أن الدور والصراع الاميركي_ الايراني في العراق والمنطقة في السيطرة والنفوذ، ليس خافيـا على احـد ,مهما كانت تسويق المبررات والحجج،بذريعة الحرب على الارهاب، التي تقف عارية، امام المعطيات التي تعج بهـا الساحـة العراقية الرسمية منهـا والاقليمية, في تدخلات سياسية وعسكرية، والقيام بحروب الوكالة من خلال تجنيد الفصائل المسلحة ودعم القوى السياسية الموالية، لكلا لطرفين ابتداءا من الساحة السورية والعراقية، على حد سواء، وان المعطيات الواقعية تؤكد ان الدور الايراني وتداخلات طهران خصوصا، وصلت الى حد الذروة في الشأن العراقي .
ويقودنا التساؤل؟حول لماذا سمحت أميركا لايران للتدخل في العراق ؟ فلولا جـريمة الغزو والاحتلال الامريكي بالتعاون مع ايران على اسقاط النظام العراقي،لما تمكنت اميركا من قطف ثمار النصر المؤقت في العراق، فايران هي من دعمتها ماليا وسياسيا وعسكريا ولوجستيا واعلاميا،وجهزت احزاب المعارضة تحت مشروع الديمقراطية الجديدة في العراق، ليس طهران فحسب بل دول عربية , مملكة ال سعود ومشايخ الخليج في مقدمتهـا ؟
وإن نجاح الدور الايراني بعد احداث٢٠٠٣ في العراق ماكان ليكـن لما هو عليه اليوم لولا الغـزو الامريكي وما افرزتـه مرحلة الاحتلال من معطيات وتداعيـات خلقت مناخا لتدخلات خارجية في الشأن العراقي، واحدثت فـراغا مخيفـا في الجغرافية السياسية والامنية والعسكرية العراقية .
أن تمـلأ ايـران الفـراغ الذي تركـه الغـزو والاحتلال فـي الجغرافية السياسية والاقتصـادية والمجتمعيـة العراقية بعد حـل الجيش العراقي والمنظومات العسكرية والاجهـزه الامنية والمخابراتيـة، واسقاط البنى التحتيه للدولة وترك الوزارات ومؤسساستها مباحـه للنهب والسلب والتخريب والحرق، وسرقـة ارشيفهـا الاداري او اتلافـه من قبل جهـات مرتبطه بصورة مباشرة، أو بأخرى بقوات الاحتلال والعملاء الذين جاء بهم معــه , امرا اكثر من طبيعي ومتوقع , حيث المعطيات اعلاه فتحت الباب على مصراعيه لدول الجوار واجهزتها المخابراتية للتدخل في شؤون الحياة في العراق الذي اصبح فيما بعد مسرحا للصراعات الطائفية والقومية والسياسية فايران الخالمة بتوسيع النفوذ الشيعي في المنطقة ومخططاتها التوسعية يصطدم ايضا بمصالح وتطلعات القوى الاخرى في المنطقة التي تحاول كبح جماح النفوذ والسيل المتدفق الايراني فيما ترى ايران ان نفوذها يتحدد بأولويات الحفاظ على سلامة الأمن القومي الإيراني والمضي بمشروعها النووي امام التهديدات الامريكية المحتملة بعد ان عجزت من ايقاف تطوير مشاريعها النووية بشتى انواع التناغم السياسي والتنازلات والضغوطات الدولية او التلويح بشن حرب مباشرة بعد وصول الامريكان على مقربة من الجغرافية الايرانية المباشرة.فاميركا التي اطلقت يد ايران في العراق ادركت مؤخرا عن خطورة ذلك النفوذ الواسع الذي بات يشكل تهديدا مباشرا للمصالح والوجود الاميركي في المنطقة وهذا ما اعلنه الرئيس “ترامب بان هنالك اخطاء جسيمة ارتكبتها الادارة الاميركية السابقة حول التعامل مع الملف الايراني بتنازلات ومجاملات سياسية كانت يجب عدم رضوخ الجانب الاميركي لتلك المواقف ومعتبر بانها احدى مصادر انظمة الارهاب الدولي”
وهنا نشير بان الصـراع الفارسي_ العربي صـراع وعــداء تاريخـي يمتد في عمق التاريخ , وبقي هذا الصراع متناغما مع الظروف السياسية المحيطه , فتارة يرتفع خط منحناه العدائي حد الصدام العسكري وتارة اخرى ينخفض حد الاحتواء والتعاون والتنسيق السياسي والاقتصادي والامني بما يخدم مصالح الطرفين , لكـن دخـول الولايات المتحده الامريكية وربيبتهـا اسـرائيـل على خط هـذا الصـراع قــد خلط الاوراق وذهـب بالجميـع الـى حـافـة الهـاويـة , وعرى ادعياء الاسلام والعروبة من العرب اولا , بعد أن أسس الى تحـالفـات جديده كـانت أشبـه بالمستحيل ظهـورهـا الى العلـن حتـى وقـت قـريب بالرغـم مـن كونهـا كانت موجـوده في الدهـاليز المظلمة , وتجـري تنسيقاتهـا من تحت الطاولـة بين دول عربية بعينهـا والكيان الاسرائيلي.
وصـراع المشـاريـع الذي هيمـن على السـاحـة العراقيـة والذي تصدر مشهده صراع المشروعين الامريكـي و الايـرانـي لا يعكس العداء بين طهـران وواشنطـن , بقـدر مـا إن فيه دلالات واضحه على استراتيجيـات مرسومة لتقـاسم مصـالح وتحـديد اولـويات نفـوذ , بسبب غيـاب مشـروع عـراقي وطنـي , وانغمـاس العراقيين فـي صـراعات طائفيـة ومذهبيـة ,حيث جميـع الاحزاب والمسميات السياسيـة , سـواء منهـا التي جاءت مـع المحتـل إو التي تم تدجينهـا في الداخـل , لا تحمـل رؤيـا ولا هـوية وطنيـة , وولاءهـا الاول والاخيـر الى جهـات خـارجيـة لهـا اجندتهـا الخاصـة , هذا ما جعـل معركـة وصراع المشاريـع الخارجية على الساحة. العراقية واقعـا سائـدا لا يمكـن الخروج من دوامتـه , إلا بـولادة مشـروع وطني عراقي جمعـي , ولكـن هذة الولادة تبقـى مستحيلـه على الأقـل في المنظـور القـريب , لعجـز الطبقة السياسية العراقية في تجـاوز الماضي, وعدم قدرتها على تشخيص اخطاءها وانغماسها في الفساد والولاء الخارجي, هذا من جانب , ومن جانب آخـر وهو المهـم والأهـم , هيمنـة القرار الخارجي على المشهد السياسي وقوة الدولة العميقة المتمثلة بالميليشيات المرتبطة بإيران عقائديا وعسكريا وسياسيا،والتي من الصعب جدا التفريط بالمكاسب والمنجزات التي حققتها ميدانيا وسياسيا،من اجل تثبيت نفوذها وهيمنتها،
وان الرهـان علـى صدام عسكري امريكي
بعـد أن اصبح في متناول يد القوى الدوليـة الكثير من الاوراق، التي يمكن اللجوء اليهـا لإحتواء الخصوم، بقصـد الضغط من اجل الاتفاق على تقاسم المصالح وتحديد مناطق النفـوذ , وليس من اجل خوض الحروب والمواجهات العسكرية المباشرة، فهنالك من يتولى تلك الحروب والصراعات بالوكالة , وعـليـه فـلا امريكـا ولا اسرائيل، ولا العرب السائرين في ركب سياساتهـا والمرتهنيين لأوامرهـا ,ولا حتى ايران وحلفـاءها الاقليميين، من قوى مقاومة او انظمة رسمية في نيـة المواجهـه العسكريـة، وخـوض الحروب الشاملـة المباشرة والصريحة والمعلنة، على الأقــل فـي المنظـور القـريب.
واخيرا يبقــى هذا الاستقـراء، ضمـن حـدود المعطيـات التي تهيمن على الساحتين الاقليمية والدوليـة , ولكـن بكـل تأكيد عنصـر المفـاجئـة يبقـى حـاضرا , خصوصا إذا اخذنـا بعين الاعتبـار القرارات المتخبطـة والمتذبذبـه التي تهيمـن على تصرفات وعقليـة الرئيس الأمريكـي تـرامب وارتهـانـه في قراراتـه باليمين المتصهين الامريكي الاسـرائيلي واعتبارات الدفاع عن النفس والرد المقابل والضربات الاستباقية المشروعة، وفي هذه المعادلة المعقدة يبقى العراق وشعبه ومقدراته، في حالة استنزاف دائم، لانه الوحيد من يدفع ضريبة تلك المواجهات والمهاترات والصراعات القائمة.