لم يكن الرئيس ترامب ليخفي نواياه ونزعاته الرأسمالية منذ بداية حملته الانتخابية ، فالرجل يتعامل بعقلية ابن السوق في قضايا لايمكن التعامل بها لا بلغة مفهومة استقرت عليها العلاقات الدولية منذ مؤتمر فينا عام 1815، واخرجتها اتفاقيات لاهاي ومعاهدات جنيف ، او ميثاق الامم المتحدة ،تلك اللغة القائمة على المصالح المتبادلة او الفوائد المتفق عليها ، فهو اليوم مثلا يدفع بالحمائية التجارية التي تتناقض تماما مع القاعدة التي طالما طبل لها الرأسماليون منذ ظهور الكنزية والقائمة على دعه يعمل ،دعه يمر ، وهو بهذا يتصرف وكان الويلايات المتحدة تنتج كل ما يريده العالم ، متناسيا ان الويلايات المتحدة تستورد ما ليس لديها ، والحمائية الامريكية اليوم تصطدم بثوابت منظمة التجارة الدولية التي انشأتها هي قبل غيرها من الدول ، وكانت تعادي الدول الاشتراكية بحجة هذه الحمائية ، والرئيس الامريكي استهل عهده بقاعدة يجب ان نربح من كل شئ ، وان لا تخسر اي شئ ، وحول سلوك دولته الى سلوك رجل البازار الذي يذهب بسلعته الى كل الازقة والحواري حتى ولو كانت للغير ، وهكذا نجده اليوم دون كل الرؤساء السابقين يقفز من الشرق الأوسط الى بحر الصين الجنوبي باحثا عن الأسواق لسلاحه او خنازير مزارعة المتكدسة في حقول المنتجين الامريكيين ، او تراه يذهب الى اوكرانيا باحثا ثغرة توقع بمنافسه الديمقراطي في الانتخابات القادمة ، وهو اليوم يهرب من سوريا امام سطوة الدب القطبي ، تاركا الارهاب ينتقل من سوريا الى ليبيا او يضرب في العراق ليهرب بعيدا عن ايران ، او انه يشجع على البريكست ليضمن شريك جديدا يحمل هو الاخر عقلية رجل البازار . لقد كانت بدايات الرجل خاطئة ولا بد للنهايات ان تكون خاطئة ، لقد توقعت في كتابات لي قبل عامين ان الرجل سوف يعزل لان مهابطه مؤلمة للغير ، وانه سمسير سياسة لا رجل سياسة ، لانه مضارب كرجل عقار يعتقد ان الدولة بناية عالية ودوره فيها الترميم وجمع الإيجارات ،
ان الدولة بالأخص الويلايات المتحدة والصين وروسيا ، عبارة عن مركز مغناطيسي تدور حوله دول والتعامل بلغة البازار يعني سهولة التغيير في المواقف وهذا ليس من مواصفات الدول الكبرى ، لان العالم بعد الحرب الثانية وافول نجم الاتحاد السوفيتي ، وظهور خليفته روسيا او نهوض المارد الصيني كلها علامات بل وقائع ستجعل من الويلايات المتحدة تحتل الدرجة الثالثة وأمثال الرئيس ترامب هم من يسرع بالوصول إلى هذه الدرجة المتدنية….