لاأعرف هل تحقق دعائي أم شاء القدر أن يكون ذلك الحدث الجميل حدثاً تصادفياً بكل ماتعنيه هذه العبارة من مفهوم واقعي. منذ أن شرعت المظاهرات تنطلق من ساحة التحرير ومن محافظات العراق المختلفة وأنا أفكر مع نفسي بجدية مطلقة – هل ستنتهي المظاهرات دون أن اشارك فيها أو اشاهدها عن قرب وماشابه ذلك من معايير نفسية تطرأ على النفس البشرية في مواقف معينة. دون سابق أنذار وعند المساء توقفت سيارات مختلفة وترجل منها شباب في عمر الزهور وراحوا يُطلقون حناجرهم ينددون بالفساد والحكومة وكل مايتعلق بالنظام الحالي الذي لم يحقق لنا نحن الفقراء الا مزيدا من البؤس والتمني لكل شيء يمتلكه ابناء الدول المترفهه . كانت الاصوات المرتفعة تصل الى بيتنا بكل وضوح وكأن المتظاهرين يقفون عند السياج الخارجي لبيتنا الذي اكل عليه وشرب. لنكن صريحين أكثر – ظننتُ أن الأمر سينتهي بعد لحظات قليلة لأننا اعتدنا على سماع هذه الصيحات مرات كثيرة في اليوم الواحد وبالتالي تختفي بسرعة لأن المتظاهرين يذهبون من خلال الطريق السريع الى ساحة التحرير. بعد صلاة المغرب ازدادت حدة الصيحات وراحت القوات الأمنية تتمركز على مسافة قريبة جدا من المظاهرات بسياراتهم الكثيرة. قررت الذهاب لأستطلاع الوضع المتفجر عند جسر الميكانيك القريب من البيت. كان الشباب يهتفون بكل جبروت وعنفوان وبدون تردد وجدتُ نفسي أصورهم وكأنني معهم . الحق يُقال شعرت براحة نفسية كبيرة وكأنني أشارك جميع المتظاهرين في كل أنحاء العراق . وأنا أكتب هذه الكلمات إقتربت الساعة من الثانية بعد منتصف الليل وأصوات الشباب لازالت على حدتها تصل الى غرفتي بكل وضوح وأسمع هتافاتهم كأنهم قربي- يصرخون – على عنادكم الجيش والشرطة ويانه- وما شابه ذلك. لا أعرف لماذا سافر ذهني بعيداً الى سنة 2003 وماتلتها من سنوات عجاف ورحت اردد مع نفسي – لو كانت الدولة قد وفرت للشعب كل مايحتاجه من حقوق مدنية واجتماعية – فهل ستحدث مثل هذه التظاهرات؟ هل ان الذين تولوا حكم البلاد كانوا لايفهمون معايير الأدارة المثالية لأدارة بلاد جميل مثل العراق أم أن هناك سبب آخر لانعرفه. الحديث عن الفساد وضعف الكهرباء ودمار البنية التحتية وسرقة النفط وتهريبه من اجل منافع شخصية وضياع الصناعة والزراعة والتعليم والصحة أصبح حديثاً سمجاً لايتقبله البعض لأنه صار مرضا مزمنا لايمكن علاجة الا بقلع كل ماينتمي الى دولة العراق الحديثة. من يدري لعل الشمس ستشرق من جديد ولعل صيحات هؤلاء الشباب قرب بيتنا قد تعيد لنا سعادة مفقودة وأمل كان قد ضاع الى الابد في نهضة العراق من جديد . حقا ان ارادة الشباب تفعل الشيء الكثير. سلاما لكل من سكب دمه الطاهر على هذه الارض الطيبة واللعنة على كل من قتل متظاهرا سلاحه العلم العراقي او قنينة بيبسي او صرخة استغاثة لظهور يوم جديد مشرق.