.. الشجوة كما يطلق عليها باللهجة العامّيّة العراقيّة تجويفة بحجم مناسب مفتوحة من مقدّمتها مصنوعة من جلد الماعز مستحكمة الخياطة لا تسمح بنفاذ السوائل منها ولو تحت أقسى الظروف .. تضع الامرأة الريفيّة بداخلها الحليب الرائب “اللبن” وتغلق فوهتها بإحكام ثمّ تقوم برجّها يمنةً يسرة إلى الأمام و إلى الخلف نتيجة ذلك الرجّ “الخضّ” الحصول على الزبدة “اللذيذة” .. أمّا خلاصة ما تبقّى من اللبن فيجفّف عن طريق الترشيح بتعليق الشجوة إلى أعلى ووضع إناء مناسب تحتها ساعات طويلة ثمّ يستخلص ما بجوفها من “خاثر” لبني بطراوة صلبة لذيذ طعمه مع تمر الحلاّن ولا أشهى منه .. وما ترشّح في “الإناء التحتي” يجفف هو الآخر ليصبح “بحاريث” بيضاء “كرات صغيرة” يتناولها الأطفال ..
هذه ليست وصفة لطعام رمضاني يقدّمه مطبخ الموقع الكريم هذا في هذا الشهر الكريم .. بل هي “دعوة” متواضعة أضعها بين يديّ القارئ لتأمّل ما يحدث مجدّداً في مصر بعينين مفتوحتين أكبر هذه المرّة كي نرى حركة المشهد المتلاطم تلاطم اللبن داخل “الشجوة” للوصول إلى السؤال عن :ــ من هي يا ترى “الامرأة الريفيّة” الّتي وضعت مصر داخل “شجوتها” مجدّداً وغطّتها بغطاء 30 حزيران لتكمل على من تبقّى من العرب بعد النكسة الّتي أصابتنا في مقتل حزيران 1967.. لنحسب ما يجري هو هكذا كي لا نقع في الإحباط مرّة ثانية وأتمنّى ما حصل في المرّة الأولى أن لا نراه ثانيةّ إن شاء الله وخوفاً على ثورة مصر الثانية وحرصاً على ما يجري فيها على الأقل بات مسار هذه الثورة يومض ببارقة أمل بثورة حقيقيّة أطاحت بمحمّد مرسي بسبب انحراف من حوله وبسبب خطيئة استخدام الدين في المضاربات السياسيّة كي يستمرّ المشهد المصري التحرّري العظيم يغلي في وجداننا يطهّر مصر بأمل تطهّر العرب جميعاً من بين براثن “الاختلاس” التاريخي لأماني الشعوب .. ونرجو أن يكون ما يحصل في مصر من اضطراب نتائجه زبدة ولنحذر أن نضع أمامها مقولة نهرو :ــ لو رأيتم سمكتين تقتتلان في نهر فاعرفوا أنّ وراء عراكهما بريطانيا ! .. هو يمكن نهرو من قالها رغم أنّني قرأتها عن من نسبها لغيره أيضاً ..
خوفي وغيري من هذه “الإزاحة” الجماهيريّة الكبرى مشروع بعد نظام حكم الإخوان المسلمون الّذين لم تعرف عنهم شعوب الأرض كافّة وليس شعوب المسلمين فقط الجهة أو الجهات الّتي تملي على “المرشد” في كلّ دولة فيها تنظيم للإخوان ويتلقّى تعليماته منها على اعتبار أن تنظيم الإخوان المسلمون تنظيم عالمي “أربع دول ينتظم حكمها بهم وثمانون أخريات للإخوان فيها قواعد تنظيم” بحسب عضو الإخوان المستقيل “ثروت” وبحسب ما سمعته من بعض أعضاء من حزب الإخوان أنفسهم “هربوا” منه منهم من كان قد شارك تحت جبهة هذا الحزب بحرب كوسوفو وحروب البلقان تسعينيّات القرن الماضي استقرّ في أوروبّا إماماً لأحد المساجد فيها يعتبر تجربة انتمائه للإخوان أسوأ تجارب حياته اكتشف ذلك أثناء مشاركته في تلك الحروب ..
لا يجب أن تمرّ علينا نظريّة “الشجوة الخلاّقة” مرور الكرام ونكتفي فقط بما اكتوينا وضعضعت أوصالنا من تجاربها الرجّاجة كرجّ اللبن داخل الشجوة .. فـ”التجربة” الّتي تجريها دول التجارب والاختراعات والمكتشفات لازالت قائمة تتنقّل هنا وهناك وقد تعاود إلى “هنا” أيضاً .. يجب أن نواجه أنفسنا بحقيقة لا تغيب عن بالنا إطلاقاً نضعها على طاولات عملنا بدل لوحة تعريق صاحب المنصب ؛ أن الغرب “الأنظمة” يعتبرونا فئران تجارب لا أكثر وأراضينا مليئة بالثروات لذلك يحاولون “هشّنا” عن مناطق قطف الثمار كما يهشّ أيّ عائق عن طريقه ..
تبديل شيخ قطر بابنه ليس تبديل اعتباطي ناتج من تعب الشيخ .. بل هو ما وراءه … لأنّ “التجارب” الأميركيّة بتبديل القيادات الّتي تحت رعايتها وحمايتها ونفوذها ليست بجديدة أغراضها .. تأتي عقب كلّ فشل أميركي .. اعتدنا على ذلك .. أوباما نفسه أتى عن طريق تغيير القيادات الأميركيّة بعد فشل بلده في العراق وتلوّث سمعتها فيه أخلاقيّاً وسياسيّاً وعسكريّاً ممّا أوقف مشروع القرن الأميركي .. وقد بدء التغيير الأميركي بدءً من قمّة هرمه الرئاسي واستبدال طاقم الحكم جميعه وهرب من بقي من عصبة غزو العراق .. يقف التغيير القيادي الأميركي من أعلى هرمه بطاقم جديد “أوباما لا هو مسلم ولا هو مسيحي” ! يتميّز بمسحة لونيّة سمراء مشابهة للمسحة الّتي يتميّز بها من ستقوم على أراضيهم “تجربة” موجة الربيع العربي ! ..
فهل من المحتمل يأتي التغيير في مصر هذا بنسف تعميم “التجربة الدينيّة” في الحكم داخل “كبيرهم” مصر لتتهاوى أنظمة الحكم الديني في كافّة من وطأ حكمها الدين بما فيهم العراق كي يتمدّد باتّجاه “الشقيقة الشيعيّة الكبرى إيران” للنفاذ إليها عن طريق انقلاب مدني تكون مصر هذه المرّة شرارتها الأولى وليست تونس بسبب تغيّر المكان والزمان ونوع الأغراض ! ..
أميركا والغرب بالنسبة لها نحن المتعلّقون بأهداب الماضي بجميع ترّهاته وخرافاته عرباً وغير عرب مسلمون وغيرهم عبارة عن حقول تجارب يجرون عليها “بأموالهم الّتي لا تحصى والّتي لا تأكلها نار الآخرة نفسها وبما يملكون من تقنيّات تكنولوجيّة هائلة وأسلحة فضائيّة إرماديّة” قادرة على التحكّم بأيّ أضرار ناتجة من أيّ تجربة فاشلة ثمّ تعيدها وتستبدلها لتعاود مرّة أخرى لتجربتها إلى أن تحقّق ما تريد وتستقرّ عنده ..