من المحزن حقّاً أن تغدو بغداد مدينة السلام عاصمة الرشيد مركزا لدولة مهترئة فاشلة فاسدة يحكمها الشفّاطون والعفاطون وكلهم من (الهتلية) و (السيبندية) والمخانيث والمسوفين والمماطلين والسرّاق والعضاريط الكذابين والملالي والوعّاظ المارقين والشواذ والمنحرفين والمفضوحين ومافيات الفساد التي تحكم العراق اليوم . وكثيرا ما يستخدم العراقيون كلّ من لفظتي الشفط والعفط بصيغة التهكّم عن أغبياء يعيشون حياتهم بلا لياقة ، ولا اخلاق ، ولا شجاعة ، ولا حياء ، ولا غيرة ، ولا صدق .. وانّ فتحنا قاموس اللغة الهزلية العراقية ، فسنجد المئات من الألفاظ النابية المستخدمة شعبوياً من قبل الجميع بدءاً بالوجهاء ونزولاً الى العربنجية .. والشفّاط بالعربية من يشفط كلّ شيئ أمامه ، ويقال الشفّاط اللفّاط بمعنى من يشفطك بكلامهِ الكاذب .. أما العفّاط ، فجمعها عفطية ( عند العراقيين ) ، أي الفاقد مكانته وشخصيته .. ان الشفطة والعفطة لهما مكانهما في العربية الفصحى ..
جلست قبل يومين في محفل يعجّ بالاخوة العراقيين وسيداتهم الوقورات .. سلّمت احداهن عليّ قائلة : يا دكتور ، كنتَ قاسياً جدّاً وسوداوياً في مقالتك الاخيرة ، وأنت تصف البعض بالعناكب والضباع !! رمقتها بنظرة طويلة ، وقبل أن أجيب عليها ، التفتَ اليها أحد الأصدقاء مستذئناً مني أن يردّ عليها قائلاً : وكأنك يا سيدتي لا تدرين ما حلّ بالعراق والعراقيين على أيدي هذه الطغمة الحاكمة .. قلبي وارم أشدّ الورم ، فلم يعد أحد بعد اليوم يراعي هؤلاء الذين احتكروا السلطة ، وهم من أتعس خلق الله ، وكلما امتد بهم الزمن ، زاد استهتارهم بمشاعر العراقيين الذين تشّظوا وتشتّتوا ، ونكبوا وذلّوا ، وديست كراماتهم ونهبت بلادهم وسحقوا سحقاً ، فالعراق قد صلبوه وهو اليوم بين الحياة والموت، وان مات فليمت كلّ اهله معه كما يريدون.. وهم يعلمون ان النار لو قدحت قدحا ، فان أوارها سيأكل كلّ هؤلاء السفلة من الشفاطين والعفاطين ، وسنجد كلّ العراقيين محروقي الأكباد في الشوارع ، يسحلون ويقتلون ويدقّون عظام كلّ من شارك في هذا الماراثون القذر من المتسلّطين ومافيات عصاباتهم المجرمة ، وقد لعبوا بالعراقيين ( طوبة) على مدى 15 سنة .. وتاليها ستكون قيامتها قد قامت لتأكل نار العراقيين كلّ الحطب ، وستهرب (الجريدية ) من جحرٍ الى جحر ٍ دون فائدة ، فمن يقبض عليه منهم سيلاقي مصيره الاسود ، وسيقطّع ارباً ارباً .. دعوا رئيس الوزراء يهذي ويمكر ويكذب ، ويعد الناس وعوداً فهو أمير الشفاطين ، اذ سوف يقرّر ، وسوف يأمر ، وسوف وسوف .. اذ عرفه الجميع شفاطاً كذاباً مسوّفاً ، وهو عاجز عن فعل اي شيئ أبدا ، وكم نصحه الحكماء دون فائدة .. .. ومن ( …… ) نوفي الديانة .
التفت اليّ صاحبي سائلاً : هل تسمح لي دكتور أن اكمل ما بدأت به ؟ أجبته : اكمل يا عزيزي ..
ماذا أبقى هؤلاء من الشفاطة والعفطية في العراق شيئاً لم يشفطوه ويبلعوه ، لا ستر الا هتكوه ، ولا عقار دولة الا تملّكوه .. ولا أموال ناس عامة الا سرقوها ؟ هل تريدين يا سيدتي ان نداهن حتى يثلج قلبك الرقيق بالاخبار الحالمة الكاذبة عن العراق (الديمقراطي) للعظم ليكون بيضاوياً كالثلج ؟ هل تريدون أن نكون رؤوفين بهؤلاء الضباع الذين قتلوا العراق ، ونهشوا لحم شعبه ، ومزّقوا شمله ، وهتكوا عرضه ، وشقوا وجوده ؟ ولا نسمع منهم الا العتابة تالي الليل ، اذ ينقسم الناس الى صنفين تجاههم : تافهين ولواكين لهم ومتعاطفين معهم من الطراز الأول ، أو معارضين لهم وكارهين لوجودهم حتى النخاع !! أتدرون ما الذي فعلته هذه الشلّة الباغية ببغداد خصوصاً والعراق عموماّ ؟ سحقوا شارع الرشيد وأهملوه .. تركوا الأزبال والقاذورات في الشوارع العامة وبين البيوت الآهلة بالسكان عمدا وبسبق اصرار .. لقد حوّلوا بغداد الى دار دعارة مع مئات دور الكلجية والخاوات مشتغلة ، والرشاوى وشراء الذمم والمناصب تباع وتشرى .. القمّارون الطفيليون من المقاولين ورجال الاعمال الجدد يحرقون ملايين الدولارات في دور الميسر ، والمومسات والباغيات والقوّادات لهن مراكزهن في محلّات المساج والمباغي والملاهي في الكرادة والجادرية ، وحصص الملالي من الملاهي تصلهم بالملايين كلّ يوم ، اذ أمسى أصحاب العمائم قوّادين بامتياز .. وتحوّل شارع أبو نواس الى ميخانات ومواخير عربدة ومراقص ومقاصف وبدل تأهيل المجتمع من كوارثه ، حولوا مئات الفتيات البريئات الى قحاب !! وملايين الأطفال في الشوارع الى مشردين ومنحرفين يمارسون كلّ الرذائل ..
توقّف صاحبي ويتلمّس العذر من قسوة كلامه .. فقلت له أكمل : قال : أي جيل عراقي قادم سينطلق بالعراق الى سماء المجد ؟ أين الالاف المؤلّفة من أملاك الدولة وعقاراتها ؟ اين غدت ؟ لماذا شفطها هؤلاء الذين استلبوا العراق في غفلة من الزمن ؟ كم عشرات منهم تمتلك المليارات ، وكم المئات تمتلك الملايين ؟ نهبوا العراق ، وكأن الدولة (مال ابو الخلفهم ) حيث تركوا ليعيثوا بها فساداً ودماراً ؟ لماذا سحقوا الموصل أم الربيعين سحقاً لاخراج داعش ، وتركوا المدينة مأوى للغربان واطلالاً وأحجاراً يبكيها أهلوها المتنوعين الذين يفكرون اليوم في مستقبلهم ، وهم يبحثون عن بوصلة جغرافية جديدة بعد تجاهل الحكومة هذا الانسحاق ؟ ان سكت أهل العراق هذه الأيام لأنّ أفواههم مليئة بالدم ، فسوف لن يبقوا ساكتين على هذه المهزلة التي لم يشهد التاريخ مثلها ، وأبطالها يستعرضون أنفسهم بكلّ أكاذيبهم ، وهم يحملون العار والشنار .. مجرمون حقيقيون يؤلفّون طبقة حاكمة شريرة قذرة مسؤولة ومتسلّطة على الرقاب ، وهي تستحوذ على مصالحها دون الشعب ، وحكومة عاجزة حتى عن أداء حاجتها في دورات المياه ! كم من الأبرياء العراقيين قتلوا وعذّبوا وتفجرّوا .. أو اختفوا من الوجود على أيدي المجرمين والمخبرين السريين في الاقبية السرية ؟ ثم أين وصلت نتائج مهزلة الانتخابات الاخيرة على أيديكم يا من جعلتم الدولة حذاء مرقعاً تلبسونه وتقلعونه ؟ أو جعلتموه كعاهرة تستخدمونها متى أردتم ؟ يا من جعلتم العراق مستنقعاً بكلّ مياهه الآسنة يطوف بالقذارة ، وسيبقى شعبه راضخاً لارادة الشفّاطين والعفّاطين ما دام مكتفياً بمطاليبه الغبّية : الماء والكهرباء .. وكأنها ليست من حقوقهِ الدنيا ؟ كرامة العراقيين متبخّرة في الهواء ، وحياتهم ستبقى جحيماً ان بقي هؤلاء في السلطة أولاً.. وان بقي العراق رهيناً بأيدي أعدائه الحاقدين وتدخلاتهم السافرة ثانياً .
ان المشكلة ليست فيهم وحدهم ، بل المشكلة في كلّ من يناصرهم ويصفّق لهم ويرقص أمامهم ويتلّوك عندهم .. كم ضمير عراقي مات منذ زمن طويل ، وبات لا يرى العالم الّا من أسفله ؟؟ سيأتي يوم الحساب سواء طال أم قصر ، وسيشهد التاريخ على نهاية دموية صعبة للغاية لكلّ هؤلاء المجرمين الذين دمرّوا العراق وسحقوا اهله وعبثوا بمقدراته وأحالوا حضارته الى ظلامية سوداء ، وهم يريدون البقاء في السلطة الى الآبد ، ولكن كان غيركم أشطر منكم ، اذ مضى كلّ عهد الى نهايته الدموية المحتومة .. نهاية قادمة تمشي ساعية اليكم ، وسوف لا تبقي ولا تذر ، فالليل لابد ان ينجلي ، وسترفع الاستار الداكنة عن زمن جديد.