الديمقراطية السياسية المعاصرة.. خيار سياسي إجرائي لتنظيم عملية تداول السلطة في المجتمع الإنساني.
على أساس إن الديمقراطية في معناها المعاصر تعني: تلك المنظومة من الآليات المحايدة الهادفة الى تنظيم عملية تبادل السلطة بطريقة سلمية ودورية.. على أساس الاختيار الشعبي المتمثل بالانتخابات.
وهي بهذا حلاً سلمياً لمسألة الصراع أو التدافع في المجتمع الإنساني على السلطة والنفوذ والحكم..
وهي بهذا تفترق عن الحلول الأخرى لهذه المسألة.. التي تتصف بالعنف والدموية.
فالنظام الديمقراطي يختاره الشعب.. عبر انتخابات حرة ونزيهة ودورية.. ويعد أفضل صيغة للحكم.. وطريقاً صائباً لتقدم ونهضة الأمم.
كما إن الديمقراطية تتسم بعلاقة طرديه بالأمن.. فتعزيز الديمقراطية يعني تطبيق واحترام القانون..
وكفالة حقوق الإنسان.. وتوسيع الحرية في جميع مفاصلها.. وسيادة ثقافة التسامح.. واحترام الرأي الآخر..
والتداول السلمي للسلطة.. والبناء والأعمار والرفاهية.. وبالتالي تعزيز للأمن والاستقرار.. وانخفاض كبير في الجريمة.
إن غاية ما يتطلع إليه البشر.. هو انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية التعبير والعقيدة.. ويتحرر من الفزع والفاقة..
فاحترام حقوق الإنسان.. وتوفر أمنه المادي والمعنوي.. هما الطريق الأفضل لتفجير الطاقات الكامنة.. حيث إن مجتمعاً محمياً ديمقراطياً يكفل أكثر من المجتمعات الأخرى الاستقرار المطلوب لأية عملية إنماء وتطوير.
لذلك فان الديمقراطية التي توفر مبادئها وممارساتها الحماية الكافية لحرية الإنسان.. وبالتالي حماية أمنه واستقراره.
إذن فهناك تلازم مصيري بين الديمقراطية والحرية.. فلا ديمقراطية بلا حرية وتطبيق لدستور وقوانين الدولة الديمقراطية تكفل هذه الحرية من جانب.
من جانب آخر فان تحقيق الديمقراطية مرهون بتحقيق النمو الاقتصادي.
وبهذا كل ما يقال عن إقامة الديمقراطية الحقيقية في بلد لا تتوفر في أسس العدالة الاجتماعية.
وضمان العمل لمواطنيه بالتنافس الحقيقي.
وتوفير مستلزمات التعليم والصحة بشكل حقيقي خاصة للشرائح الفقيرة ومتوسطة الدخل.
يكون كلام.. وليس حقائق ملموسة.
إن ما ينقذ العراق من وضعه المتردي ومشكلاته المتأزمة هو السير بالعملية الديمقراطية بشكل حقيقي وشفاف.
والعمل على رص الصفوف..
ومشاركة كل القوى المؤمنة بالعملية السياسية والديمقراطية.
والنابذة للعنف والإرهاب.. وممارسة الديمقراطية بشكل فعلي.
والتكيف مع آلياتها وأحكامها وقواعدها ونتائجها..لبلوغ دولة المؤسسات السياسية والمدنية.
وبغير ذلك يبقى الأمن غير مستقر.. والفوضى السياسية قائمة.. والتوترات العرقية والطائفية تتعمق.. وسيادة الفساد.. وتعزيز التخلف.. مهما قُيل من استقرار في نجاح سياسي وتقدم اقتصادي!!
بقيً أن نقول إن الكتل والأحزاب السياسية الدينية لا تؤمن بالديمقراطية كنظام سياسي.. بل تؤيد الديمقراطية كآلية انتخابات مرحلية للوصول للسلطة.. ثم تمارس السلطة الدينية الأبوية بعيداً عن أية ديمقراطية حقيقية.
وبهذا لا يمكن للديمقراطية في العراق.. ولا نتوقع في ظل ظروفنا الحالية أن تتحقق.. بوجود 256 حزباً سياسياً.. لم تؤسس ببرامج حقيقية وظروف طبيعية.. بل ببرامج انتخابية.. وأكثرها من تشرذم الكتل القديمة نفسها لأغراض انتخابية.. وتشكيلات شبه وهمية تعود لكتلها بعد الانتخابات.. أو تتلاشى من ارض الواقع.. أو أحزاب جديدة همها الفوز بالانتخابات للحصول على الامتيازات الخرافية للنواب والمسؤولين.. (فهي ضحك على ذقون الناخبين والشعب)!!..
ففي ظروف فقر مدقع.. ونازحين بلا سكن.. وأبناء النازحين بلا مدارس.. ومشردين بلا عمل.. وبطالة 35 % .. وفساد مستشري في كل مفاصل الدولة..
وكتل معززة بتشكيلات مسلحة.. وقانون انتخابي يعزز سيطرة الكتل السياسية الكبيرة ويهمش الكتل الصغيرة.. وغياب قائمة انتخابية مفتوحة.. وانتخابات فردية.
وغياب النزاهة.. وعدم عدالة في الدعاية الانتخابية.. وفسح المجال الفاسدين في المشاركة في الانتخابات.. وأصحاب الشهادات المزورة.. وكل من عليه تهمة جنائية.
إن توفير مستلزمات إعادة النازحين بالى مناطق سكناهم.. ومستلزمات الحياة لهم.. وحصر حقيقي للسلاح بيد الدولة.. ورفض كلي لمرشحي الكتل المعززة بتشكيلات مسلحة بكل صورها.. ودعاية انتخابية حقيقية ومتكافئة لكل الكتل.. وعدم قبول ترشيح مزدوجي الجنسية.. أو المتهمين بشبهات فساد.. يرافقها تعديل قانون الانتخابات بشكل حقيقي أخذين بالملاحظات أعلاه.. كل ذلك يشكل قاعدة لرصينة لانتخابات حقيقية.
أيها العراقيون: إن انتخبتم أو لم تنتخبوا.. في ظل هذه الأوضاع والقوانين.. فالكتل نفسها فائزة.. ولكم في الانتخابات السابقة..القصاص يا أولي العراق.
الضمانة الوحيدة استمرار انتفاضة الشباب بلا توقف.. حتى استكمال الانتخابات المرتقبة.. وتشكيل الحكومة الجديدة!!