شهد عام ٢٠١٩ أحداثا كثيرة ومهمة حول العالم، الإ أن المظاهرات و الاحتجاجات التى اندلعت في أكثر من بلد وقارة، هي أكثر ما لفتت الأنظار وحبست الأنفاس.
ففي قارة أمريكا الجنوبية كانت هنالك مظاهرات عارمة في كل من بوليفيا، وشيلي، وهاييتي، و فنزويلا، وكولمبيا، وبيرو، وهوندوراس، ونيكارجوا. و في أفريقيا اندلعت احتجاجات شعبية حاشدة في الجزائر، والسودان، ومصر، وغينيا . بينما المظاهرات الآسيوية تركزت في لبنان، والعراق، وإيران، وهونغ كونغ. و كذلك في قارة أوروبا اندلعت احتجاجات ضخمة في إسبانيا، وفرنسا، وبريطانيا، والمانيا.
إن مسوغات وشكل وأهداف المظاهرات التي أخرجت الناس إلى الشوارع والساحات والميادين، اختلفت من بلد لآخر، لكن هناك سمات عامة مشتركة بينها ، وهي : محاربة الفساد، وعدم المساواة، والتهميش، و الأزمة الاقتصادية، والقضاء على الفوارق الطبقية، والظلم، والمطالبة بالحريات السياسية والدينية، والاهتمام بالبيئة (الاحتباس الحراري).
كان العنف و الفوضى علامتين بارزاتين في مظاهرات العراق وإيران وهونغ كونغ والسودان، وفرنسا، وإسبانيا. وعلى النقيض من ذلك كانت المظاهرات في بقية البلدان، ولا سيما الجزائر، أكثر هدوء وسلمية، فلم تشهد عنفا مفرطا سواء من قبل السلطات أو المتظاهرين.
ولعبت التكنولوجيا الحديثة، لاسيما مواقع التواصل الإجتماعي، دورا مهما ومؤثرا في المظاهرات، حيث ساعدت المتظاهرين على التواصل فيما بينهم بسهولة ويسر، وعلى التجمع في أماكن محددة، وكذلك نقل ما يحدث معهم من عنف في الداخل إلى العالم الخارجي؛ مما شكل ضغطا و إحراجا كبيرين للسلطات التي قمعت المظاهرات بوحشية، ولم تستجب لمطالب المتظاهرين، ولجأت إلى قطع الأنترنت في محاولة بائسة منها لإخماد صوتهم.
أدت المظاهرات الشعبية إلى استقالة كل من الرئيس البوليفي (إيفو موراليس) و الجزائري( بوتفليقة) والسوداني (عمر البشير) ورئيس مجلس الوزراء العراقي(عادل عبد المهدي) واللبناني (سعد الحريري).
لقد أثبتت هذه المظاهرات أن الأمم المتحدة عاجزة تماما على أن تلعب دورا محوريا في مساعدة الشعوب التي تتعرض للقمع والقتل والظلم، واكتفت كالعادة بالتنديد و الشجب والقلق، وطالبت السلطات الحكومية بضبط النفس، وفتح تحقيق لمعرفة من هو الجاني ومن هو المجني عليه، و احترام حرية الإعلام والصحافة، وهي مطالبات تدخل في خانة التسويف والمماطلة لا أكثر.
إن السؤال المثير الذي كان يدور في الإعلام حول كل هذه المظاهرات، هل هي مظاهرات شعبية عفوية أم مؤامرة خارجية ؟
في الحقيقة أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لكن أؤمن بأن جميع دول العالم، لا سيما العظمى منها، تبحث عن مصالحها، وتستغل أنصاف الفرص لتوظيف الأحداث التي تقع على هذا الكوكب لصالحها.
إن الدولة التي توفر حياة كريمة لمواطنيها، وتبني مؤسسات الدولة بأسلوب عصري، وتسن دستورا مدنيا يحترم و يصون حقوق جميع فئات المجتمع، ويطبق القانون فيها بالعدل على الكل بدون استثناء، ويسمح النظام فيها بمعارضة وطنية، وتحترم الحريات السياسية، والدينية ، لن تكون بيئة خصبة للتدخلات الخارجية أو للمؤامرات، التي جعلوا منها شماعة جاهزة لإخفاقاتهم و فشلهم في إدارة الدولة.
إن المظاهرات، أو الثورات، أو الانتفاضات؛ هي نتيجة حتمية للفقر،والظلم، واللاعدالة، و إهمال الحكومات لشعوبها، لذلك من السخف بمكان أن تتحدث السلطات الحاكمة هنا عن المؤامرة. إن تفقير الشعوب و إهمالها من قبل أي سلطة حاكمة لهي أبشع مؤامرة في الكون.