ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جُلّه”
الديمقراطية حالة إدراكية فكرية ثقافية متوافقة مع تطلعات إيجابية لتحقيق السعادة الإنسانية.
ولكي ندركها يتوجب علينا أن نعرفها ونعيها ونتمثلها , ونرتقي إليها نفسيا وروحيا وعقليا , فنبتكر الصياغات السلوكية المعبّرة عن جوهرها وقيمها المنيرة.
البعض يقول بأنها تحلّق في سمائنا منذ عشرة سنوات , وغيرهم يقول منذ إنطلاقة الربيع العربي من تونس الثورة والأمل والحياة.
وآخرون يذكرون بأنها إنبثقت من قلوب وأعماق الشباب المصري المنوّر بثقافة العصر الذي ينغمس فيه.
وفي جميع الأحوال , فأنها ترفرف في أجوائنا , وما وجدت وكرا يصلح لبناء عشها , ووضع بيوضها الحضارية وتفقيسها ورعايتها.
وكأن البيئة ليست بيئتها , والفضاء يشاكسها , فأصبحت كالطير المستورد بقفصٍ من جزر الكناري , الذي أطلقه صاحبه بعد أن تألم لوحدته وإنحباسه , فحسب أنه يفعل خيرا , لكن الطير راح يتخبط حائرا , كالخفاش المطلوق في عز الظهيرة الساطعة , وكل مَن يُمسكه يطعمه طعاما يأباه , فإنتهى به الأمر , أن يعود إلى قفص صاحبه , الذي أدرك بأنه قد تورط مع هذا الطير , وعليه أن يبقيه في القفص حتى يسافر إلى تلك الجزر فيطلقه هناك , أو يصنع له بيئة مشابهة ويجد له خليلة تساعده على البقاء , وصناعة الحياة والتآلف مع البيئة الجديد.
وبقي صاحبه يبحث عن وسيلة لتربيته وتكاثره في بلادٍ لا يَعرفها ولا تعرفه , فهل سيفلح , أم أنه سيبقيه في أسره؟!
فكرةٌ جاءت وفينا عُسِّرَتْ هلْ بوعيٍّ سَنراها يُسِّرَتْ؟
وبغياب الإدراك الديمقراطي , نبدو وكأننا لا طاقة لدينا ولا قدرة على القيام بواجباتها ومتطلباتها , وإنما أخذناها إلى مسالك لا ترضاها , ومتاهات لا تعرفها , وقد تحولت عندنا إلى “ثريد” ولكن حول صحوننا الفارغة!
فهل أنها معسورة ولا ندرك ما فيها من الميسور , أم أننا سنتفاعل بما تيسر منها حتى ندرك معاسيرها , ونتمكن من صناعتها في مجتمعاتنا.
“ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها” البقرة:286