من معاضل السلوك البشري التي يصعب تفسيرها أن المقهور ما أن يتمكن حتى يقوم بأوحش ما كان يقوم به القاهر له , فالمظلوم أوحش من الظالم لو صار مكانه , ويعجز أي مصلح ومفكر وعالم وعقائد الأرض والسماء عن تهذيب هذا المنهج السلوكي الفاعل في حياة البشر منذ الأزل.
فالظلم يتوالد وبدرجات أقسى وأشرس فيأتي بما هو أظلم , والشر يلد شرورا , وكل سلوك سلبي ينجب سلوكيات تتفوق عليه كثيرا بقوة سلبيتها , فالعدوان يؤسس لمتواليات عدوانية متفاقمة وفائقة التوحش والشراسة.
وناعور المظالم ما أن يدور فأنه لا يتوقف ويروي نفوسا بالشر والسوء , حتى لتورق وتتحول إلى مزارع شاسعة وحقول واسعة.
فالفساد ما أن ينطلق فأن سرعته وقدراته تتنامى وتتعاظم , ويدور في دوامته البشر ويتمتع بما يقدمه من حوافز ومعززات للمطمورات السيئة الفاعلة في دياجير النفس الدونية.
ولهذا فأن القضاء على الفساد المتسرطن من أصعب التحديات وأعظمها , والتي تواجه البشرية وتسحقها سحقا شديدا.
ويمكن توظيف أي دين ومذهب وعقيدة لتبرير الإمعان بالمظالم والمفاسد والشرور , خصوصا عندما يتوفر لها مَن فقدوا الضمير من المصابين بإنحرافات سلوكية وإضطرابات في الشخصية , والذين فيهم إرادة الإنتقام من الحياة.
ولهذا تجد المجتمعات التي تتمكن منها المسميات المؤدينة من أكثر المجتمعات فسادا وإنحطاطا وظلما وقمعا ومصادرة لحقوق الإنسان.
والقول بأن هذه المجتمعات ستتعافى من طاعون الفساد والإفساد وما حولهما , نوع من الهذيان , لأن الفساد يتوافق مع نوازع النفوس السيئة المحكومة بقوة النفس القويمة والمثالية , وما أن تنهار هاتان القوتان , حتى يتحقق الإنفلات السلوكي السيئ , ويطغى على ميادين الحياة.
إنها حلقة مفرغة من الويلات والتداعيات والمظالم والتوجعات , بحاجة إلى قوة أمينة وتفاعل إنساني كبير للوقوف بوجهها والتصدي لدورانها , والعمل الجاد على إقتلاع جذورها , وأول ما تجدر الإشارة إليه , هو الدستور القويم , وإبتعاد ما هو عقائدي وديني عن أنظمة الحكم , وفي بعض المجتمعات صار الأمر مستفحلا , وربما يتطلب القضاء على جيل تفترسه أوبئة الفساد وطاعون المظالم والعدوان على الحياة.
وإن السوء لعين!!