إن موضوعنا لهذا اليوم هو الدستور الاتحادي العراقي، الذي اختارته عام 2005 غالبية شعب العراق وجنوب كوردستان بنسبة مئوية فاقت 80% وهذا يعني، أنه وثيقة قانونية معتبرة ومعتمدة أقرتها أكثرية الأصابع البنفسجية لتنظيم شؤون هذا الكيان المسمى عراق الاتحادي، ومن يتجاوز على مواده وبنوده ولا يحترمها بلا شك أنه لا يحترم إرادة الغالبية العظمى للعرب والكورد والأقليات العرقية والدينية التي تعيش في كنفيهما. لكن للتاريخ أقول، أن الأحزاب الشيعية الإسلامية بعد أن تيقنوا إبان الاستفتاء على الدستور أنهم لا يستطيعون الوقوف بوجه التيار الشعبي الجارف المؤيد للدستور سايروا الشعب خوفاً وفزعا، وصوتوا عليه بنعم – تقية- ثم؛ بعد انتهاء التصويت، سرعان ما عقدوا مؤتمراً صحفياً شككوا فيه بهذه الوثيقة التي أنصفت إلى حد جيد كل المكونات العراقية والكوردستانية حين قال هؤلاء الشيعة دون خجل وريبة: لنا تحفظات على الدستور. وهذا يعني، أنهم سيجعلوا منه فيما بعد كُتيب شبيه بالصحيفة السجادية التي تتلى للأدعية والأذكار، وإلا أنهم سيرموه خلف ظهورهم ولا يعيروا له أي اهتمام قط، ويقفوا كحجر عثرة ضد كل من يريد أن يعمل به وسيضعون جملة عراقيل أمام تطبيق بنوده بصورة صحيحة وفي مواعيدها المقررة في سياق الدستور ذاته، وبالفعل هذا الذي حصل على مدى عقد ونيف، أوقفوا تطبيق مواد كثيرة فيه، وخرقوا أكثر من ستين مادة دستورية. لقد وصلت الوقاحة بامرأة شيعية مسترجلة عضوة بالبرلمان تقول في الإعلام أنها لم تدع أن تنفذ مادة دستورية أربعة أعوام. عزيزي القارئ اللبيب انظر على سبيل المثال وليس الحصر، على المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازعة (السليبة) عليها تقول المادة: يجب أن تنجز كاملة (التطبيع الإحصاء، وتنهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة. لكن جماعة الشيعة بدل أن يطبقوا المادة في موعدها المقرر تملصوا منها وبدؤوا كالعادة سياسة التعريب والتشيع العنصري والطائفي وجلبوا آلافاً مؤلفة من العرب.. واستوطنوهم في كركوك والمناطق الكوردية الأخرى مثل مندلي وغيرها. لم يكتفوا بهذا، بعد احتلالهم لكركوك عام 2017 نصبوا لها محافظاً بالوكالة من العرب المستوطنين الأوباش، الذين جيء بهم من صحارى العراق لتغيير ديموغرافية كركوك الكوردية الكوردستانية. عزيزي القارئ، بعد كل هذه الخروقات والتجاوزات يتهمون الرئيس (برهم صالح) بدون خجل، بأنه خرق الدستور، لأنه لم يقبل بترشيح شخص.. لرئاسة مجلس الوزراء يرفضه الشارع العراقي؟؟ وتحديداً الشارع الشيعي.
عزيزي القارئ الكريم، أن الشخصية الإسلامية – ليست المسلمة- أن كانت سنية أو شيعية فرداً كان أو حزباً هو شخصية سياسية سلبية تلوي عنق الأفكار العقدية التي تتبناها من أجل تحقيق نواياه الفاسدة وذلك بالوصول إلى سدة السلطة السياسية كي تحكم وتنهب البلد، تماماً مثلما فعلت الأحزاب الشيعية بعد عام 2003 وإلى الآن حيث يعتبرون بلد غنيمة لا غير. وإلا، لا تحتاج عبادة الخالق إلى تأسيس حزب، وقيادة، ومكتب سياسي الخ، لأن عند الشيعة توجد مراجع التقليد، تقلدهم الشيعة، ولا يخطوا المقلد الشيعي خطوة واحدة في حياته بدون مراجعة رسالة مرجعه الذي رسم له طريقة حياته بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، إذاً لمن تؤسس الأحزاب؟؟!!. عزيزي المتابع، لمعرفة البون الشاسع بين الخطابين الكوردي العلماني والإسلامي (الشيعة) استمع إلى رئيس الجمهورية الدكتور (برهم صالح) ماذا يقول عن الانتفاضة الحالية في بغداد والمدن الشيعية في الجنوب – رغم رأيي عنها ككوردي- يقول الرئيس: يجب أن نتصارح جميعاً مسئولين وأحزاب موظفين ناشطين مثقفين ومواطنين بأن هذا الحراك وهذه الاحتجاجات جاءت على خلفية البؤس والمظالم. انتهى كلام الرئيس. أليس هذا كلام شخص حريص على البلد كل الحرص؟ لو يريد أن يضعف العراق من أجل أن يقوى الكورد لوقع على ترشيح أسعد العيداني وجعل نارهم تحرق حطبهم وصارت بعدها بينهم بالـ..؟ لكن بما أنه رجل دولة ويقوم بمسئولياته على أتم وجه ضرب بمنصب رئيس الجمهورية عرض الحائط وقال كلمة حق التي ليس لها وجود في قواميس لا الشيعة الناطقون بالعربية ولا السنة العرب. على أية حال. بخلاف كلام الرئيس، أنظر ماذا قال في بداية التظاهرات مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض عنها: لدينا بذلك معطيات ومعلومات ولدينا أسماء ولدينا تصورات نعرضها بالوقت المناسب. وأضاف الفياض: أي شخص يتابع الإعلام ويتابع ما يحصل قبل التظاهرات وبعدها هناك مخطط. ويستمر الفياض: العراق سيبقى بلد المستهدف، التجربة الديمقراطية مستهدفة. ويقول: الأعداء والمتآمرين والمتربصين نقول لهم سيخيب سعيكم وقد خاب سيعيكم. عزيزي القارئ، أرجو أن تقارن بين الخطابين، خطاب الكوردي العلماني الذي يشعر بمعاناة الشعب، والخطاب الإسلامي الشيعي الناطق بالعربية القابع في برج عاجي، ومن ثم أحكم ضميرك. للعلم؛ أن كل الأحزاب الإسلامية قديماً وحديثاً فشلت في إدارة البلد الذي تتولى قيادته، أنظروا إلى رجب طيب أردوغان الذي عُرف بعد ضرب الكورد بالفسفور الأبيض بـ”رجب فسفور” ماذا فعل بالكيان التركي حيث أن الليرة التركية في أدنى مستوياتها، والسلم الاجتماعي في الحضيض، وعلى مستوى العلاقات الخارجية علاقاته سيئة مع عموم البلدان حتى مع حلف الناتو الذي ينتمي إليه، ومع الاتحاد الأوروبي الذي يستعطي منه ويدق أبوابه لقبوله عضواً فيه، إلا أنه في كل مرة يردوا عليه بخطاب رسمي مهين: انتظروا لم يحن الوقت، أنكم بلد غير متحضر الخ. وهكذا هي إيران الشيعية. كي لا أطيل، في كل شيء حال إيران أسوأ من حال تركيا بأضعاف مضاعفة. أما العراق فحدث ولا حرج، يأتي في ذيل قائمة الدول الفاشلة في العالم، هذا ليس كلامي، بل كلام رئيس مجلس الوزراء السابق وأمين عام حزب الدعوة الإسلامي الشيعي نوري المالكي لقد قال في لقاء تلفزيوني في قناة الآفاق وهي تابعة له، لكن عرضه جاء في برنامج يقدمه الشيخ (عبد الحليم الغزي) الذي بعنوان: نماذج من الفساد في أجواء مرجعية السيد السيستاني ج 3. ونحن ننشره كما ورد على لسان السيد نوري المالكي: في الحقيقة، المتصدين من السياسيين، والشعب يعلم وأنا أعلم، بأن هذه الطبقة السياسية – طبقة الأحزاب الشيعية- وأنا منهم – نوري المالكي- ينبغي أن لا يكون لها دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق، لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً وأنا منهم ويضيف: حتى لا أبعد عن هذه القضية. يقصد قضية الفساد المستشري في ظل الحكم الشيعي الإسلامي في جميع مفاصل البلد. وفي ذات الحلقة عرض الغزي السيد هادي العامري وهو يلقي كلمة في اجتماع شيعي كبير قال العامري: أيها الأخوة، هذه الرسالة كانت واضحة وأن نعترف، أولاً والاعتراف بالخطأ فضيلة، إننا أخطئنا وقصرنا بحق شعبنا، وعجزنا أن نقدم له الخدمات المطلوبة والحياة الكريمة، قاصدين أو غير قاصدين، ملتفتين أو غير ملتفتين، لقد انتهينا بالصراعات الداخلية وتركنا شعبنا يتضور من الجوع والفقر، ولذلك لا بد أن نعترف بذلك، وأنا أول من أعترف بذلك، وأعتذر من هذا الشعب عن كل قصور أو تقصير بدأ من، وأني أعترف بأني أول من قصر بحق هذا الشعب، وأطلب من شعبي المسامحة عن ما جرى منا وعلى الشعب أن يعفوا عنا الخ.
إن الكلام الذي قاله المالكي والعامري أعلاه، لو يقوله أي مسئول يحترم ذاته في أي بلد في العالم بعد انتهائه منه يقدم استقالته ويبتعد نهائياً عن السياسة ويجلس في بيته أو يبحث له عن عمل بعيد عن السياسة. لكن الجماعة بسبب جهلهم المركب لا يعرفون مغزى الكلام الذي ينطقون به أمام الشعب!.
“إن لم تملك لسانك تندم”