الدول الأوربية والغربية هي نتاج حالة الصراع والتصارع سواءً كان القومي او الطبقي ، ففي الحرب العالمية الاولى والثانية والتي كانت من اسوء الحروب التي مرت على البشرية كونها حطمت البنى الاساسية للمجتمع آنذاك ، وحولت الشعوب الى شتات ، ورغم ذلك ولدت في هذه الحروب وما بعدها نخبة سياسية كانت نتاج هذا الصراع لتقود الدول التي تحطمت بفعل هذه الصراعات ، وتحولت هذه الدول الى دول متقدمة ومتطورة في كافة المجالات ، فهذه اليابان وكوريا الشمالية والجنوبية ، وغيرها من دول كانت نتاج للحروب تحولت فيما بعد لتكون من الدول المتقدمة وأصبحت في مصافي دول العالم ، وتتحكم في مصالح الكثير من دول العالم الثالث .
الحالة السياسية في العراق بعد السقوط كانت نتاج حكم استبدادي حكم البلاد لأربع عقود بالحديد والنار ، ومثلت اسوء حقبة مرت على تاريخ العراق الحديث ، وعلى الرغم من حالة التخلف السياسي التي سادت آنذاك اذ اقتصر العمل السياسي والحزبي على فئة معينة ومكون معين ، حيث عملوا على اعداد نخب سياسية تكون هي الرديف لقيادة البلاد بعد هلاك الطاغية صدام .
الأوضاع السياسية بعد السقوط مرت بأوضاع حرجة جدا ، وكانت قاب قوسين او اقرب من الانهيار ، الى جانب الحقب التي توالت على حكم البلاد هي الاخرى مثلت بحق تَخَلَّف العقلية السياسية الجديدة ، لأنها تأسست على اساس الاستعداء والكراهية للشريك قبل المخالف ، وتربت على هذا المفهوم مجموعات سياسية سجلت ولاءها لأحزابها دون الوطن ، مما أنتج وضع سياسي متخلف ومتراجع ، وحالة من الصراعات الداخلية والانقسامات والتشرذم ، دون اي معالجات لإصلاح المنظومة السياسية الفتية .
يمكن توصيف الوضع السياسي العراقي بانه في اسوء حالاته بل لم يمر البلاد بمثل هكذا حقبة ، خصوصاً بعد الأوضاع الامنية الخطيرة من تغلغل الارهاب الداعشي ، الى التظاهرات التي تغيرت أهدافها وشعارها من المطالب المشروعة الى النيل من المشروع الوطني والرموز الدينية والوطنية الامر الذي يعد مؤشر خطير على استهداف العملية السياسية برمتها .
الوضع الشيعي ما زال مربكاً ، ولا توجد هناك روية واضحة للإصلاح ، فالكتل السياسية الشيعية في جهة و إصلاحات الحكومة وعبد المهدي قبل استقالته في جهة اخرى ، الى جانب الصراع الحزبي في داخله ، فجبهة تحاول أضعاف هذه الإصلاحات ومهاجمتها ، وجهة تحاول تقنينها وبما يحقق المصلحة العامة دون استهداف لأي جهة دون الاخرى .
اعتقد ان حالة المخاض التي تمر بها العملية السياسية والمشروع الوطني والتي ربما توصف بالخطيرة ، الا انها يمكن ان تلد لنا جيل جديد من النخبة السياسية تكون قادرة على النهوض بالعمل السياسي ، وهي نتاج هذا الصراع والاقتتال الداخلي بين المكونات السياسية ،وولادة وضعاً سياسياً جديد، وما الانتصارات المتحققة على الارض اليوم الا دليل لهذا التغير في حالة الصراع ، والتقدم في الجبهات سواء في صلاح الدين او الانبار والذي ينذر بحسم المعركة سريعاً وقريباً ، كما ان الحالة المعنوية التي تتمع بها القوات الامنية شكلت دفاعاً قويا نحو تحقيق النصر على الدواعش ، واذا ما تحقق النصر على المستوى الامني فسيكون دافعاً للنهوض بالواقع الاقتصادي ودخول كبار الشركات العالمية والاستثمار في مختلف المجالات وبما يحقق التنمية والازدهار في مختلف القطاعات ، وهذا بحد ذاته دافعاً لاستتباب الوضع السياسي وهدوءه ، ومحاربة الفاسدين والمفسدين ، وبما يحقق التقدم والنجاح .
ان تحقق هذه الإنجازات سيكون شرارة لولادة نخبة سياسية جديدة ، تحمل فكرا سياسياً ، وتحمل روية عملية قادرة على تغيير الواقع السياسي، تملك مشروعاً ناضجاً ، تقلب فيه الطاولة على المنتفعين والانتهازيين ، والذين أوصلوا البلاد الى حافة الهاوية ، والسعي الى النهوض بالبلاد وبما يحقق الامن والرفاهية للعراق وشعبه ، ويعود ليمارس دوره الريادي على المستوى الإقليمي والدولي ، ودوره المؤثر في الوضع العربي والإسلامي والذي سيكون قريبا بأذن الله .