في ذاكرتنا الروائية توجد قصص جميلة تحمل حكم ومواعظ للناس أغلى من الألماس.. وأذكرقصة قصيرة سمعتها في الطفولة عالقة في ذهني… يحكى أن رجلا جمع اولاده وأعطى لواحد منهم رزمة من السهام وقال له: إكسرها، حاول الفتى كسرها لكنه لم يستطع وبعد ذلك أخذ والده الرزمة وقسمها الى أجزاء وأعطى لكل واحد من أولاده الأربعة جزءا، ماحصل بعدها أن كل من فيهم كسر رزمته.
ونستشف من هذه القصة عبرة هائلة بأن الوحدة تصنع شيئاً عظيماً..وهذه القصة تنطبق على المأساة بل الفوضى التي نعيش في ظلها الآن، لأن ماتواجهه البلاد آنيا أمرا معقدا ولانعلم الى ماهي نقطة النهاية لهذه الأحداث.
تساءلنا ماذا سيحدث بعد إصرار المتظاهرين على الإعتصام والإلتزام بالموقف وماذا سيكون رد الحكومة؟.. وتوقعنا خيرا بتوفر استجابة مرنة.. كون المتظاهرون قوة سلمية إن كانت تحمل سلاحا فسلاحها الكلمة، لكن لانختلف أبدا على أهمية وجود حد فاصل لهذه الإنتفاضة خاصة وأن الطقس أصبح يعيق استمرارالناس وقدرتها على البقاء كثيرا، والأهم أن الساحة باتت تتعرض الى عمليات هجومية مفاجِأة مع تواجد الإنفلات الأمني.
فأصبحت الأمور تأخذ مجرى معقد أكثر من السابق، خاصة أن القوة المنتفضة لم تعطي أو ترشح شخصا وطنيا يمسك مسؤولية الحكم وإدارة زمام الأمور، إنما مايحدث استمرارالإنتفاض دون رسم ملامح جديدة.
أما الحكومة فسبقت ورشحت السيد محمد شياع السوداني المستقيل من حزب الدعوة لتولي رئاسة مجلس الوزراء ولاقى هذا الإجراء إستياء شعبي ورفض قاطع بإعتبار السيد السوداني مستقيل وليس مستقل.
لا ننسى أن التظاهرات خرجت بهدف واحد و وحدة في الإرادة والمطالب وهذا ما كنا بحاجة إليه ، لكن مانحتاجه ايضا هو وحدة في محبة العراقيين لعراقهم والإنتماء لعراقيتهم فقط دون إنتماءات فرعية لكي نستطيع عبور وتعدي هذه الأزمة وكل أزمة.. نحتاج الى محبة شاملة للوطن.. ومااقصده داخل التظاهرات وخارجها…لأن نسبة ليست قليلة لم تكن جزءاً من هذه التظاهرات، والبعض منها لم يدعم التظاهرات منذ البداية.
لذلك بإستمرار نرى الهجمات الإلكترونية التي اصبحت كالسكاكين تحيط بجسم العراق، وهذا سلاح فتاك يقتل الوحدة الوطنية.
لاحظت في الفترة الأخيرة على صفحات التواصل كمية هجمات على المتظاهرين والشعب العراقي بصورة عامة، وهذا الأسلوب الجمعي والحكم التعميمي خطأ فادح بحق الشعب وبحق دماء الشهداء والناس الشرفاء الذين ارادوا من الإنتفاضة تنظيف البلاد من الفساد.
و مانحن بحاجته ايضا داخل ساحة الإعتصام وخارجها هو”الوعي” لأن الوعي يقود للإتجاه الصحيح والإتجاه الصحيح يقود الى النتيجة الجيدة، ولكن للأسف بسبب غياب الوعي لدى البعض وسيطرة الشر نستيقظ على مصيبة كمصيبة الوثبة، اما المصيبة الأشد هي تراكم الآراء والصراعات، فبعد تلك الحادثة المريرة شاهدت اتهامات شديدة وقاسية بحق المتظاهرين جميعا!!، وهذا يعد اسلوب جمعي غير مقبول لأن المتظاهرين ليسوا مجاميع من كوكب اخر، بل مجاميع فيهم الطبقة الفقيرة والمثقفة والاكاديمية والبسيطة والغنية وغيرها.
جميعهم لديهم هدفا وطنيا هو انقاذ الوطن من الفساد ومكافحته والمطالبة بعيش كريم، فمن العجب وغير الطبيعي لصق التهم بهؤلاء نتيجة فعل وحشي لايمثلهم وليس له أي صلة بهم.
فالــبعض يستغل هذه الحوادث لبث السم فيببدأ بنشرالطائفية معتبرا أن ماجرى في الوثبة هي عملية طائفية حسب وصف أحدهم “شيعية داعشية”!،
ولا أعلم هل المتحدث غير واعي أم يعميه الحقد الطائفي أم كان أسلوبه مقصودا بغية تشويه التظاهرة لاأكثر، وهذا أمر غريب لأن الناس التي خرجت وتسكن التحرير وتنام على أرضها ليلا في هذا البرد الشديد ليست فقط شيعية بل من مختلف المذاهب والعقائد، وأغلبهم من الشريحة الفقيرة التي تريد وطنا حرا، أما الإنتقاد بحق الشعب العراقي بكامله فهذا أمر جاهل ومرفوض.
لايخفى علينا جميعا أن الشعب العراقي هو شعب شجاع وشهم بكامل أطيافه ونخبه ومستوياته، وقد حمل وتحمّل معاناة طويلة وجابه الظلم والفساد وقدم ماقدم من الشهداء في سبيل الوطن وحب الارض .