع.
واستبعد “غيفري” احتمال اندلاع نزاع واسع النطاق في الساحة السورية بمشاركة “الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإسرائيل”، معتبرًا أن هؤلاء “اللاعبين الكبار”؛ يتوخون أقصى درجات الحذر في تحركاتهم.
وأشار المبعوث الأميركي، إلى أن “واشنطن” و”أنقرة” تتفقان في عديد من النقاط حول “إدلب”، مؤكدًا على: “حق تركيا في حماية أمنها وحدودها”.
وتأتي زيارة “غيفري”، إلى “أنقرة”، في ظل تصعيد عسكري يشهده الشمال السوري في الفترة الأخيرة، سقط جراءه عدد من الجنود الأتراك بين قتيل وجريح بقصف سوري، وذلك بعد أن أدخلت “تركيا” تعزيزات عسكرية إلى “إدلب” تزامنًا مع تقدم للجيش السوري في المنطقة.
من جانبها؛ نشرت “السفارة الروسية” في “أنقرة”، على صفحتها في (تويتر)، صورة توضيحية عن العلاقات “التركية-الأميركية”؛ مع توقيع: “نترك الخيار لك”، موجهة إلى المواطنين الأتراك.
ويظهر الرسم التوضيحي الأول، المُرفق بالرسالة؛ صورة لوزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، وهو يُعلق على مقتل الجنود الأتراك في محافظة “إدلب” السورية بالقول: “نحن بجانب حليفنا في (الناتو)، تركيا، التي فقد جيشها عددًا من جنوده في هذا الهجوم”.
وفي الجوار؛ نشرت “السفارة الروسية” رسمًا تخطيطيًا لوكالة الأنباء الحكومية التركية، (الأناضول)؛ مع بيانات حول المساعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الذاتي الكُردية، التي تعتبرها “أنقرة” جماعة إرهابية.
وأرفقت السفارة الرسوم التوضيحية بتوقيع: “نترك الخيار لك”؛ مع مناشدة المواطنين الأتراك التقرير ما إذا كانت “الولايات المتحدة” حليفة لبلادهم ؟
وفي الأيام الأخيرة، هاجمت “تركيا”، القوات السورية، في محافظة “إدلب” ردًا على ما اعتبرته قصفًا من قِبل الجيش السوري لقوافل ومواقع مراقبة للجيش التركي داخل الأراضي السورية.
يطالب بدعم “الناتو”..
وكان وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، قد دعا “حلف شمال الأطلسي”، (الناتو)، لتقديم دعم جاد وملموس بهدف وقف هجمات قوات الحكومة السورية، على “إدلب”، شمال غربي “سوريا”.
وقال “أكار”؛ إنه: “أعطى تعليماته لجنوده للرد الفوري بالمثل على أية هجمات للقوات السورية، تستهدف نقاط المراقبة التركية أو النقاط العسكرية بإدلب”.
وجدد “أكار” التأكيد على أن نقاط المراقبة التركية الـ 12 ستواصل أداء مهامها في “إدلب”.
وأشار إلى أن بلاده تواصل الضغط على “روسيا” بهدف دفعها لاستخدام ضغوطها على “الأسد”؛ وإجباره على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، والتراجع لما بعد طريق (إم 5)، ذو الأهمية الإستراتيجية الكبيرة.
ولفت إلى أن “أنقرة” طلبت من “موسكو” إيقاف فوري لهجمات الجيش السوري على “إدلب”، والإلتزام بالهدنة، الأمر الذي سيساهم في عودة المدنيين لديارهم.
وشدد على أن بلاده تدعم اتفاق وقف إطلاق النار، (سوتشي)، للحيلولة دون موجات نزوح جديدة.
وعبّر (الناتو) بدوره؛ عن قلقه من الوضع في “إدلب”، وأكد على لسان الأمين العام للحلف، “ينس ستولتنبرغ”، عن دعمه للحليفة “تركيا”، ودعا “روسيا” والحكومة السورية؛ لوقف الهجوم هناك.
دعم كلامي فقط..
حول السبب الذي يدعو “الولايات المتحدة”، بالإضافة إلى “حلف شمال الأطلسي”، للتعبير عن دعمهم لـ”تركيا”، والسبب الذي يدعو “تركيا” لطلب هذا الدعم، قال الصحافي المتخصص بالشؤون الأوروبية، “وسيم إبراهيم”، أنه دعم كلامي فقط، ولن يتطور إلى شكل دعم مادي ملموس.
وأوضح أن هذا الدعم المُعلن هو دعم سياسي وهو بالحد الأدنى، حيث أن “تركيا” عضو حليف في (الناتو)؛ وهو المنظمة الأمنية الدولية، الذي ينضوي الأعضاء تحتها بمبدأ الدفاع المشترك، وإذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى؛ يمكن القول أن الموقف لا يزال موقفًا ضعيفًا.
ويضيف “إبراهيم” أن “تركيا”، من حيث مقتل الجنود، من حيث التهديد لقواتها وحدودها؛ تُعتبر في وضع أزمة، و(الناتو) لم يقم تجاه الدولة العضوة بما يُفترض أن يقوم به وفق مبدأ الدفاع المشترك لأسباب عديدة، وهناك خلافات سياسية تعتمل خلفه، ولم يتطور ليكون الدعم الملموس الذي طالب به الوزير التركي، ويمكن تسميته كأداء واجب فقط أو رفع عتب.
مُحاط بريبة من “الناتو”..
ويقول الصحافي، “وسيم إبراهيم”، (الناتو) و”الولايات المتحدة” ليسوا مرتاحين للتقارب أو وجود صيغة عمل مشترك بين “تركيا” و”روسيا”، في “سوريا”، وليسوا مرتاحين لجهة منظومة الصواريخ الروسية التي أرقت (الناتو)، حيث أن (الناتو) يعتبر “روسيا” كدولة خصم، لذلك هذا الموضوع مُحاط بريبة من “الناتو”.
ويكمل: “الحيثية الروسية موجودة بالطبع، ولكن حتى الآن لا يوجد دعم من (الناتو) حتى يمكن القول أنه موجه تجاه روسيا، هناك حساسية مع روسيا من (الناتو) ومن الولايات المتحدة وهم غير مرتاحين لهذا التعاون أبدًا”.
ونوه “إبراهيم”: هناك مسألة مهمة؛ وهي أنه من بين 29 دولة عضو في (الناتو)، هناك 25 دولة أوروبية ليست مؤيدة أبدًا للتدخل الذي يمكن تسميته بالغزو التركي لشمال “سوريا”، ولا لطبيعة المهام التي تقوم بها “تركيا” في “سوريا”، ومن الصعب تخيل أن يُصدر دعم مباشر ملموس من (الناتو) في ظل هذه المعارضة الأوروبية الشديدة لما تقوم به “تركيا”.
ويكمل: هذه المعارضة تجلت واضحة عندما ضرب الأتراك الذراع التي عمل عليها “الولايات المتحدة” والأوروبيون لتدريبها على الأرض؛ وهي القوات الكُردية السورية، وتم التنديد من قِبل الدول الأوروبية، وهي أيضًا منضوية في (الناتو).
شأن دولي..
فيما أرجع المحلل السياسي التركي، “يوسف كاتب أوغلو”، هذا الأمر إلى أن القضية أصبحت على المستوى الدولي، ويبين: “واضح تمامًا أن ما يحدث في أدلب أصبح شأن دولي وليس فقط شأن أقليمي، وبالتالي عندما تعجز السياسة والدبلوماسية ويكون هناك استهداف للأمن القومي التركي، وفي أقل من أسبوع يسقط 14 شهيدًا من الجنود الأتراك وأكثر من 40 جريحًا، ينبيء هذا إلى دخول الملف السوري، وأدلب تحديدًا، إلى مرحلة جديدة وخطيرة، ويأتي هذا بسبب التصعيد الموجود واستهداف المدنيين والأمن القومي التركي والجنود الأكراد”.
وأشار “كاتب أوغلو” إلى أن “تركيا” طالبت، من خلال وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، (الناتو)، بأن يتحمل مسؤوليته، كون “تركيا” عضو في حلف (الناتو)، وبالتالي من الطبيعي أن تطلب ذلك، لأن “إدلب” الآن فيها قنبلة بشرية موقوتة، فما مصير 3.5 – 4 مليون إنسان، وإلى أين سيذهبون ؟.
ويستطرد المحلل التركي: الحدود المشتركة لـ”إدلب” هي مع “تركيا”، والضغط الآن على “تركيا” هائل وهي استوعبت، طيلة 9 سنوات، حوالي 4 مليون لاجيء، والآن لا يمكن أن تستوعب الرقم ذاته مرة ثانية، والآن على السياج موجود مليون إنسان مدني، لا علاقة لهم بالمجموعات الإرهابية أو بـ (القاعدة) أو بـ (جبهة النصرة).
موضحًا أن هنالك أزمة حقيقية إنسانية؛ وبالتالي “تركيا” تقول لـ (الناتو) ليس المطلوب التدخل العسكري، بل تُطالب بتدخل (الناتو) لتجنيب كارثة إنسانية كبرى، وهناك مأزق حقيقي، و”تركيا” تريد أن تكون هناك “منطقة آمنة”، وأن لا يتم تهجير هؤلاء من أراضيهم، تحت حماية تركية أو حماية (الناتو).
ويضيف: “سوتشي” سقطت ولا نستطيع أن نقول إننا بحاجة إلى “سوتشي” مرة أخرى، يجب أن يكون هناك حل جذري إما من خلال آخر جولة ستقام عبر الوفد التركي، الذي سيذهب به “غاويش أوغلو” إلى “موسكو”، وإما أن يكون هناك فرض خيار “المنطقة الآمنة” بالقوة على الأرض، وهو ما تستعد له “تركيا” الآن في حال لم يتم التراجع.
إصطياد في الماء العكر واستغلال للموقف !
حول ما إذا كان ذلك ضد “تركيا”، قال “أوغلو” أن هذا هو دين الدول الغربية و”الولايات المتحدة” وتنتهز الفرصة عندما يكون هناك خلافات أو عدم تفاهمات، والآن التصريحات الأميركية بأنها جاهزة لدعم “تركيا” ومجييء “غيفري” ومحاولة إعطاء زخم سياسي؛ ما هو إلا إصطياد في الماء العكر، وهو استغلال للموقف. وهو استغلال للموقف.
ويتابع: هذا الشيء بالطبع موجه ضد “روسيا”، ولكن “تركيا” لا تثق بـ”الولايات المتحدة” ولا تعول على موقفها، ولو كان هناك موقف أميركي صادق لكانت قد تخلت عن دعم الـ (بي. كا. كا) و(قسد)، وغيرها من المجموعات الكُردية في “شرق الفرات”، و”تركيا” تعاني من هذا الملف حتى الآن.
ويستطرد: لذلك الآن “الولايات المتحدة” تحاول التقرب من “تركيا” على حساب العلاقات “التركية-الروسية” المتنامية، وهذا لن يكون له تأثير قوي على صنع القرار التركي، ولكن ربما يمكن الاستفادة من الموقف الأميركي لكون “الولايات المتحدة” عضو في (الناتو)، و”تركيا” تُطالب (الناتو) بتحمل مسؤولياته في المنطقة.
أمر طبيعي..
بدوره؛ يرى المحاضر في معهد العلاقات الدولية في جامعة “نيغني نوفغورد” الروسية، “عمرو الديب”، أن دعم (الناتو) و”الولايات المتحدة”، لـ”تركيا”، هو أمر طبيعي لأن “تركيا” هي دولة عضو في حلف الأطلسي، ويواصل: مسألة التخلص “الروسي-السوري” من (جبهة النصرة) أو تنظيم (جند الشام) حاليًا الإرهابي في مناطق “إدلب” هو أمر ضد مصالح “تركيا” و”الولايات المتحدة” في “سوريا”، لأننا نعلم أن موضوع استمرار هذه المجموعات الإرهابية هو مفيد لهم، ولا يوجد في هذا الأمر ما يدعو للحيرة.
موضحًا أن هناك نقطة مهمة هي: كيف يمكن لهذه الدول أن تُعلن صراحة دعمها لجماعة معترف بها كإرهابية في معظم دول العالم، كـ (هيئة أحرار الشام) أو (جبهة النصرة)، وأين الحرب على الإرهاب التي خاضت، “الولايات المتحدة”، حروب ضدها كما تقول، في “أفغانستان” وفي “العراق” وفي “اليمن” ومناطق أخرى في العالم ؟.
ويتابع “الديب”: أتمنى أن تستمر “روسيا” ويستمر الجيش السوري بالتخلص من وجود هذه الجماعات، لأن وجود واستمرار وجود الإرهاب في “إدلب”، المهمة إستراتيجيًا واقتصاديًا وعسكريًا، أمر غير مقبول للدولة السورية، وللعملية العسكرية الروسية التي بدأت، في نهاية عام 2015.
وأشار إلى أنه إذا ما تم الاتفاق على تهدئة الأمور أو ترك الأوضاع على ما هي عليه، فسيكون فيه، وحسب رأيي الشخصي، خيانة للعملية العسكرية الروسية ولأرواح الجنود السوريين ولدماء الشعب السوري التي أريقت منذ أكثر من 9 سنوات.