ربما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو المليم الأول في إيصال المنطقة، والعالم الى حدٍ ما، الى شفا حفرةٍ من نار، قبل ان يمسك بها من جديد ولو الى حين.
التردد مرض قاتل، قرأت ذات مرة لسلام خيّاط، الصحفية والكاتبة العراقية الأبرع على الإطلاق، أيام كانت تكتب في جريدة الجمهورية، قبل اكثر من أربعين سنة، عن موقف درامي لثلاثة أشخاص، أرويه بأسلوبي، يريدون عبور الشارع، بينما هناك سيارة مقبلة عليهم بسرعة.
الأول، حسم أمره واتخذ قرار العبور واجتاز الشارع مسرعاً بأمان.
الثاني، نزل خطوة عن الرصيف والتفت ناحية السيارة ووجد ان لديه فسحة من الوقت فهرول على عجل وعبر الشارع قبل ان تدركه السيارة.
الثالث، نظر الى السيارة وهو على الرصيف، مشى الى نصف الشارع واستدار ليستطلع الموقف ففاجأته السيارة وصدمته. وهكذا الحياة تسحب أوسمتها من على صدور المترددين.
ترامب كان مترددًا مثل الشخص الثالث، حتى ظن خصومه الإيرانيون انه تاجر مهزوز في جلباب رئيس الدولة العظمى الوحيدة، وأنه مثل حكام الخليج المأفونين يخاف على ثروته وجاهه وسلطانه، ونسوا في نشوة التمادي ان بين يديه، بخلاف دمى الخليج، قوة كاسحة لا تقهر بمقاييس القوة المجردة، حتى وجّه اليهم ضربة موجعة صدعت عقولهم قبل قلوبهم.
عندما تقبض على عنق شخص يتململ ويتلوى، يخبط بيديه ويرفس برجليه محاولا إنقاذ نفسه من الموت. العقوبات تأخذ بخناق ايران وترهقها، بل وتهدد مستقبل جمهوريتها الإسلامية فراحت تتململ.
ضربت السفن في الخليج مرة واثنتين وثلاث. أسقطت درون أمريكية يفوق سعرها المئة مليون دولار. حام وكلاؤها حول المصالح الأمريكية، خصوصا في العراق، واستهدفوها بعتاد متخلف عدة مرة. كل ذلك بهدف تحريك الوضع وإيجاد نقب في جدار العقوبات دون جدوى.
عندما ضربت ايران أرامكو وقطعوا حوالي نصف انتاج الطاقة السعودية من النفط والغاز، وحوالي ١٥٪ من الإمدادات العالمية، ظنت ايران ان الخليج والعالم معه ربما ساعد في إرخاء القبضة الأمريكية دون جدوى. اصر ترامب ان الإستهداف لم يأتِ مباشرة على ارواح الأمريكيين او مصالحهم وقال بصريح العبارة ان امريكا ليس بحاجة الى نفط الخليج وغازه، وان امريكا هي المنتج الأول للنفط والغاز في العالم، وعلى الدول التي تشتري من هناك تأمين طرق الملاحة البحرية.
بالمناسبة، محققوا الأمم المتحدة، حسب رويتر اليوم قالوا ان هجمات سبتمبر على منشآت نفط سعودية ليست من فعل الحوثيين، حيث أفاد تقرير سري لمراقبي العقوبات بالأمم المتحدة، اطلعت عليه رويترز اليوم الأربعاء ان جماعة الحوثي لم تشن هجمات يوم 14 أيلول على منشآت نفطية لشركة أرامكو السعودية في أبقيق وخريص، رافضة إعلاناً أذاعه الحوثيون المتحالفون مع إيران حينها يعترف بمسؤوليتهم عن الهجمات.
تعذر ترامب بشتى الحجج لتبرير احجامه عن الرد وعندما اصاب وكلاء امريكا مواطنا أمريكيا، وإن كان من اصل عراقي وجرحوا اخرين في كركوك، لم يعد أمام ترامب من سبيل الى الأعذار والذرائع، خصوصاً وهو يدخل عام الإنتخابات الحاسم ويمكن لمثل هذا الضرر ان يستغل من قبل المنافسين بقوة فرد بعنف غير متناسب أبدا وشن طيرانه غارات قاصمة على مواقع الحشد الشعبي في القائم، قتل فيها واصاب العشرات ثم كانت حادثة مطار بغداد الدولي التي اودت بحياة سليماني والمهندس وأوصلت المنطقة الى شفا حفرة النار، ولو انه لجم ايران منذ اول هجوم على حاملات النفط في الخليج، ربما كان الثمن والخطر والحرج سيكون اخف على الجميع.