27 ديسمبر، 2024 1:36 م

العمى الزراعي / سقوط القدوة … و تأخير السرد

العمى الزراعي / سقوط القدوة … و تأخير السرد

: في ( لا تشبه ذاتها) للروائية ليلى الأطرش
مهيمنة الرواية ، هي علاقة عاطفية بين الفلسطيني الثري منذر الشرفا والثرية الأفغانية حبيبة ماء العين أرسلان الغلزوني، بعد زواجهما وأفلاس شركة حبيبة بسب لعبة القمار التي أدمنها زوجها منذر الشرفا، تطّلقُ حبيبة ٌ زوجها، مع بقاء منار ابنتهما الوحيدة مع الأب، تقرر حبيبة وهي تتعاطى العلاج من إصابتها بالسرطان أن تصارح ابنتها وزوجها مصارحة ً روائية ً: هنا تتداعى ذاكرتي إلى إسماعيل فهد إسماعيل – طيّب الله ثراه- في روايته( العنقاء والخل الوفي) حين يكتب البطل رواية ً يخاطب فيها ابنته زينب..
(*)
حبيبة وزوجها منذر: كلاهما خارج وطنيهما وكلاهما من الأثرياء، كلاهما (يكابدان)!! (تجربة الأقتلاع والهجرة)!! الزوج : وطنه ذكريات عائلته. أما الزوجة
(تجربة أقتلاع لطفولتي) حسب قولها، الفرق بينهما أن الزوج ورث َ حب فلسطين من خلال شفاهية أهله، لكن الزوجة تخزن ذاكرتها: طفولتها حين كانت في أفغانستان / ص34
(*)
من السطرين الثاني والثالث في الصفحة الأولى (لاتشبه ذاتها)، تفكك الساردة وهي الشخصية المحورية : ثريا روايتها :(تشرّبت مدينتك على مهل،غيرتني.توقّع المدن على أرواح ساكنيها.ينابيع تشكّل من يرتوي منها ويعيش فيها، غيرتني.. لم أعد أشبهني).. وثمة علاقة عكسية (حين صالحت ْ مدينتُك غربتي،كنا قد أبتعدنا مسافة لا رجعة فيها/ 10) ..وبمرور الوقت وبمؤثرية المكان سيتم نسخ الذات الأولى للساردة الضمنية حبيبة ماء العين أرسلان الغلزاني (كبرت في مدينتك دون أن أشبه ذاتي.. تلك ذات أخرى كانت هناك،طفلة متمردة،صارت صبية ناجحة في لندن..لكنني حين أختلفنا وضاع الحب أفتقدتُ ذاتي.تلك الذات التي أجادت القفز على الحواجز دون أن تعرف الاستكانة.صراع ذاتين يسحبني إلى طفولة هناك غنيّة ../12)
(*)
الرفاه الأقتصادي يجعل القدر معولما ً بكل ماهو جديد وجميل ونافع فهي ولدت في أفغانستان، وحين استولت طالبان ومحقت البلاد والعباد، هاجرت مع عائلتها الثرية إلى لندن التي أعطتها العلم والنجاح وصداقات، ولندن هي القطع المعرفي مع حياتها الأفغانية(لندن الوعي. وماقبلها ذكريات مختلطة عن وطن بعيد،نسجته من تناثر القصص،من بقايا رؤى وأحلام/ 11) وتحولت مصائب الشعب الأفغاني: محض(شاشات لايغيب الوطن عن أخبارها)!!
(*)
يبدو الأثرياء وليس الفقراء ليس لهم وطن !! (لا يهم ّ الماضي في حاضر وموطن جديد ..لا زعامة في الغربة سوى المال/ 171) وطن الأثرياء قوتهم المالية المشوبة بخزي العائلة،خزي مسرودٌ في الفقراء(لا يغفر الفقراء حكايات التجبّر فيلوكون مرارة التنكيل بهم يتوارث الأبناء الألم والحقد على ماقاساه أسلافهم /183) والمحذوف من نص ثراء العائلة تقوم بفضحه أبنة العائلة حبيبة ماء العين..ما جرى جريمة اشترك فيها وزير الزراعة ومدير شركة داو كاميكالز في تجربة مبيد جديد لمكافحة دودة القطن وستتم تجربة المبيد على سكان قرية محذوفة من الخريطة والإعلام وحزب الخضر، هنا سرد المبيد جريمته في أجساد العائلات الفقيرة (شق الصراخ السماء مع أحتراق العيون بالمطر،فركوا عيونهم من الرذاذ فأزداد الألم أشتعالا، والثياب ألتصقت بالأجساد المبللة تساقط الشيوخ من رائحة قبضت أرواحهم،تصادموا في نفير لايبصر..تساقطت الأجساد بين سعال ووهن وتكوّمت على البكاء/ 192) وهكذا قصفت الطائرات الزراعية أهالي القرية بمبيد سام من باب التجريب !! فأزدادت نسبة العمى الزراعي وضعف البصر.
(*)
تستوقف قراءتي الجملة التالية :(الوطن قيّد أنطلاق المهجر بحضورٍ لا يغيب /15) من خلال الرواية، نرى العائلة الأفغانية منسجمة ً مع أجواء لندن وتحاول أن تتوارى من الجالية الأفغانية، كما أن وضعها الاقتصادي في تطورٍ مذهلٍ، أن الوطن ليس قيدا بل مفسدة بالنسبة لكل الأثرياء الذين يتركون أوطانههم، وبشهادة الساردة (أفسد الماضي حاضرنا في مدينة الدهشة لندن/19). وصارت أفغانستان بالنسبة لحبيبة ماء العين أرسلان الغلزاني(لوحات من الحنين في قصص أمي، وحقائق من كلام أبي القليل/ 12) وقوة حبيبة ماء العين ليست قوتها هي، بل رصيدها العائلي(تفيأت شجرة أبي الزعيم وأمي الشريفة في دوائر المعارف والعمل،فأرتسمت هالة حولي. تحدثتُ عنهما كثيرا فذاب جليد التحفظ مع الآخرين، وفتحت لي المدينة بعض أبوابها)..ثم تختزل الساردة روايتها وهي تخاطب زوجها المنفي من الفضاء الروائي والحاضر من خلال تداعيات ذاكرة حبيبة (هي قصة امرأة لا تشبه من أحبتك وغيّرت حياتها من أجلك /8) ضمن فعل القراءة لم نلمس ُ ما تدعيه الساردة !! كما تؤكد الساردة وهي تكتب:
*الكتابة رحمة للمشاعر
*وحدها المشاعر لا تكفي للحكاية
*التعبير موهبة
*الكتابة وسيلتي لمواجهتك بحجم ما في صدري/ 9
*أسابق الوجود بالكتابة
(*)
حين نبحر في الرواية ستنكشف لنا جوانبٌ كثيرة وشخصيات غزيرة،وسنعرف الكثير والمتوقع عن أسرار الثراء الفاحش، وكذلك عن أخطاء التحديث في أفغانستان، وعن أصول البشتون، كأسباط لبني أسرائيل، وتتوقف الرواية عند جرائم حكومة طالبان وتحالفات الطرق الصوفية مع طالبان، ممايؤدي إلى تصفية الصوفيين على يد حكومة أمان الله، وهناك العلاقة الوثيقة بين سارة اليهودية والشريفة هانيه زوج الثري البشتوني..
(*)
للسرد الكرنفالي مساحة واسعة في الرواية، وهناك التضمينات الحكائية، وتأويلات حول مزار شريف: أما زوج الساردة فلا نحصل عنه إلاّ النزر القليل من المعلومات، ولا يشمله السرد بأي حيز سوى التقاطعات الحوارية بينها وبينه، ومن جهة أخرى نلاحظ الساردة المشاركة بوظيفة سارد علم
*تخبرنا الساردة أن هناك نسختين من سردها.
*وتخبرنا(سأترك النسخة الأصلية مع فردوس../ 8)
*الآن لا أريد لذلك السر أن يطوى، ومعرفة حقيقة ما حدث من حق منار وحدها. طلبتْ فردوس ألا أشيرُ إليه في روايتي، لكن من حق منار أن تعرف ما جمّلت أمي من حكايات الأسلاف، ومن واجبي البوح وأنا أسابق العمر/ 182)
(*)
هل التغيير يعني الرفاه الأقتصادي..؟ (وأنا حلمت بالثراء مثلك، وعمّان فتحت ذراعيها لنا زال خوفي من فشل الشركة/206) هي لا تحلم بالثراء،لأنها والثراء صنوان،فهي ثرية بالوراثة، ومن المستحيل مَن تكون أبنة ذلك الثري البشتوني في غير هذا الحال.ومن تكون ابنة ذلك الثري هل ستلاقي غير ذلك.
(*)
من جانب آخر نحن لا نتخيل الساردة، إلاّ من خلال سريرها في مركز الحسين للعلاج
(*)
حبيبة ماء العين، رأت فيها أمها الشريفة هانية، وأعلنت ذلك في مجلسها النسوي الذي يضيّف نسوة النخبة،ذات أمسية (كنت سأكتفي بثلاثة، حبيبة ماء العين غلطة/112)!! لهذا الأشهار وقعه السالب لديهن ولدى الشريفة هانية ذاتها
(أهتزت حدود الطبقات في مجلسها بخيالات عن ليلة نسيت الشريفة فيها حرصها)
أما الشريفة فقد شعرت بندم( على جملة لم تحرص عليها قطّبت وصمتت.. أستعادت هيبتها.أمرت الخادمة بالبخور فخرجت الحاضرات )..
(*)
ينفتح قوس العائلة ليكون قوس العائلات: عائلة سارة اليهودية البشتونية وزوجها
والمرأة الساردة، توجه خطابها السردي لحبيبها الخاذل، للتخلص من عبء السر يكون السرد(الاحتفاظ بسرٍ كبير جهاد مع النفس،البوح قادر والكتمان متعب. كثيرا فكرت في مصارحتكما معا لترعاها أكثر.عجزت. لهذا قرّرت الكتابة. قد تجدان مع المخطوطة أوراقا كثيرة تثبت ما حدث حول الشركة/ 98).. للكتابة / البوح/ النفث :وظيفة ذات بعد واحد( لاهدف من الكتابة سوى إزاحة ثقل الأسرار عن صدري.) وللساردة تعريفها الخاص للكتابة(التدوين أختباء في المتاريس. والبوح إفراغ ألم) والكتابة تستهدف معرفة ً خاصة ً/ ذاتية ً عائلية (أكتبُ لتعرف منار أنني أختزلت الحياة في البقاء من أجلها وأقبل المصير بعد الاطمئنان عليها) وللكتابة قوة التقريب(أهدم بالاعتراف حاجزا أرتفع بيننا/ 5) والكتابة إعلان المستور(قررت أن أصارحك ومنار فيما أخفيته عنكما سنوات/ 5) ثم تصبح السرانية حقا خاصا بأبنتها
(سأكتب لها الحقيقة،ما أحسستُ به وأنكرته بصمتي رغم خوفي من عذاب شكوكها/ 7)..(الآن لا أريد لذاك السر أن يطوى، ومعرفة حقيقة ما حدث من حق منار وحدها، طلبت فردوس ألا أشير إليه في روايتي، لكن من حق أن تعرف ما جمّلت أمي في حكايات الأسلاف، ومن واجبي البوح/ 183) وما ستبوحه حبيبة العيون، يصنف سرديا بالسرد المتأخر/ السرد المؤجل،الذي لم يرد ذكره، حين كانت مع تريبتها الطفلة الفقيرة، والتي حدثتنا عنها قليلا، لكن في ص191 سنعرف سر الأسرار للثراء الفاحش للعائلة البشتونية /192
(*)
ترى لو لم يحدث الطلاق بين حبيبة ماء العين ومنذر الشرفا، ولو لم تصب حبيبة بالسرطان: هل كانت تكتب روايتها ؟ وإذا… هل ستفضح جرائم عائلتها بحق الفقراء؟ التساؤلية هذه أشتقتها قراءتي المنتجة من السطر ما قبل الأخير في الصفحة الأولى من الرواية (الخوف أساس التدين …../ ص6)
*ليلى الأطرش/ لا تشبه ذاتها/ دار الشروق- عمان/ 2018