26 نوفمبر، 2024 4:40 م
Search
Close this search box.

خـواطـر تـمـوزيـة …

خـواطـر تـمـوزيـة …

كل عام يستذكر العراقيون بمحبة واعتزاز تورة 14 / تموز / 1958 الخالدة وانجازاتها الوطنية , كانت ربيعاً عراقياً غير مسبوق في تاريخ العراق والمنطقة , كل من الف وكتب عنها , اتفقوا على وطنية ونزاهة وعدل وشجاعة قائدها عبد الكريم قاسم , لكن ليس من بينهم من استطاع ان يعطي الصورة الأدق عن ثورة تموز , او ذهب بعيداً في استقصاء الشخصية الفذة لعبد الكريم وشخص الفضائل والخصال والقيم الوطنية والأنسانية التي ميزته , الباحث والمؤرخ والكاتب اذا اراد ان يكون منصفاً, عليه الذهاب بمفرده الى عمق الأشياء ليعيد تركيب ادق التفاصيل داخل مختبره الفكري ( المعرفي ) , لا ان يجمع ويعيد ما اجتهده الآخرون , ثم يترك بصمته كتاباً او بحثاً او مقالة .
بهذه المناسبة , سيكتب الكثيرون مثلما كتبوا وتحتفل الملايين مثلما احتفلوا , لكن وفي جميع الحالات يبق الأطار العام استذكاراً ايجابياً , فضلت في هذه المرة ان اخرج عن المألوف لأترك الأهم للمختصين الأفاضل , واكتفي ببعض الخواطر التموزية معبراً بأيجاز وتواضع عن عظمة الأنجازات الوطنية للثورة والملامح غير المسبوقة وطنياً وانسانياً لشخصية قائدها .
1 ــ حدثني الصديق المرحوم الضابط الوطني هاشم عبد الجبار ــ في براغ ــ ” في بيت اخت الزعيم , طلبت منه شقيقته “” اعرف انك تحب الفقراء , واديت واجبك في مساعدتهم , وزعت عليهم الأرض واسست لهم المدن , فيها الساحات والشوارع والمدارس والحدائق والمؤسسات الصحية والتعليمية … اختك ساكنه بالأيجار ونريد مثل الفقراء, نملك قطعة ارض او بيتاً لنشعر كغيرنا, اننا نملك شيئاً , اصطحبها معه , ومن فوق السده اشار الى اكواخ بعض الفقراء البائسة قائلاً
” اذا حصل هؤلاء على مساكن وهم احق منك كما تشاهدين , فأنت ( بعدهم  بالسره ) ” … هنا مسح الزعيم من قاموسه انانية ـــ الأقربون اولى بالمعروف … او انصر اخاك … ـــ وهناك مواقف انسانية مشابهة يعرفها الجميع لكثرتها .
2  ـــ  ينقل لنا التاريخ ولا شك بذلك , عن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب , كان عادلاً صادق الأيمان منصفاً لفقراء الأمة نصيراً لمستضعفيها , ونقل ايضاً عن الخليفة الرابع علي بن ابي طالب , فأضافة لتلك الصفات الأنسانية , كان عالماً حكيماً زاهداً متواضعاً مدافعاً عن حقوق فقراء الأمة منصفهم لهم , كما يذكر التاريخ , ان كلا الخليفتين , كانا يملكا شيئاً ـــ ولو متواضعاً ــ من المنقول وغير المنقول , وكذلك زوجات وخدم ومقدار مقبول من الرفاهية , هذا الذي لا يملك منه الزعيم عبد الكريم قاسم ـــ في القرن العشرين ـــ سوى فراش على ارضية مكتبه في وزارة الدفاع ومطبخ يتكون من ( صفر طاس ) وثلاثة ارباع الدينار من غير المنقول , وهو زعيم ركن , وقائد ثورة وطنية ورئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة , هنا ماذا سيقول الخليفتين الجليلين عن تلك الشخصية التي تجاوزت استثنائيتها حدود قد لا يصدقها الخليفتين, وقد لا يصدقا ان رحم المجتمع العراقي, لا زال موعوداً برموز وطنية انسانية بمثل ذلك الطراز .
3  ـــ الأمامين الصدرين كانا شهداء, وفي مجال الشهادة لا يمكن التمييز بين شهيد وآخر او تفضيله , عندما انجز الشهيد عبد الكريم قاسم بناء مدن للفقراء دون ان يترك اسمه ـــ وهو المحق ــ يتصدر واجهاتها , وعندما سكن فقراء العراق مدينـة الثورة , كانا الشهيدين الصدر الأول والثاني احياء يرزقون , ومقتدى لم يولد بعد , في اول زيارة للعراق , زرت مدينتي الثورة , كانت علاقة عبد الكريم ومدينة الثورة لا زالت حية راسخة في ذاكرتي , وانا على ابوابها صفعتني لوحة غريبة دخيلة على تاريخها وهويتها , ( مدينة الصدر ) وصور الشهيدين تتوسطهما صورة فارغة المعنى لمقتدى , حيث احتلت الفراغ الذي تركته لوحـة ( مدينة صدام ) , شعرت بمرارة الحزن والقرف , ازاء وقاحة ( كباحة ) التطاول على تاريخ المدينة ( يتيمة الزعيم ) وسرقة هويتها وتشويه اسمها الخالد خلود انجازات 14 تموز , انها البلادة وقلة الحياء والوفاء عند الطائفيين الجدد واستعدادهم لتدمير ما دمره البعث قبلهم من هويات وتواريخ ورموز المدن العراقية .
4  ـــ  اليساريون, وعندما يحتفلون بذكرى ثورة الرابع عشر من تموز, ليس ايماناً بمشروعها الوطني , بقدر ما هو اعادة التنكيل بشخصية قائدها ورمز انجازاتها , ومحاولة وضع مسؤوليتهم عن انتكاساتها وضياعها على شماعة المزعوم من فردية ودكتاتورية !!! عبد الكريم قاسم واعادة نشر غسيلهم غير النظيف على حبل سمعته الوطنية , انهم وبعد ان فقدوا الطرق المشروعة الى ابواب التاريخ الوطني , راحوا عبثاً يحفرون في ابرة يساريتهم العمياء ثقوباً في معدن الجدار الوطني لشخصية عبد الكريم قاسم .
5  ـــ قانون الأصلاح الزراعي , انجاز من ابرز مكتسبات ثورة 14 / تموز , حيث حرر الملايين من فقراء الفلاحين من مظالم الأقطاع , لكنه اصطدم بصخرة اقطاعيي ( اغوات ) العشائر الكوردية , ومثلما هي ردود افعال المؤسسة الدينية تجاه قانون الأحوال المدنية , كمكسب اجتماعي , حرر اجزاء هامة من حياة المرأة العراقية , ورفع الكثير من ثقل عبوديتها للماضي, واصلح بعض ما اتلفه الموروث الذكوري من ادميتها , وقفت رموزها ومراجعها الى جانب المؤامرة الدولية الأقليمية بالضد من مجمل انجازات الثورة, اتخذت القيادات العشائرية الكوردية  ذات المواقف المعادية , حيث اشتركت بفعالية في اسقاط ثورة تحررية حداثية  وباركت استقرار رصاص الخيانة في جسد زعيم وطني نزيه عادل , والغريب في الأمر , لا زالت تلك القيادات , توهم فلاحي وكادحي الأقليم الكوردي , على ان تمردها ومشاركتها الردة في تآمرها , على انه ثورة قومية ( 11 / ايلول / 1961) ليثبتوا انهم والطائفيون معهم ينتمون الى ذات البيئة التي تنتج دائماً مراحل الردات السوداء , وكلاهما مصابين بفقر الحياء والوفاء وصفراً في المولطنة , اما عندما يرطنون بالوطنية والشراكة الحقيقية والتوافقات الدستورية ووحدة الصف الوطني عبر المصنع من التلاحم الطائفي القومي لثلاثي الفرقة والتمزق التي يعبر عنها انغلاق الصف الشيعي على ذاته والصف السني على ذاته والصف الكوردي على ذاته , بيئة مثالية لتفريخ الأزمات والكراهية واقتتال الأخوة .
هنا لا يمكن لمنصف ان يتجاهل المواقف الأيجابية اللاحقة لسلطات الأقليم من ذكرى ثورة 14 / تموز / 1958 , واستذكار قائدها الوطني, بعكسه رموز المؤسسة الدينية , لا زالت تنظر الى الأنجازات الوطنية لثورة تموز على انها علمانية وعليهم تكفيرها , وهم شديدي التعلق بالأنجازات المادية للعلم واكثر من غيرهم ممارسة لها, انها سلوكية لم تترك للمهازل ما يُمكن الناس للسخرية منها . 
خواطر قد تتسع وفاءً لشخصية الشهيد عبد الكريم قاسم , تحاكم الواقع وتكسر فيه بيضة الفساد والأنحطاط والرذائل على صخرة خصاله الوطنية والأنسانية , انه ( الزعيم ) الشريان الذي يوصل بين عظمة وخلود التاريخ الذي يشد الأجيال العراقية الى المشروع الوطني العراقي لثورة الرابع عشر من تموز الخالدة .

أحدث المقالات