5 نوفمبر، 2024 11:30 ص
Search
Close this search box.

ما سر الإستمتاع بالموسيقى الحزينة؟

ما سر الإستمتاع بالموسيقى الحزينة؟

يجد الكثيرون متعة من نوع خاص في الإستماع للحن الحزين (sad melody)، الأمر الذي أثار تساؤل الباحثين في علم النفس والفلسفة حول سبب ذلك، فالطابع التراجيدي لهذ النوع من الموسيقى يجعلنا نفترض أنها ستخاطب فينا مشاعر وانفعالات شبيهة بها، أي أنها ستثير شعوراَ بالحزن، وهو ليس شعوراً مرغوباً لنا! .. لكن الواقع أن اللحن الحزين يثير في المستمع أيضاً شعوراً بالمتعة، وهو ما دفع الباحثين لوصفه بالحزن الماتع (pleasurable sadness) .
هناك العديد من الفرضيات التي حاولت تفسير هذه الظاهرة، ومن ذلك :
أولا: التنفيس (catharsis): يفترض هذا الرأي أن اللحن الحزين يعين الفرد على التنفيس الإنفعالي عن المشاعر السلبية كالغضب والحزن، فالأمر شبيه أن تتحدث إلى إنسان (فضفضة!) عن أمر ما يحزنك ويزعجك .
ثانيا: التحريك الإنفعالي: تقرر هذه الفرضية أن مجرد حدوث حركة في المشاعر والإنفعالات (Feeling of being moved) هو أمر يحمل متعة ما، رغم أنه قد يتضمن معنى حزيناً بين جوانبه. شعور التحريك هذا حين يلامس الشيء دواخلنا، وهو ما يحدث في مواقف حياتية كالتضحية ومساعدة الآخرين والشفقة والتعاطف وغير ذلك. لقد أشار ديفيد هيوم إلى هذا النوع من الإنفعالات في القرن الثامن عشر وسعى علماء النفس في السنوات الأخيرة إلى دراسته بصورة أكثر منهجية.
ثالثا: الإقتراب من عتبة الألم : أي أن اقترابنا من عتبة الألم دون الوقوع في الألم هو أمر باعث على اللذة. كاللذة الي نجدها بأكل الطعام الحار أو اللاذع أو التمرين الرياضي الشديد مثلاً. إننا في هذه الحالات نقترب من الألم دون حدوث ضرر حقيقي، وهو ما يمثل شعوراً محبباً إلينا. الأساس لهذه الفرضية قدمه بروفيسور الفلسفة في جامعة أستراليا الوطنية كولن كلاين لتفسير الألم الماتع، واطلق عليها نظرية الظل الناقص (The Penumbral Theory)، ويقصد بذلك أننا في اقترابنا من الألم نقف في منطقة رمادية، أي نقترب من الألم ولا نقع فيه بصورة شديدة، وهو ما يبعث على نوع من المتعة، أن نقف قرب حدود الألم ونختبر تحملنا له .
رابعا: إدارة الإنفعالات (emotion regulation): تقرر هذه الفرضية أن الموسيقى الحزينة تسهم بإدارتنا للإنفعالات والمشاعر، وذلك بجعلها أكثر وضوحا وظهوراً على السطح، وبذلك تسهل على الفرد التعامل معها وتأطيرها من جديد. الأمر هنا شبيه بأن يساعدك شخص على أن تصف مشاعرك وتعبر عنها .
خامسا: الحكم الجمالي (aesthetic judgment): تقرر هذه الفرضية أن مجرد ممارسة الإنسان للتجربة الجمالية والتقييم الجمالي هو أمر باعث على اللذة . ونعنى بالجماليات هنا معناها العام، سواءاً كان منظراً طبيعياً أو رائحة عطرية أو قصيدة حماسية أو رواية حزينة .
سادسا: المواساة (consolation): تقدم الموسيقى الحزينة رسالة ضمنية للمستمع أن ثمة حزنا ً في مكان آخر في هذا العالم، بالتالي أنت ليس وحيداً في ألمك ومعاناتك مهما بلغت. الأمر هنا شبيه بأن تعرف أن ثمة أناساً آخرين يشاركونك ألما ما، وهو ما سيقلل من شعورك بالإنفراد والوحدة ويبعث على الطمأنينة والسكون .
ماذا بعد؟
لا يمكننا الجزم بفرضية واحدة دون أدلة بحثية كافية، ويحتمل أن يكون للظاهرة أكثر من تفسير بحسب الفرد نفسه، كما هو حال الكثير من الظواهر النفسية. ثمة فرضيات أخرى حاولت تفسير الأمر من منظور عصبي هرموني، إلا أنها لم تحظى بدلائل علمية واضحة.
يقودنا التساؤل حول اللحن الحزين إلى تساؤل أوسع حول الفن التراجيدي بصورة عامة، سواءاً كان فلماً سينمائيأ أو موسيقى أو نصوص روائية، ونحن نلاحظ انجذاب جماهير الناس إليه بصورة متزايدة. ففي حين يسعى الإنسان إلى تقليل الحزن والمشاعر السلبية في واقع حياته إلا قد يسعى إليه ويطلبه حين يكون فنا ً! .. تلك هي مفارقة التراجيدا !

أحدث المقالات

أحدث المقالات