منذ أكتوبر 2019، والعراق يشهد موجة اخرى من الاعتصامات، التي عمت بغداد وغالبية مدن الجنوب، والتي ما برحت مستمرة دون أن تلوح في الأفق أية بوادر على تراجعها أو انتهائها.
طبيعة هذه الاعتصامات أثارت مخاوف حقيقية لدى مجمل الطبقة السياسية الحاكمة، أما الملفت في هذه الاعتصامات، هو مشاركة فئات المجتمع كافة خلافاً لسابقتها من الاحتجاجات، و ربما العامل المشترك الوحيد بين هذه التظاهرات وتلك التي اندلعت في السنوات الماضية، هو مشاهد العنف و قتل المتظاهرين، حيث تجاوز عدد الضحايا لغاية 18 تشرين الثاني 320 قتيل و نحو 15 الف مصاب.
أما مطالب المحتجين فتبدو هذه المرة، أكثر تشدداً و تتجسد في الدعوة الى حل الحكومة والبرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، ومكافحة الفساد والبطالة، وتحسين مستوى الخدمات، واستقلالية القضاء وتغيير المفوضية المستقلة للانتخابات، وإنهاء المحاصصة السياسية والاقتصادية، ومنع التدخلات الخارجية وتغيير الدستور.
بتعبير آخر يمكن الجزم بأن الشعب لم يعد يعترف بمؤسسات الحكومة والبرلمان والجهاز القضائي، كقنوات لإيصال مطالبه ومعالجة المشاكل القائمة.
أغلب التحليلات تنظر للاعتصامات الراهنة من نفس منظور السلطة العراقية، التي دأبت كغيرها من الأنظمة الشرق أوسطية على الجزم بوجود أياد خارجية متكالبة وراء سلسلة الاعتصامات كافة، عوضاً عن الاقرار بحقوق الشعب الذي يعاني البطالة و قلة الخدمات والحريات، ويعاني من غياب العدالة الاجتماعية والفساد، والاحتكار السياسي والاقتصادي من قبل الطبقة السياسية.
ان هذا الموضوع يستعرض طبيعة الاعتصامات، من منظور الشعب لا السلطة، والحقيقة هي:
إن الشعب العراقي محق في مطالبه، وينبغي الإصغاء اليه لا التعامل معه معاملة الأعداء، بصرف النظر عن الشخصيات والجهات الداخلية والاقليمية أو الخارجية الداعمة لموجة الاحتجاجات في البلاد.
فلو كانت الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق منذ 2003 وحتى الآن، قد سعت بجد لإرضاء الشعب، وعملت لتكريس حكم القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وتدعيم ركائز الاقتصاد، و خلق فرص عمل متكافئة للجميع، ولو كان نواب البرلمان ممثلين حقيقيين عن ابناء الشعب، ولو لم يستفحل الفساد في مفاصل الدولة كما السرطان، لما اندلعت بلا شك هذه الاعتصامات الغاضبة، فالمعضلات تراكمت واستفحلت في عهد الحكومات السابقة، التي لم تفكر قط بإيجاد حلول ناجعة لها، ولم تكترث يوماً بمصالح الشعب.
احتجاجات العراق هي جزء من موجة احتجاجات تجتاح العديد من دول العالم مثل هونك كونك، شيلي، بيرو، بوليفيا، اكوادور، مصر، لبنان، السودان، الجزائر وغيرها من الدول . تلك الاحتجاجات اندلعت بالضد من غياب العدالة، الفساد، التزوير في الانتخابات ، وتقليص الحريات السياسية، وبالضد من الطبقة السياسية التي فقدت ثقة الجماهير بها معظم تلك الاحتجاجات الناقمة بدأت بمطالب بسيطة ثم اتسع نطاقها لتغدو مطالب سياسية مرونة بالدعوة الى تغيير القيادات والأنظمة السياسية برمتها، أي الاحتجاجات في العراق ليست عزل عن مثيلاتها بالعالم .
إن من الحكمة والحصافة الاصغاء الى الجماهير الناقمة، و تفادي اللجوء الى العنف والتنكيل، لأنه خيار مجرب في السابق وثبت فشله في معالجة المعضلات، رغم تثبيطه الاحتجاجات لبعض الوقت، اذ أن التغيير بات ضرورة ملحة لاسيما بعد تخطي الاعتصامات مجرد تظاهرات ناقمة، لتغدو حراكاً أجتماعياً واسعاً.
ماهو الحراك الاجتماعي؟ وما الفرق بين التظاهرات والحراك الاجتماعي او الثورة؟ كيف اكتسبت الاعتصامات الراهنة في العراق سمة الحراك الاجتماعي؟ وما هي المشاهد اللافتة لهذا الحراك الاجتماعي؟ كيف تعاطت الطبقة السياسية مع الاعتصامات؟
هنا نجيب على كل تلك التساؤلات.
المفاهيم
قبل تحليل الاعتصامات في العراق، ينبغي تعريف تلك المفاهيم باختصار، طبقاً لما هو وارد في عنوان هذا الموضوع، فهم مصطلح الاعتصام، الحراك الاجتماعي، الثورة.
الاعتصام: عبارة عن فعل المواجهة او المجابهة مع السلطة، والغاية منه هي المجاهرة بمطالب الشعب، و عرضها على السلطات وأصحاب القرار بغية معالجتها، والاعتصام ينظم تبعاً لطبيعة المطالب ومستوى الدعم الذي تحظى به من قبل فرد واحد او مجموعة أفراد، والاعتصام يعني تقديم او عرض المطالب على السلطة عبر القنوات الرسمية وفي اطار مؤسسات الدولة.
ويبدو واضحاً أن اصحاب القرار في العراق، ينعتون الاعتصامات الراهنة بالمظاهرات، لأن الأخيرة تعني أن الجماهير لاتزال تؤمن بالمؤسسات القائمة، وتعتقد أن مطالبها ستلبى عبر قنوات السلطة.
الحراك الاجتماعي: هو مجابهة السلطة وأصحاب القرار في الدولة، من خلال عمل جماعي مشترك، و بمشاركة عدد كبير من الافراد والمنظمات، و عبر التنسيق بين المجموعات المشاركة.
اما خصوصية الحراك الاجتماعي فتتجسد في احتوائه على عناصر الاستمرارية، فهو ليس فورة آنية.
ان ما يميز الحراك الاجتماعي عن الاعتصام من الناحية الجوهرية، هو حدوثه خارج أطر القنوات الرسمية لمؤسسات الدولة، والسبب في ذلك يعود الى اقتناع الجماهير تماماً بإخفاق تلك المؤسسات في معالجة المشاكل، ابان مرحلة الاعتصامات حتى لم تعد تحظى بثقة الشعب.
ففي العراق، هناك اجماع على أن الرئاسات الثلاث، و السلطة القضائية والقوى السياسية كافة، تمثل مصدر المعضلات القائمة، لذا يسعى المشاركون في الحراك الاجتماعي الى تفكيك مجمل تلك المؤسسات السياسية، بعبارة اخرى يمكن القول بأنه لم يعد هناك اي شخص او مؤسسة تحظى بثقة الجماهير.
الثورة: هي نمط محدد لحراك اجتماعي، غايتها تطبيق رؤية معينة، فهي تهدف الى تحقيق التغيير الجذري، وإعادة بناء النظام من جديد، و تحظى بقيادة متينة وإنْ بدت غير ذلك في بدايتها، اذ أن تحقيق الانتصار لن يكون يسيراً دون وجود القيادة.
ان معظم الثورات تعتمد العنف لبلوغ اهدافها، والثوار يعتبرون انفسهم اصحاب السلطة الشرعيون او جزءاً من هيكل الدولة، ويسعون للإمساك بزمام السلطة، وصولاً الى تنفيذ رؤيتهم الخاصة .
فرغم هتافات قسم من المشاركين في احتجاجات العراق، ورفعهم لشعارات الثورة، إلا أن ما يجري الآن ليس بالثورة، نظراً لغياب عنصر القيادة والرؤية الخاصة، ذلك أن غاية الاحتجاجات تقتصر على إنهاء النظام السياسي الحالي، وخلع الطبقة السياسية و أصحاب القرار في البلاد، دون طرح بديل سياسي، اقتصادي، اجتماعي وثقافي لشكل نظام الحكم المنشود في العراق.
تحليل الحراك الاجتماعي ضمن الإطار العراقي
الحراك الاجتماعي عبارة عن كفاح مشترك لمكونات عدة، او فئات مستضعفة ومحرومة من الإسهام في السلطة و ثروات البلاد، تناضل لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي خارج اطر المؤسسات الرسمية للسلطة.
اما أهداف الحراك الاجتماعي، فتتمثل في التصدي للممارسات السلبية للسلطة، الفساد، الاجحاف، غياب الشفافية، احتكار السلطة من قبل طبقة سياسية لم تعد تمثل قطاعاً واسعاً من الشعب.
إن طبيعة الاحتجاجات الراهنة في العراق تجسد هذا التعريف، فالمنطقة الخضراء غدت رمزاً للطبقة السياسية، المختبئة خلف الجدران والتي تقتصر اولوياتها على تعزيز سلطتها وتضخيم ثرواتها، فيما تصم آذانها وتتعامى حيال مطالب الجماهير الناقمة.
فالأفراد المشاركون في هذا الحراك الاجتماعي، يمثلون الطبقات والفئات الاجتماعية كافة، و تتلخص مطالبهم في حل الحكومة والبرلمان ومفوضية الانتخابات، و انهاء المحاصصة السياسية والأقتصادية، وتغيير النظام السياسي وإبعاد رموز السلطة الحاليين عن المشهد السياسي.
ولعل السبب الآخر في تحول الاعتصامات الى حراك اجتماعي، هو غياب المركزية عن آلية تنظيم الحراك الاجتماعي، و افتقاده لعامل القيادة سواء من قبل شخص أو مجموعة اشخاص، و هو أمر يتجلى في العراق بوضوح، و يمثل احد اسباب عجز الحكومة عن إنهاء الاعتصامات. ناهيك عن السقف المرتفع للمطالب الشعبية، الرامية الى إعادة توزيع السلطات والثروات في البلاد، وفقاً لأسس العدالة والمساواة، سيما أن المتظاهرين يطرحون رؤية جديدة بشأن حقوق المواطنة وتغيير القيم.
خصوصيات الحراك الاجتماعي الراهن في العراق
1. نبذ مجمل الطبقة السياسية الحالية، على إعتبار أنها لم تعد جزءاً من الشعب، رغم محاولة بعض السياسيين والأحزاب التظاهر بدعمهم للجماهير، بينما حقيقة الوضع هي أن هؤلاء كانوا متنفذين في السلطة ولم يقدموا شيئاً لأبناء الشعب.
2. شعارات المتظاهرين تصطبغ في الغالب بالصبغة الوطنية والانتماء للعراق لا المذهب او القومية، رغم اندلاع الاحتجاجات من صميم المكون الشيعي.
3. المشاركة الواسعة لكل طبقات و فئات المجتمع ومن كلا الجنسين، شيباً و شباباً، رجال دين وعلمانيين، منحت زخماً اضافياً للحراك الاجتماعي.
4. عصيان قسم من النخبة الدينية في حوزات النجف وكربلاء، لاعتقادهم جميعاً بأن الطبقة السياسية، استغلتهم في ادارة دفة الحكم والإثراء غير المشروع، ما أسفر عن تشويه صورتهم.
5. يتم اعتماد الرموز المرئية والمسموعة مع ترديد الأناشيد وإلقاء القصائد، فيما الجدران زينت خلال الاعتصامات بمختلف الصور واللوحات، وصدر العدد الأول من صحيفة “التوك توك” وانطلق بث إذاعة مسموعة، باسم “نريد وطن”، الى جانب ترديد الأناشيد والقصائد في مشهد أشبه بالمهرجان، بل وتلقى القصائد الحسينية أيضاً.
السؤال هو: كيف لمواطنين ضعفاء محرومين، اكتساب هذه القوة؟
ان أساليب اكتساب القوة الجماعية عديدة، أهمها:
1. تجاهل رغبتهم في المشاركة بالحياة اليومية، الاعتصام، الإضراب الجماعي عن العمل، إذ ان الحياة اليومية شبه متوقفة تماماً، في معظم المدن سيما العاصمة بغداد، بفعل الاعتصامات الراهنة، حتى أن الحكومة تعجز عن أداء مهامها كما يجب، أي أن الاعتصامات والإضرابات الحاصلة و إنْ لم تكن شاملة، الا أن الحكومة العراقية والطبقة السياسية، متخوفتان من احتمالات اتساع نطاق الاحتجاجات، سيما بعد فشل المراهنة على تعب الجماهير، سبيلاً لانتهاء الاعتصامات.
2. التظاهرات بدافع كسر القوانين، عبر التمرد والعصيان المدني، هي فعاليات حدثت في العراق طوال الاسابيع الستة المنصرمة.
3. استهداف وتدمير المباني العامة والخاصة، بغية إضعاف الحكومة و ابراز عجزها عن المحافظة على الأملاك الخاصة وهيبة سلطتها، وهنا يكمن التغيير الحقيقي المتمثل بفقدان الحكومة لعنصر القوة و انتقالها الى الضعفاء، وهو أمر يحصل في العراق يومياً، بينما الحكومة لا حول لها سوى اطلاق التحذيرات تباعاً.
إن هذا الحراك الاجتماعي في العراق، تخللته مشاهد معينة أبرزت حقيقة السمات التي تميز هذه الاعتصامات عن سابقاتها، والمشاهد هي:
المشهد الأول
يشاهد احد المتظاهرين ملفوفاً بالعلم العراقي، و هو يحمل بيده مقلاة، ويستوقف سائق سيارة سائلاً إياه:
المتظاهر: اكو سياسي بسيارة؟
السائق: لا.
المتظاهر: يللة روح.
هذا المشهد يعكس مدى النقمة، والنبذ للطبقة السياسية بأسلوب ساخر.
المشهد الثاني
في الناصرية جنوب العراق، يردد المتظاهرون قصيدة حسينية، مما يجسد الانقلاب الرمزي لقوة الشيعة، واستخدامها ضد اولئك الذين يحكمون العراق باسم الشيعة منذ سنوات، خصوصاً القوى السياسية الدينية، التي دأبت على سوء استخدام الرموز الدينية، كأساس لشرعية سلطتهم، والتظاهر على أنهم جزء من الجماهير التي تقف ضدهم اليوم، وفيما يلي نص تلك القصيدة:
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب
مـن الـعـرس مـحـروم … حـنتي دم المصاب
شــمــعـة شـبـابـي مـن يـطـفـوهـا
حـنـتـي دمـي والچـفـن ذاري الـتـراب
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب
المشهد الثالث
رجل دين شيعي بعمامة سوداء، يمزق عمامته اوصالاً و يوزعها على المتظاهرين، الذين تضربهم القوات الأمنية بالغازات المسيلة للدموع، بمعنى أن تواجد رجال الدين لم يعد مقتصراً على المساجد، بل صاروا جزءاً من الاحتجاجات التي يشاركون فيها بالفعل لا بالقول وحسب.
المشهد الرابع
لفيف من رجال الدين في حوزة النجف يحملون الاعلام العراقية، ويجوبون الطرقات مرددين شعارات، منادية بالحرية و الانتماء العراقي ومناهضة للفساد، وهو أمر ذو أهمية خاصة، لأن اولئك الرجال هم جزء، من الحوزة الدينية في النجف.
نعم نعم للحرية
كلا كلا للفساد
نعم نعم للعراق
موقف الطبقة السياسية إزاء الحركات الاجتماعية
إن اصحاب السلطة في جميع الدول، يتصدون دائماً للحركات الاجتماعية، خصوصاً عندما تشكل تلك الحركات تهديداً لسلطتهم، وللامتيازات التي حصلوا عليها بفضل وجودهم في سدة الحكم.
ولاشك أن ذاك التهديد يحيط بمكانة الطبقة السياسية في العراق، حيث أغلق المتظاهرون اثنين من الطرق الرئيسية المؤدية الى المنطقة الخضراء، وهما جسرا الجمهورية والقادسية، فيما بات التنقل من والى الخضراء مقتصراً على الجسر المعلق في الجادرية.
وعلى غرار دول اخرى، يطالب رؤساء البرلمان والجمهورية والحكومة، جماهير الشعب بعرض مطالبها عبر المؤسسات القائمة، لأنها تخضع لسيطرتهم وإدارتهم، ما يتيح للرئاسات الثلاث التحكم بها، ولكن يبدو أن الطبقة السياسية في العراق لاتفهم حقيقة ان الاحتجاجات تحولت الى حراك إجتماعي، يسعى الى تحقيق اهدافه خارج أطر المؤسسات، ام انها تتغابى ازاء ذلك.
أن المشاركين في هذا الحراك الاجتماعي، يجهرون علناً بانعدام ثقتهم بالطبقة السياسية والمؤسسات الخاضعة لها.
و لعل العامل المشترك بين اطراف الطبقة السياسية في العراق والدول التي تشهد حركات اجتماعية مماثلة، هو الوسائل التي تعتمدها لأنهاء تلك الحركات، وهي:
1. اعتماد القمع ووسائل العنف، عبر الاعتقالات والتهديدات واستخدام القوة العسكرية، وهذه الاساليب اتبعت منذ انطلاق الاحتجاجات في العراق، وأسفرت عن مصرع المئات وإصابة آلاف آخرين، بينما تنفي الحكومة مسؤولية قواتها الأمنية عن ذلك، و بغض النظر عن الجهة بطشت بالمتظاهرين، فإن الحكومة تعتبر مسؤولة وفق الدستور عن حماية سلامة المواطنين، لقد اخفقت اساليب العنف والقتل والاختطاف، في ابعاد الجماهير عن ميادين الأعتصام، بل ألهبت غضبها.
2. اسلوب التذويب عبر إدعاء تبني القضية وقيادتها، واستمالة قيادات الحراك الاجتماعي واستقطابهم، وهو اسلوب تم اتباعه عندما اعلن اصحاب القرار كافة، عن تضامنهم وتعاطفهم مع مطالب المحتجين، عبر التقاء ممثلي المتظاهرين، واتخاذ بعض القرارات من جانب الحكومة والبرلمان، بهدف ارضاء الجماهير الناقمة وفض الاعتصامات ولكن دون جدوى، لأن الجماهير فقدت الثقة أولئك الاشخاص ووعودهم، كما ان قيادات الاعتصامات ليست معروفة كي يتم ارضاؤها وتنتهي الاحتجاجات.
3. استراتيجية ازالة شرعية الحراك الاجتماعي، عبر وسمه بنعوت مثل الغوغاء، والزعم بأنه نتاج لدسائس خارجية وداخلية، في محاولة للنيل من شرعية مطالب المعتصمين، و هذا يمثل الخيار المفضل لدى الطبقة السياسية في العراق وسائر دول الشرق الأوسط، وهذه الطبقة السياسية ليست مستعدة اطلاقاً، للتسليم بحقيقة أن المواطنين ناقمون عليهم ويسعون لتغييرهم.
4. الضربات المخفية، عبر تمرير المندسين والمأجورين من قبل السلطة، او زرع الجواسيس ضمن صفوف الحراك الاجتماعي، لكن الدلائل على هذا الأمر في العراق لم تتضح بعد، بيد ان التجارب السابقة أظهرت بجلاء، اعتماد هذا الأسلوب بغية تحريف التظاهرات السلمية عن مسارها، وإثارة العنف لإيجاد ذرائع استخدام القوة لإنهاء الاحتجاجات.
النتائج
ان الطبقة السياسية في العراق، طرحت رؤية مفادها أن التظاهرات والاحتجاجات تندلع وتستمر لفترة وجيزة، وتتوقف على اثرها جوانب من الحياة اليومية، ويذهب ضحيتها مجموعة من الافراد بين قتيل وجريح، وفي نهاية المطاف تكل الجماهير وتمل وينتهي كل شيء.
لكن الاحتجاجات تحولت هذه المرة الى حراك اجتماعي، حيث يكافح المواطنون المحرومون من السلطة وثروات البلاد لتحقيق التغيير المنشود، بمعزل عن مؤسسات الدولة، و لعل ما يثبت هذه الحقيقة، هو مضامين الشعارات والرموز والاناشيد والمشاهدات، و خاصية استمرارية الاعتصامات و طبيعتها المنظمة.
ان الطبقة السياسية اخفقت في انهاء هذا الحراك الاجتماعي، من خلال محاولة ركوب موجته وتبني مطالبه، وإصدار سلسلة قرارات إصلاحية، او اتهام المتظاهرين بارتباطاتهم مع جهات خارجية، والسعي للنيل من مشروعية هذه القضية، فالطبقة السياسية كافة بدأت تستشعر المخاوف التي تهدد سلطتها بالزوال، ومحاولاتها المشتركة لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن، وإرضاء المواطنين ببعض الإصلاحات والتغييرات الشكلية لن تجدي نفعاً، وفي حال استمرار الاعتصامات فإن الخيار الأسوأ يتمثل في اعتماد القوة لإنهاء هذا الحراك الاجتماعي، لأن من شأن ذلك تعميق المعضلات وتعقيدها، و الدفع بالعراق نحو مستقبل مظلم و مبهم.
و الخيار الأمثل يكمن في تحقيق الاصلاحات الجذرية، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وخلق أرضية الفرص المتكافئة، والشفافية والعدالة الاجتماعية، والحرب ضد الفساد المستشري في جسد الحكومة كما السرطان، و الخيار الأهم من كل ذلك هو بناء دولة القانون وتكريس المواطنة.