الجرائم وما يحصل من سحق لحقوق الإنسان تُسجَّل ضد مجهول , فمن ضرورات البقاء في الحكم أن يكون الفاعل مجهولا!!
وبعد أن قبضت السنون الستة عشر العجاف على عنق المجهول , تم نسخه ليتحول إلى طرف ثالث!!
هذا الطرف الثالث هو الذي يتحكم بمصير البلاد والعباد , فالحكومة ملكهُ وتحت إمرته , ولا يمكنها إلا أن تتوسل إليه بعدم القيام بما يمحق وجودها ويسقط قيمتها وهيبتها , ولهذا وجدناها تطلب وبخوف وتردد أن يطلق الطرف الثالث هذا المسؤول أو ذاك , وأن لا يقتل المتظاهرين ويختطفهم ويعذبهم.
فالطرف الثالث هو الحاكم الفعلي في البلاد , والرئاسات الثلاثة تبدو وكأنها واجهات تنفيذية لتبرير ما يقوم به ويؤكده من ممارسات يومية ضد الوطن والمواطنين.
الطرف الثالث يتحرك في البلاد بلا علامة تدل عليه , أو تشير إلى هويته , فسياراته بلا أرقام , ورجاله ملثمون ومسلحون بأسلحة لم تستوردها الحكومة , ويقوم بأفعاله في وضح النهار ولا تستطيع الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تشخصه وتشير إليه , لأنها ستلقى مصيرا وخيما لم تتعارف عليه ممارسات الإجرام.
الطرف الثالث يحكم , والحكومة بمنظومتها الثلاثية تخضع له.
فعن أي تغييرات وإصلاحات وطنية يتحدث المتحدثون؟
إن طرح مصطلحات مبهمة يعني أن هناك إرادة سيئة تسعى إلى تحولات خطيرة في الواقع المتأزم , الذي هو في أمس الحاجة إلى معالجات فورية تمنح الأمل وتضخ الحياة بمشاعل إقتدارية إنجازية واعدة بالخير والرجاء.
فالطرف الثالث معروف وتؤكده التقارير المحلية والإقليمية والعالمية , والبلد محتلة من قبل الطرف الثالث المهيمن على مقدراتها.
فالواقع المرير يستوجب تدخل القوى الكبرى التي أهدته للطرف الثالث لكي تساعد على تحريره من سطوته , فالطرف الثالث يتمسك بالبلاد بمخالبه وأنيابه , ويحسب الموضوع مصيري ولا يمكن أن يتنازل عنه مهما كان الثمن!!
* قبل أشهر من غزو العراق في ألفين وثلاثة ظهرت العديد من المقالات والتحليلات في الصحف العالمية بخصوص مآلات ما بعد الإحتلال , ومعظمها شبهت الحالة بما حصل في بنما بعد الإطاحة بنوريغا في سنة ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين , وقد صدقت تحليلاتهم , ولا يمكن حل الوضع إلا بإستحضار الحلول التي تم تطبيقها في بنما , لكي تستعيد البلاد بعض عافيتها .