حنق يستوطن عيون الجميع, اغتياب يسود عقلية المحيط, رجم بحجارة الحروف والكلمات لم يسلم منه كائن, فلا يكاد ان يمر انسان من بينهم إلا واتهموه بالزندقة والتقبيح والكفر والدياثة ,….الخ ولا تكاد ان تطل امرأة بابتسامة براقة مملوءة بالغبطة والأمل, إلا وحكموا بأنها عاهرة دنسة, ان لم يزد احدهم بالقول بأنه رآها بين ذراعي خليلها, دون علم بعلها الذي لا يزال يكابد غفوته الزمنية الطويلة!, وكأنه بقوله هذا قد اضحى مستبصر زمانه يرى ويسمع ما لا يراه ويسمعه الآخرون!, فالقوانين السماوية الإلهية ادخلت في مصانع بشرية, مغلقة بعيدة عن انظار الملائكة ومسامعهم, ولهذا فقد خرجت الينا بهذا الوجه المسخ, الذي يحمل كل معاني الإزدواجية الذي يجمع ملامح التحسين والتقبيح في وجه واحد , فالجلادون والساديون باتوا اليوم أمراء الشريعة والعدل يصفق لهم من يصفق, لا لشيء آخر سوى الرغبة في ان يدخل قلوبهم ,ويزمر لهم من يلهث خلف الإرضاء, وإغداق الهدايا وبين هذا وذاك يقف الخائف على رأسه, من ان يفصل عن جسده في حال ان خالف او اعترض!, وهو بهذا لا يختلف عن اقرانه في التصفيق والتزمير, رغم انه يحمل نقيض ذلك في اعماق جعبته!, فكم من ظالم استفحل في ظلمه وبغيه الى الحد الذي ابكى فيه السماء واغضب النجوم, وكم من سفاك لعان بلغ بسفكه الى حد طعن النساء الحوامل واخراج اطفالهن بالخوازيق, كما فعل الهالك “فلاد الولاشي” ومن سار على دربه , وكم من سفيه تمادى واستباح زينة الحياة وهو لا يأبى لحال المساكين والمسحوقين, الذين لا زالوا مكبلي السواعد مكممي الأفواه, موضوعين داخل زنازين مظلمة ندعوها اليوم بالدول والمجتمعات المتحضرة ! ,كل هذا يحدث تحت ذريعة الشريعة الإلهية والقانون السماوي, (ذي الصناعة البشرية)!, ولنا فيما يحدث في زنازيننا خير مثال! .
لكن ألا من مغيث امام كل هذا الإبتلاء, الذي جاءنا من هذه الزمرة التي لا تعرف في القلب معنى للعدل والرحمة؟, ألا يمكن للزمن ان يعود لنا بموسى ابن عمران, ليطلق ثعبانه السحري العملاق كي يبتلع هذه التماسيح والسحالي البشرية, وكل من ارتدى ثوبها الدنيء وتغطى بغطائها الرقيع ؟.
لا يوجد مغيث في عالمنا السفلي, فزمن الأنبياء والمخلصين قد تلاشى ولن يعود الى الوجود مرة اخرى, ولهذا سننتزع ثوبنا الدنيوي الرخيص هذا , ونهرب عراة الى فوق!, الى فوق حيث الأبراج العاجية التي تقطنها ارواح “طاليس “وافلاطون” الخالدة بانتظارنا هناك, لنشهد لها على مدى جور وطغيان العالم السفلي الذي كانت فيه تلك الأرواح في يوم من الأيام تتنفس من قيحه الخانق, وتسير على نواميسه الرتيبة , قبل ان تأذن له بالذهاب (الهروب), دون رجعة فها نحن اليوم نلحقهم ونسافر الى ابراجهم, دون ان نفكر بأجيالنا القادمة, ان كانت ستفعل فعلنا في ذلك ام لا, فهم في النهاية سيقررون ذلك وليس نحن, لأن الوقت لم يحن بعد لنغدو فيه ارواحا حية خالدة كما هو حال رواد الأبراج العاجية اليوم ! .
[email protected]