23 نوفمبر، 2024 2:30 ص
Search
Close this search box.

الأنبار..(عنصر التوازن) في المعادلة العراقية!!

الأنبار..(عنصر التوازن) في المعادلة العراقية!!

كنت حريصا على الدوام أن أكتب عن الأنبار ، بما يليق بتاريخ أهلها وعشائرها الكرام ونخبها المثقفة وكوادرها المجربة ، ومضايف أهلها العامرة بالكرم والترحيب ، وقد إختبرت رجالاتها سوح المعارك والمنازلات على مر التاريخ القريب والبعيد، فكانوا أهلا لكل فضيلة ، ويشهد لهم القاصي والداني أنهم ، لم يكونوا الا دعاة للعون والخير والمساندة، حتى في أحلك الظروف التي عاشها أهل الانبار، وبخاصة في مرحلة إحتلال داعش البغيض لمحافظتهم وما نالوا من ألامرين في محنة النزوح الأليمة، التي لم يعامل بها أهل الانبار من الحكومة والبرلمان أنذاك بما يستحقون، وكان دخولهم الى بغداد يكاد يكون بشق الأنفس ، ولم تعامل إسرائيل نفسها الفلسطينيين كما عومل أهل الانبار أيام بزيبز ، وقبلها عندما تظاهروا للمطالبة بحقوقهم!!

ولكن ماظهر من تصريحات ومواقف بدءا من مواقف السيد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ، وما أشار اليه النائب عن تحالف القوى فالح العيساوي قبل يومين ، أزاء ما يحدث في العراق وما يشهده من تظاهرات ومواقف مطالبة بالحقوق من قبل أهل الوسط والجنوب، وهي مطالب عراقية قبل ان تكون مطالب أبناء تلك المحافظات، لاحظ الكثيرون ان هناك إصرارا في تصريحات الرجلين ، (تتناقض) في كثير من توجهاتها مع رؤية أهل الأنبار في أن يكون لهم (موقف مشرف) يساند مطالب إخوتهم في محافظات الوسط والجنوب، وكانت مشاركة أهل الانبار وبخاصة من شبابها في تلك التظاهرات وبخاصة في ساحة التحرير مبعث فخر واعتزاز ، وكانت دون علم حكومة الأنبار المحلية ، بل أن الأخيرة كانت تحرض أهل الانبار على الدوام على عدم المشاركة في أنشطة وطنية مناهضة للحكومة أو المطالبة بالحقوق، وهم انفسهم مايزالون حتى الان من محن النزوح وويلاتها ، في تبرير غير مسوغ ، أن أهل الانبار تعرضوا ما تعرضوا له من أذى ومرارات، خلال تظاهراتهم السابقة ، وينبغي ان لايشاركوا بها مرة أخرى ، وهي تنطلق من المثل القائل (كلمة حق أريد بها باطل) ، أي ان أهل الانبار كانوا قد واجهوا صنوف الضيم إبان تظاهراتهم السابقة خلال حقبة المالكي، وهم لن يريدوا تكرار تجربتها المريرة ، ولكن في الجانب الثاني يراد منها ان تحافظ ( زعامات) أهل الانبار على المكاسب والمواقع والمغانم التي حصلت عليها، وهي لاتريد (التفريط) بها، ولهذا مارس بعض ساسة الانبار إسلوب (التخدير) و (تحبيط الهمم) مع أهل الانبار لكي لايكون لهم (شرف المشاركة) مع إخوتهم من أهل الوسط والجنوب، برغم كثرة مطالبات أبناء مدن الوسط والجنوب لاهل الانبار لأن يكون لهم (حضور فاعل) في التجمعات المطالبة بحقوق أهل العراق كلهم وليس الأمر يتعلق بمحافظاتهم فحسب، وهم حين يتوجهون بالنداء لأهل الانبار لأنهم على يقين بأن أهل الانبار هم أساس (معادلة التوازن) في أية عمل وطني عراقي إيجابي فعال، وبدونهم لن يستقيم العراق، وان مشاركتهم ستعطي للتظاهرات طابعها العراقي الوطني الجمعي المشرف، ويبعدها عن أن تكون ذات توجهات مطلبية لطائفة ، بل ان دخول اهل الوسط والجنوب في تلك المواجهة وبهذا الحجم والمساندة الدولية الواسعة، يضيف لنشاطهم رصيدا ، يعزز من مواقفهم برغم كل ما تعرضوا له من قتل بالمئات واصابة اكثر من 25 الف بحسب تقديرات اجهزة حكومية نفسها، إضافة الى اعداد المختطفين والمغيبين قسريا لمتظاهرين وناشطين بالعشرات، وكانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حاضرين بقوة معهم، وهو ما يدعو أهل الانبار لكي لايستمروا بموقف (المتفرج) على ما يجري تدفق الدم العراقي بغزارة في سوح التظاهر، بالرغم من أن مطالب هؤلاء الجموع لاتتعدى كونها مطالب حقة مشروعة، ولا تحتاج الى ( مواجهات) بهذا الحجم وكأنهم يخوضون (معارك مواجهة) مع (أعداء العراق) وليسوا مع مواطنين عراقيين ، يطالبون بحقوقهم المشروعة في ان يكون لهم وطن يحترم كرامتهم ولو في حدودها الدنيا!!

كما يستغرب الكثيرون تصريحات السيد رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي من أنهم يعاملون المتظاهرين بـ (أبوية) ، ويبدو ان (أبوية) السيد عبد المهدي قد أسفرت عن (600) شهيد ، وما يقرب من 25 الف جريح ومصاب بقنابل الغاز والاطلاقات المختلفة وبعضها حي ، إضافة الى اعداد كبيرة من المختطفين والمغيبين ، ثم يقال انهم تعرضوا لها من مصادر مجهولة، أو من طرف ثالث!!

وأعود لتصريحات السيد النائب فالح العيساوي الذي يعبر عن موقف تحالف القوى العراقية ، كونه الشخص الثاني بعد رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي وهو من خلال تصريحه يوم الثامن والعشرين من الشهر الجاري وكأنه (يحرض) الحكومة العراقية و أجهزتها على أهلها من متظاهري محافظات الوسط والجنوب، وكان هؤلاء المتظاهرين هم (عملاء) لاسمح الله للسعودية وللامارات وغيرها كما يروج بعض الساسة ، أو (مخربون) كما تطلق عليهم بعض القيادات العسكرية التي ترتدي (الزيتوني) ، وتطلق عليهم أوصافا وتسميات لاتليق بشباب عراقي وطني غيور، يريد ان يكون له (شأن) و (قيمة) لا أن تستباح كرامته ، وتتعرض حياة محافظاته المغلوبة على أمرها الى (الإمتهان)، وكان يفترض بهم ان ينظروا الى أنفسهم انهم (كبارا) لأن لديهم أجيالا بهذا المستوى من الوعي والمسؤولية الوطنية وهو دفاع عنهم ، قبل أن تكون لهم مطالب مشروعة لملايين العراقيين ، وهم لن يقصدوا أن يوجهوا اية (إساءة) للأجهزة الأمنية من أين كانت، وما يحدث أحيانا من شباب فقدوا صبرهم بعد طول انتظار!!

وأريد أيضا من خلال هذا المقال ، أن أذكر السيد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بأنه في أيام التظاهرات الأولى كان يجلس مع المتظاهرين في ساحة النسور، ووعدهم بأنهم اذا لم تنفذ الحكومة مطالبهم وتعيد لهم حقوقهم، فسوف يكون أول من يخرج من تلك الحكومة ويكون في المقدمة مع المتظاهرين..ولكن تصريحاته الأخيرة تكاد تكون (متناقضة تماما) وتبدو و كأنه (دورانا) على زاوية 180 درجة، وهو من جهة يريد أن يظهر (تعاطفا) مع مطالب المتظاهرين لكسب ثقتهم واستمالتهم ، لكنه في الجهة المقابلة يرفض ممارساتهم في ( التصعيد) بالرغم من ان تلك الممارسات أقرها الدستور والقوانين الوضعية، ويبدو ان السيد رئيس مجلس النواب لم يطلع على كل مواد الدستور،أو انه قرأها في أحد ألأيام على (عجالة) من أمره، لكي يتم تطبيق ما ورد فيه ، من فقرات تتعلق بالحريات المدنية وحق التظاهر او إعلان العصيان المدني، لتحقيق المطالب عندما تعجز كل الطرق عن تحقيقها ، ووصل المتظاهرون الى طريق مسدود بعد اساليب مماطلة وتسويف قلما شهد لها التاريخ الحديث مثيلا، ومنذ أشهر يتصارعون على اسماء ما انزل الله بها من سلطان، ولم يجدوا من 40 مليون عراقي أن (يصلح) لأن يكون (رئيسا للوزراء) ولفترة انتقالية تتراوح ما بين الستة اشهر الى سنة في أبعد الأحوال، وكان الموضوع أشبه بما إختلف عليه فلاسفة الجدل البيزنطي بشأن سؤال : (هل الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة) ، ولم يتوصل فريقا النزاع المتخاصمين في العراق الى نتيجة تكون مرضية للشارع ولهم على حد سواء!!

لايعقل أن تبقى الانبار (متفرجة) على ما يحدث ، وهي التي تشكل (محور التوازن الوطني) ، وبدونها لن يكون العراق (موحدا) ، وما يطرح من (أقاليم) هو بسبب مواقف أهل السلطة والحكم، وهم ليسوا ( متعاطفين) مع هذا المنهج لولا ظلم ذوي القربى، وما يجري للعراق الآن (مهوول) و (مأساوي) و(كارثي) ،وقد يؤدي الى (تقسيم العراق) في خاتمة المطاف، واأخطر من هذا أن ابناء بعض المحافظات قد يختارون (الفدرة) مع دول مجاورة، إن بقي التعامل معهم بطريقة الاهمال واللامبلاة وكأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة ، إن بقي ساسته (يتصارعون) بهذه الطريقة التي لاتفوح منها روائح المسؤولية الوطنية والأخلاقية ، ويراد للعراق ان يكون (تابعا ذليلا) لدول الجوار، وكأن العراقيين لم يبلغوا بعد (سن الرشد) ، ولهذا يحتاج العراقيون، بحسب تفكير الساسة، الى ( وصاية) من أحد دول الجوار أو المجتمع الدولي، لكي (يختار) لهم (رئيس وزراء) وبـ (المواصفات) التي ترضى عنها دول الجوار، أما العراقيون ، فهم في نظر قادة السلطة آخر من يحق لهم أن يكون لهم (دور محوري) في إختيار من يرونه أنه الافضل لحكم بلدهـم!!

وينبغي أن يفهم ساسة العراق ورئاساتهم الثلاث، أن العراق، صاحب التاريخ الحضاري، هو أكبر منهم جميعا، وهو من يضيف لهم شرف الانتماء، إن رغبوا بأن يكونوا عراقيين فعلا قلبا وقالبا، والعراق هو من كان العلم الشامخ والدولة التي يحسب لها ألف حساب ، فلا تضيعوا فرصة لن تفقدوا عراقيتكم أو عروبتكم ايها الساسة، فأنتم عراقيون قبل الدين وقبل الاحزاب ، وقبل الانتماءات، وأنتم من وسط محيطكم العربي والإسلامي ، وأنتم من تعلون شأنه إن اردتم ، أو تسوقون شعبكم كالأغنام الى مقصلة ذبح ، بعد إن باع الكثيرون منكم تاريخ العراق وشرفه وكرامته وسيادته في المزاد العلني بثمن بخس دراهم معدودة، وربما كرسي سلطة حقير، أما العراق فهو الكبير الأكبر الذي لاتعلو عليه راية سوى راية الله أكبر التي تشرف العراقيون بحمل رايتها، وهي أغلى ما يحمله العراقيون من قيم التاريخ والمثل العليا، وهي عندهم كنز الكنوز ، برغم كل ما جلبتموه لهم من كوارث ومحن، وأوصلتم بلدكم الى الحال الذي يبكي عليه الحجر قبل البشر!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات