خاص : ترجمة – محمد بناية :
إتخذ الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، الأسبوع الماضي، أولى خطوات تفعيل مشروعه العسكري في “ليبيا” بتدفق عناصر الجيش التركي على “طرابلس”؛ ومقتل 3 عناصر وإصابة 6 آخرين.
وأعلنت “تركيا” أنها تبتغي من هذا المشروع، المحافظة على “طرابلس” ودعم “حكومة الوفاق الوطني”، المعترف بها من “الأمم المتحدة”، وأدعت أنها تريد مساعدة هذه الحكومة حتى تتمكن من البقاء في السلطة.
لكن يرى بعض المراقبين أن الخطوة التركية تخدم طموحات “تركيا” في تطوير نفوذها. في المقابل ترى “تركيا” أن التدخل العسكري في الأزمة الليبية ضروري للدفاع والأمن التركي، أضف إلى ذلك أنها قد تؤدي إلى خلق أرضية مشتركة للاستقرار بين “فائز السراج”، رئيس وزراء “حكومة الوفاق الوطني”، والجيش الوطني الليبي بقيادة، “خليفة حفتر”. بحسب صحيفة (إيران) الحكومية نقلًا عن موقع (بلومبيرغ).
حقيقة الرغبات التركية..
وتستند الحسابات التركية إلى إمكانية الضغط على الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومن ثم تعبيد مسار تحقيق الاستقرار السياسي والحيلولة دون طول أمد الأزمة السياسية في هذا البلد.
لكن السؤال الأساس: إلى أي مدى قد يُثمر الدور التركي في ظل العروض الصاخبة لأطراف أخرى مثل “مصر، والإمارات العربية المتحدة”، وأطراف تدخلت على خط الأزمة مؤخرًا مثل “روسيا”؛ وتنشط بشكل فعال ضد الأهداف التركية ؟..
وينشأ دافع “إردوغان”، للتدخل العسكري في “ليبيا”، من الرغبة في المحافظة على اتفاق كانون أول/ديسمبر من العام الماضي، مع الحكومة الليبية بشأن إعادة ترسيم الحدود البحرية في “المتوسط”. فلطالما عانت “تركيا”، منذ سنوات، المشاكل مع “قبرص” و”اليونان” على خلفية حقوق “شرق المتوسط”.
ولقد نجحت “تركيا” و”اليونان” في الوصول إلى اتفاق، بعد نحو نصف عقد من المفاوضات، ينص على إقتسام المصادر المشتركة بـ”البحر الأبيض المتوسط” و”بحر إيغة”.
وقد أمتزج هذا الخلاف بالانفصال السياسي في “قبرص” والحلول التركية التي تستهدف طمأنة “أتراك قبرص”؛ بشأن التقسيم العادل للمصادر المالية.
خسائر تركية..
وخلال السنوات الأخيرة، ساهمت سياسات “تركيا” الإقليمية السلبية والدعم غير المشروط لـ”الإخوان المسلمين”، في توتير علاقات “مصر” و”الكيان الصهيوني” مع “أنقرة”. ومن ثم واجهت الأخيرة مجموعات مختلفة الجنسيات، أثرت بشدة على توزيع مكاسب “تركيا” من المصادر الطبيعية شرقي “البحر الأبيض المتوسط”.
وبالنسبة لـ”إردوغان”؛ فالاتفاق مع “ليبيا” بمثابة صيغة لكسر العزلة التركية وخطوة للتوزيع العادل، (كما يزعم)، للمصادر “شرق المتوسط”. لكن الاتفاق ينطوي على مقابل: ذلك أن “حكومة الوفاق الوطني” الليبية طلبت إزاء التوقيع، الدعم العسكري التركي ضد “حفتر”.
ولو ننظر إلى هذه المسألة من زاوية أبعد؛ فسوف نرى أن التدخل العسكري التركي في “ليبيا” يهدد بفشل سياسات “أنقرة” الإقليمية ومصالحها الجيوسياسية على المدى الطويل. إذ تتضاعف المخاطر التي تهدد “تركيا” بهذا التدخل، وفي مقدمتها التحديات الداخلية. لأنه على عكس التدخل العسكري التركي في “سوريا”، يحظى التدخل في “ليبيا” بدعم مختصر من الشعب التركي.
واستنادًا إلى أبحاث مؤسسة “إسطنبول” للدراسات الاقتصادية، يدافع 34% من الأتراك عن هذا القرار، في حين يرفض 58%، الوجود العسكري التركي في “ليبيا”. وبالتالي فقد إزداد الاستياء الشعبي التركي على “إردوغان”، بعد خسارات “أنقرة”، قبل نحو أسبوعين.
المخاطرة الثانية تتعلق بعمليات الجيش التركي. إذ من المقرر أن تشارك “تركيا” في عمليات على مسافة آلاف الكيلومترات عن الوطن، دون برنامج واضح للمتطلبات اللوجيستية أو إمتلاك حلول للعدو الذي يتمتع بالدخول غير المشروط لمخازن الأسلحة المصرية.
لكن التحدي التركي الأهم؛ هو في إنعدام المجال الجوي. فالتسليح التركي الجوي ضعيف إزاء قوات “حفتر” الجوية، التي تمتلك مقاتلات حربية إماراتية وقواعد مصرية. وتتطلع “تركيا”، (مع علمها بهذا الضعف)، للوصول إلى دور غير هجومي وأن يقتصر دور الوحدات العسكرية التركية في “ليبيا” على الاستشارات العسكرية والإستراتيجية، وتجهيز قوات “حكومة الوفاق الوطني” بالسلاح.
والطريق الذي تقطعه “تركيا” اليوم سبق اختباره مرارًا. وقد شرعت بعض الدول في دعم الفصائل العسكرية المعارضة؛ وبشكل واضح ترى “مصر والإمارات”، في التدخل التركي بـ”ليبيا” فرصة للإضرار بـ”إردوغان”. لكن علينا التحلي بالصبر لمعرفة النتائج، وما إذا كانت “القاهرة” سوف تتخذ، وكذلك “أبوظبي”، قرار خفض عدد القوات في “ليبيا” من عدمه.