” إنّ الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الاستبدادية وما ماثلهاـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، وتتمثل إرادة الشعب, في نتيجة الاقتراع السري العام, إذا أُجري بصورة عادلة ونزيهة” ما ورد من مكتب المرجعية العليا, في خطبة الجمعة ليوم 15/11/2019, كربلاء المقدسة.
كانت ولا زالت خطب الجمعة, منذ إقامتها بعد سقوط الصنم, المنار الذي يهتدي به العراقيين, كونها تمثل رأي المرجعية العليا, بزعامة السيد علي السيستاني, تلك الخطب التي حوت بثناياها, وصايا بالغة الأهمية للحفاظ, على وحدة العراق بكل مكوناته, نابذة كل فِكرٍ يحض على الفرقة, الكراهية بين أبناء العراق, وكانت وصاياها للساسة, عبر كل خطبها الخاصة للحكومات المتوالية, أن تقوم بواجبها, نحو الشعب المظلوم, محذرة من غضب الجماهير, موجهة المواطن العراقي, قبيل كل دورة انتخابية, لعدم انتخاب المجرب الفاشل والفاسد.
بادرت المرجعية العليا, منذ أول انطلاقة للتظاهرات الشبابية, بتوجيه النصح للمتظاهرين, الالتزام بالسلمية وعدم التجاوز, على الأملاك العامة والخاصة, والحذر من المندسين, الذين قد يحاولون, حرف مسار هذه التظاهرات, كما وجهت الحكومة, بعدم التصدي للمطالبين السلميين بحقوقهم, باستعمال القوة المفرطة, والحفاظ على دماء الشباب المنتفض, وأكدت على محاسبة من يقوم, بعمليات القتل للمتظاهرين, ما يؤكد دعمها للمطالب الشعبية, بعد أن بلغ السيل الزَبى, وحصول الزلزال البشري, بأغلب محافظات العراق.
جاء في سياق آخر خطبة, ليوم 15/11/2018 ما نصه” ): إنه بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، والدماء الزكية التي سالت من مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في هذا الطريق المشرِّف، إلا انه لم يتحقق الى اليوم على أرض الواقع من مطالب المحتجين ما يستحق الاهتمام به.” لقد استعملت المرجعية ببيانها وصف شهداء, على ضحايا التظاهرات, كما استعملتها في الجهاد الكفائي ضد داعش.
، ولا سيما في مجال ملاحقة كبار الفاسدين واسترجاع الاموال المنهوبة منهم والغاء الامتيازات المجحفة الممنوحة لفئات معينة على حساب سائر الشعب والابتعاد عن المحاصصة والمحسوبيات في تولي الدرجات الخاصة ونحوها، وهذا مما يثير الشكوك في مدى قدرة أو جدية القوى السياسية الحاكمة في تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا، وهو ليس في صالح بناء الثقة بتحقق شيء من الاصلاح الحقيقي على أيديهم.
لم تقف المرجعية عند ذلك, فقد لمست عدم تحقيق, ما طالبت به سابقاً, ووعدت الحكومة بتنفيذه, لتخلف وعودها كالعادة, لتؤكد على ما يلي” إن المواطنين لم يخرجوا الى المظاهرات, ألمطالبةِ بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة ولم يستمروا عليها طوال هذه المدة بكل ما تطلّب ذلك من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، إلاّ لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد المتفاقم يوماً بعد يوم.”
رفضت المرجعية التدخلات الخارجية بقولها” إنّ معركة الإصلاح, التي يخوضها الشعب العراقي الكريم, إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون اعباءها الثقيلة، ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها, أي طرف خارجي بأي اتجاه، مع أنّ التدخلات الخارجية المتقابلة, تنذر بمخاطر كبيرة، بتحويل البلد الى ساحة للصراع, وتصفية الحسابات بين قوى دولية واقليمية, يكون الخاسر الاكبر فيها هو الشعب.”
وضوحٌ لما يجري على أرض العراق’ تبين الفقرة الأخيرة, من بيان المرجعية العليا, رفضها للتدخلات الخارجية, وعدم السماح للانجرار, خلف من يرد حرف مسار المطالب, واستغلال الإحتجاجات لهذا الطرف أو ذاك, فهل فهمت الأطراف المعنية ذلك؟ وهل يعي المتظاهرون الحقيقيون, ما يخطط له أرباب المصالح؟