خاص : كتبت – هانم التمساح :
الحزن يخيم على شوارع “بغداد” والمدن العراقية؛ لا صوت يعلو فوق صوت زخات الرصاص الغاشمة الموجهة وهتافات الحناجر الغاضبة، تبدو شجرة “عيد الميلاد” التي تنتصب منتصف “ساحة وسط بغداد” كئيبة خالية من الأضواء والزينة، باستثناء صور من قُتلوا على أيدي القوات الأمنية التي تُعتبر زينة العيد، الحداد عم المدارس والجامعات والشوارع وأعلنت 9 محافظات، بينها سُنة، أكثرهم شيعة؛ حالة الحداد، وألغى المسيحيين احتفالاتهم بأعياد الميلاد معلنين الحزن على أبناء وطنهم، فبدا “العراق” كالجسد الواحد الذي تداعت كل مكوناته تتشارك الألم والحزن على الجزء الغالي المفقود من أبناء الوطن من مَن جادو بدمائهم لأجل وطن حر قوي.
المسيحيون يلغون الاحتفال والمحتجون يردون التحية..
وقال المتظاهرون، الذين نصبوا شجرة “عيد الميلاد” بقلب الاعتصام؛ إنهم بهذه البادرة يوجهون تحية لقرار صُدر مؤخرًا عن مسيحيي العراق، بإلغاء احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، احترامًا لمن سقطوا في الاحتجاجات، حسب ما نقلت وكالة (أسوشيتد برس).
وألغى قادة المجتمع المسيحي في “العراق” كافة الاحتفالات المتعلقة بـ”عيد الميلاد”، تضامنًا مع حركة الاحتجاج، لكن لموقفهم هذا عوامل تغوص إلى ما هو أعمق من الزينة والأنوار الساطعة.
وترددت شعارات “عراق موحد لا طائفي”؛ عميقًا داخل المجتمع المسيحي، الذي شعر بتضاؤل تأثيره في ظل هيمنة طائفية على مجريات الحياة السياسية التي شكلت شؤون الدولة.
كما غادر المسيحيون العراقيون البلاد بأعداد كبيرة، على مر السنين، عقب استهدافهم من قِبل الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم (داعش).
وخلال زيارة قام بها الكاردينال، “لويس رافائيل ساكو”، إلى “ساحة التحرير”، مركز الاحتجاج وسط “بغداد”، عبر بطريرك “الكنيسة الكلدانية” عن إعجابه بالشباب الذين كسروا حاجز الطائفية، واستعادوا الهوية الوطنية العراقية.
وقال في مقابلة: “هناك.. تشعر أنك عراقي. عراق جديد يولد”.
المحافظات تُعلن الحداد ومدن سُنية تنضم للاحتجاجات..
وكانت 9 محافظات في “العراق”، غالبيتها من الجنوب، قد أعلنت الحداد على قتلى الاحتجاجات في “ذي قار” و”النجف”، وبناءً على ذلك، تم تعطيل الدراسة والدوام الرسمي لمدة تتراوح بين يوم إلى ثلاثة.
ومن بين هذه المحافظات: “المثنى وكربلاء والبصرة وبابل وميسان وذي قار والنجف”.
وعلى صعيد آخر؛ فإن احتجاجات “العراق” مستمرة ومحاولات إسكاتها أيضًا مستمرة على قدم وساق. محاولات تباينت بين وعود بالديمقراطية والحرية والإصلاح من جهة.. وقتل مباشر واغتيالات في جنح الظلام من جهة أخرى.
وشارك عراقيون من محافظات عدة من البلاد، الأحد، في مسيرات حداد على أرواح متظاهرين قتلوا خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة، من ضمنها في مدن ذات غالبية سُنية كانت تخشى مساندة الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 420 شخصًا.
ويشهد “العراق”، منذ مطلع تشرين أول/أكتوبر الماضي، موجة احتجاجات غاضبة تدعو إلى “إسقاط النظام” وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة، منذ 16 عامًا، والمتهمة بالفساد وهدر ثروات البلاد.
ورغم تواصل الاحتجاجات منذ شهرين، في “بغداد” ومدن جنوبية عدة، لم تشهد المناطق ذات الغالبية السُنية احتجاجات خوفًا من التعرض لاتهامات من قِبل السلطات بدعم “الإرهاب” أو اعتبارها من مؤيدي نظام الرئيس السابق، “صدام حسين”.
لكن تصاعد العنف، خلال الأيام القليلة الماضية، الذي خلف نحو 70 قتيلاً في “الناصرية والنجف وبغداد”، دفع بالعراقيين إلى الخروج في غالبية المحافظات تضامنًا من المحتجين.
ففي “الموصل”، بشمال “العراق”، خرج مئات الطلاب، صباح الأحد الماضي، يرتدون ملابس سوداء في تظاهرة حداد داخل حرم “جامعة الموصل”.
واستعادت القوات العراقية السيطرة على مدينة “الموصل”، في تموز/يوليو العام 2017، بعد ثلاث سنوات من سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية”، الذي خلف فيها دمارًا.
وفي محافظة “صلاح الدين”، ذات الغالبية السُنية، شمال “بغداد”، لم تخرج احتجاجات منذ بداية الاحتجاجات، لكن حكومتها المحلية أعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح ضحايا الجنوب.
وعلى الصعيد نفسه؛ أعلنت 8 محافظات جنوبية، ذات غالبية شيعية، الحداد وتوقف العمل في الدوائر الحكومية.
وقُتل العشرات في مدينة “النجف” المقدسة، وأكثر منهم في مدينة “الناصرية”، وفقًا لمصادر طبية وأمنية.
وتعيش مدينة “الناصرية”، كبرى مدن محافظة “ذي قار”، التي ينحدر منها رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، في هدوء خيم عليه الحزن، بعد أيام متتالية من العنف.
وفتح القضاء العراقي تحقيقًا في أحداث محافظة “ذي قار”. وأعلن “مجلس القضاء الأعلى”، أنه شكل هيئة للتحقيق العاجل في عمليات قتل المتظاهرين، خلال الأيام الماضية، بحسب ما أفاد التليفزيون العراقي.
حداد في “هيروشيما” اليابانية على ضحايا احتجاجات العراق !
في وقت إنشغلت فيه الشعوب العربية بهمومها الغارقة فيها حد الضياع؛ لقيت أحداث الاحتجاجات العراقية صدى دولي واسع ونددت دول أوروبية بقمع المتظاهرين، وفي “اليابان” أبدى السفير الياباني السابق لدى بغداد، “فوميو إيوا”، تضامنه مع المتظاهرين في “العراق”، مشيرًا إلى وجود عدة تحديات أمام “العراق”؛ ومنها إيجاد فرص عمل للشباب.
وقال “إيوا”، في منشور بموقعه في (فيس بوك): “رجعت إلى طوكيو، وكانت ورشة العمل في هيروشيما ناجحة جدًا، بدأناها بوقفة حداد ترحمًا لضحايا العراق”.
وأضاف: “ألقيت كلمة افتتاحية، حيث أكدت على أهمية روح المواطنة بمعنى الكلمة للتغلب على ما يواجهه العراق منذ مدة من التحديات، ومنها إيجاد فرص عمل للشباب والشابات بعد أن تطرقت إلى ما يحدث الآن في العراق؛ وخاصة سفك دماء الشعب الغالية التي نتجت عن الإعتداء”.
يُذكر أن السفير الياباني السابق أقام الورشة بالتعاون مع “معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث”، (UNITAR)، وجامعة “هيروشيما”، بحضور 17 شابًا من “العراق”.
حداد طلاب لجامعات والمدارس..
الجامعات والمدارس العراقية؛ نظمت وقفات حداد على أرواح ضحايا الاحتجاجات، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ جامعتي “تكريت” و”الموصل” التحقتا بالجامعات في “بغداد” و”ميسان” و”البصرة”، التي نظمت وقفات حداد على ضحايا الاحتجاجات وخرجت الحامعات بمسيرات راجلة ورفعت شعارات تُطالب بمحاسبة قتلة المحتجين.
كما أن إدارات المدارس في “بغداد” والجنوب، وكذلك بعض المحافظات الشمالية، نظمت هي الأخرى وقفات احتجاجية مشابهة.
واعتبرت طالبة لطب الأسنان؛ أن: “هذا أقل شيء ممكن أن نقدمه من الموصل لشهداء ذي قار والنجف”، مشيرًة إلى أن: “المتظاهرين يطالبون بحقوق أساسية، وكان يجب على الحكومة أن تستجيب منذ البداية”.
وكان رئيس الوزراء العراقي قد تقدم باستقالته من منصبه بعيد دعوة المرجع الشيعي الأعلى في “العراق”، آية الله “علي السيستاني”، “مجلس النواب” العراقي، إلى سحب الثقة من الحكومة.
وجاء قرار “عبدالمهدي”، وهو مستقل لا يملك قاعدة حزبية أو شعبية، بعد شهرين من اندلاع الحركة الاحتجاجية ضد النظام وحليفه الإيراني.
وفي رد فعل سريع، أعربت كتل سياسية تأييدها لسحب الثقة عن الحكومة، وعقد البرلمان اجتماعًا لبحث استقالة الحكومة، ثم عقد جلسة لبحث تداعيات الأحداث في محافظتي “ذي قار” و”النجف”، واستقالة رئيس الحكومة، “عادل عبدالمهدي”، لكن كلها جلسات بلا فائدة لم تحسم قرارًا واحدًا لصالح دماء الضحايا وقضيتهم العادلة.