30 أكتوبر، 2024 10:22 م
Search
Close this search box.

الفيلسوف بين السلطة والشعب

الفيلسوف بين السلطة والشعب

مقدمة: فرضنا وجود فيلسوف لندرتهم حيث لا يولد في كل قرن سوى واحد أو أثنان, و الحال أنّ بلادنا تفتقر لوجود فيلسوف عارف حكيم, لأن مصيره عادة ما : هو آلتنكيل والقتل و المضايقة و الحصار و الجوع و التشريد, لهذا قلّما تجد فيلسوفا لم يقتل إما بضربة سكين أو بطلق ناري أو بحبل مشنقة أو الحصار و الجوع, وهكذا تتأرجح حياته بين سندان السلطة ومطرقة الشعب!

إنّ طبيعة علاقة الفيلسوف(المُنتج للعلم) بآلمسؤول (الحاكم و آلسياسيّ), من أهم المسائل التي تُحدّد مصير العالم سلباً أو إيجاباً, حيث يتداخل فيها الفكر نظراً لأنّ الفيلسوف بقوانينه يُحلّل من الجذور ليعطي الحلّ الأمثل للواقع والمستقبل بعدما يُفسرهُ بشكل صائب ودقيق لا يتبدل وإمتداد الزمن حتى يوم القيامة, فهو لذلك؛ الشّهيد ألشّاهد وحامل الأمانة الكونية لبيان الحق و فلسفة الحرية و الأختيار, وإذا كانت (السلطة) أو المسؤول والسياسيّ يفتقر للوعي الكافي لأنشغاله كطبيعة له؛ فإنّهُ ينظر إلى الفكر على أنه خصيمهُ الأوّل ويجعل – أيّ ألسّياسيّ و المسؤول (الحاكم) – هدفه الأوّل .. القضاء على استقلال الفيلسوف و (المفكر) الذي هو تلميذ (الفيلسوف), ويسعى المتسلطون و(السياسيّ) و الحاكم من فوقهم شراء ذمم الصحفيين والنقاد والأدباء, لكن يصعب بل يستحيل شراء ذمم الفلاسفة و هذا واقع حال عالمنا, لذلك يتعرض للبلاء و الجوع و القتل.

الفكر المستقل هو نتاج الفيلسوف وأحياناً(ألمفكّر المستقل), لكنه ليس المناهض للسلطة الحاكمة دوماً, كما لا يصطف في الوقت ذاته بجانبها(السلطة) أو بجانبه (ألمسؤول أو السياسيّ) على حساب المبادئ والقيم والحقيقة لذا فمصيره واضح!

ولطالما صرخ الطغاة: لقد (هزم القلم السيف), فإذا ما وقع حدث وعَبّرَ عنه المفكّرون كأن يكون تبريراً لا نقداً ومباركةً للخطوات التي تمّت .. لا إشارة الى خطوات لم تتمّ, أو تأييد لما هو موجود, وليس مطالبة بما هو غير موجود؛ تولد هنا إرتياحاً لدى القائمين على القرار ألسياسيّ، حتى أصبح جزءاً من فكرنا تزييناً وتجميلاً للسلطة, في حين أن مهمة (الفيلسوف والمفكر) هي النقد الأيجابي البنّاء لا التبرير, وبيان أوجه النقص, وليس الإشادة بالخطوات التي لم تكتمل، فإذا ما تحققت الأشياء إنصافاً دعا الفكر الى تحقيقها, وهذا هو الضامن لتقدم المجتمع و تحقيق سعادته, أما مجرد الإعلان عما تحقق و التمجيد؛ فهو تكرار وتحصيل حاصل, فالواقع كما يقال: شاهد على نفسه، والحقيقة مُرّة, ومن يتجرّع مرارتها المواطن, يعني عامّة المجتمع المحكوم، إذ لا وجود لانجاز مشاريع خدمية و علمية ورفاهية و تعليمية وزراعية وووو… في نهاية المطاف بسبب الفساد وعندما يُصرّح المسؤوليين المعنيين بذلك, يؤكّدون أنّ مليارات الدولارات دفنت تحت الأرض لتنفيذ مشاريع بنا تحتية.

فبماذا يكون ردّ الفيلسوف أو المفكر المستقل وملايين الدولارات سرقت ومشاريعها على الأرض لا تحتها؟!
وما هي نسبة الفساد المالي التي وصل اليها بعض المسؤولين جراء تلك المشاريع الوهمية؟
مجرد سؤال ونقول أعذروا (الفيلسوف) و(ألمُفكّر) المُستقل, فقدره أن يعيش بين سندان السلطة ومطرقة الشعب الذي يتوق لمعرفة الحقائق من خلال قلمه الكونيّ العملاق.

وصلنا من خلال هذا العرض ألموجز لعلاقة (الفيلسوف و المفكر و المثقف بآلسلطة) و هكذا مع الجماهير تباعاً؛ إلى نقطة مركزية هي بمثابة إنعطافة كبيرة في حياة الشعب و الأمة و البشريّة جمعاء, و هي موقع وأهمية المثقف و المفكر ناهيك عن الفيلسوف الكوني أو آلعارف الحكيم, الذي شئنا أم أبينا يتحمل لوحده مسؤولية قيادة الفكر و سعادة الشعب أو الأمة أو البشرية بشرط واحد أساسي هو إنصياع الساسة و الحكومة (الحاكم و المسؤول) لبياناته و فكره, كي يتحقق الهدف من الخلق و آلوجود في المجتمع.

لذلك ننادي كل المجتمعات و البشرية أيضا بضرورة أن تفتح أبوابها للفيلسوف و المفكر و للمثقف المبدع ، وأن تُفرّد له المساحات الأدارية و الإعلامية و المالية كي يوصل صوت الحقيقة للآخرين، وإننا في الوقت ذاته نطالب المفكر والمثقف سواء كان قارئا أو كاتبا أو إعلامياً، أن يعمّق دوره المؤثر في المجتمع من خلال ما يلي:

1- أن يكون إيجابياً في تفكيره ومواقفه، ساعياً إلى نشر ثقافة المحبة و الوحدة و التفاؤل و الإنتاج بدلا من الكراهية و اليأس والتباكي على الأمجاد الماضية.
2- تأسيس المنتديات الفكرية, أينما كان و مهما كان حتى لو كان مجلساً صغيراً و لساعة في الأسبوع, لتبادل الأفكار والأطلاع على آخر المستجدات مع الحلول المطروحة من الفيلسوف.
3- إمتلاك حصانة فكرية قوية، تحميه من آلثقافات ألدخيلة ، وأن يكون قادرا على تكوين فكر علمي مستقل مستنبط من الفلسفة الكونية، ساعيا إلى التحليل الواقعي السليم مع الحلول.
4- أن يكون أمينا في طرح المعلومة متجرداً من أيّ حزبية أو طائفية أو مصلحة شخصيّة، كل ما يحركه هو الغيرة على إنسانية و عدالة مجتمعه وأمته ودينه، والرغبة العميقة في تغيير واقعه إلى الأفضل حتى نيل السعادة على كل صعيد.
5- أن لا ينبهر أو ينساق وراء التهويل الذي قد يجري لبعض القضايا، والتعامل مع الأحداث بموضوعية ، وعدم إعطاء الأمور أكبر من حجمها، وآلسعي إلى تحري الحقيقة أينما كانت، لأنه مؤتمن كونيّ لإيصالها إلى آلآخرين.
6- طرح القضايا الحقيقية التي تلامس أوجاع الأمة و من الجذور، وإحداث التغيير في عقلية المتلقي، وتحذيره من السير وراء القضايا الشكلية وآلأثارات الإعلامية، وتغييب العقل العربي والاسلامي وراء اهتمامات تصيبه بالخدر والتبلد.
7- قراءة التاريخ قراءة صائبة محللة، فالتاريخ كما يقولون كل شيئ و يعيد نفسه ، حتى يستطيع إستشفاف الوقائع التاريخية خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة ، وآلتحرك على ضوء ما يُفهم للتغيير والإصلاح.
8- أن يمسك المفكر و المثقف وآلمبلغ زمام المبادرة في توعية المجتمع، من بث روح الحماسة والتفاعل مع القضايا ، بمعنى أن يحمل همّ الأمة في قلبه فيتحدث عنه أينما سار ، ويبرز قضيته بالطريقة المعبرة والمؤثرة حسب مجاله الذي يعمل به ، فكرياً كان أو قصصياً أو إعلامياً، ويتواجد في الملتقيات ، يحاضر ، ينقد ويشارك ، يدرك تمام الإدراك أنه مطالب بهذا الدور أمام الله وأمام أمته و أمام الفيلسوف الكوني، و هذا هو الضامن لتحقق فلسفة الخلق في الخلق و الوجود.
عزيز الخزرجي/فيلسوف كونيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما بين شكوى المفكر و المثقف وما يقابلها لدينا حقيقة ثابتة على ارض الواقع وهي تعطيل هذه الشريحة المهمة عن القيام بمهامها وتبوء موقعها الريادي في داخل مجتمعاتها سواء كان ذلك ناتج عن غيابها او تغييبها , ولكن بقدر ما تمثله هذه النتيجة من حقيقة في الواقع العملي الا انها وفي بعض جوانبها تحتاج الى بيان وتوضيح لكشف بعض الملابسات غير الواقعية التي احاطت بها سواء كانت من جانب المثقف او المجتمع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات