23 نوفمبر، 2024 12:13 ص
Search
Close this search box.

“شعوب” تقف علي مسافةٍ واحدةٍ من ساستها

“شعوب” تقف علي مسافةٍ واحدةٍ من ساستها

حينما يواجه زعيم سياسي (ما) أزمة انقسام وطني فإن العبارة الاثيرة للأم ذلك الانقسام و بناء جسور بين كل المكونات الوطنية تكون هي “انا اقف علي مسافة واحدة من الجميع” أو بصيغة اخري “سأكون رئيساً للجميع”، و في الغالب يكون لهذه العبارة مفعول ساحر في تقليل التوتر و نزع فتيل الازمة و الاحتقان السياسي..
لكن الجديد اليوم علي ضوء موجة الاحتجاجات التي افضت أو في سبيلها لأن تفضي الي تغيير انظمة حكم في المنطقة العربية و الاسلامية فهو ان الشعوب اعلنت (و اثبتت ايضاً) انها تقف علي مسافة واحدة من جميع قادة و ساسة الأحزاب و الفصائل السياسية-الطائفية!
لقد نجح الجمهور غير المؤطر في تلك القوالب السياسو-طائفية في ان يعبر متكاملاً و متجاوزاً انقسامه الاجتماعي، و إن يعلي من عنصر المواطنة و يحيد عناصر الدين-و المذهب أو العرق أو اللسان أو الانتماء المناطقي )الجغرافيا(..
اللافت ان الدول الاربعة التي اطلقت النسخة الجديدة من ثورات التغيير شهدت كلها في السابق حروباً اهلية و طائفية أو اضطراباً عنيفاً و انقساماً عميقاً في جبهتها الداخلية و اهتزت و حدتها الوطنية، فالسودان (صاحب قصب السبق) خرج لتوه من ما يصفها المراقبون (اطول حرب اهلية في افريقيا) 1955-2005م و انتهت بتقسيم السودان الي سودانين (شمالي و جنوبي) ثم حرباً عنيفةً بين سلطة الحكومة و منقسمين منها و خارجين ضدها في اقليم دارفور الغربي (منذ 2003م) هدأت حالياً و لكن السلام لم يحل بعد فيه.
و الجزائر شهدت حقبة مظلمة من العنف و العنف المضاد في تسعينات القرن الماضي فيما يعرف بالعشرية السوداء نتيجة تمرد حركات الإسلام السياسي هناك علي سلطة الدولة و طال العنف المجتمع الجزائري و ضربه في عمق تماسكه.
و لبنان شهد حرباً اهلية طاحنة اواخر السبعينات و طوال عقد الثمانينات لم تنتهي إلا بسلام هش و بعد ابرام عقد (طائفي) في مدنية الطائف السعودية! أصبحت به المحاصصة الطائفية تستند لقاعدة دستورية و الانقسام المجتمعي (بين مسيحيين و مسلمين سنة و آخرين شيعة) امراً واقعاً علي الناس ان يتعايشوا معه و يقبلوه و يتمسكوا به!
كذلك العراق الذي شهد عنفاً ضد المناهضين لنظام البعث خصوصاً من شيعة الجنوب العرب و اكراد الشمال السنة! و شهد عدة حروب دولية ضده اسفرت عن سقوط حكم البعث في 2003م و صعود الطائفية السياسية الدموية و التي بلغت مرحلة انتاج (داعش(.
برغم ذلك الانقسام و العنف الذي تم توظيفه سياسياً خدمةً لاجندة احزاب و زعماء سياسيين و الذي يمثل عقبة بوجه تأسيس دولة القانون و الدولة المدينة و التداول السلس والسلمي للسلطة،إلا ان الشعوب نجحت في انتاج خطاب سياسي شعبي يوحد كل الطوائف و الفصائل.. و يعبر بالمجتمع فوق الانقسامات و الهواجس الزائفة لتحقق التطلعات الجوهرية و المتمثلة في اقامة مجتمع العدالة و الأمان و يلبي الحاجة المعيشية وصولاً لمجتمع الكفاية ثم الرفاهية.
ان هذا العبور فوق الشكوك و المخاوف و الهواجس التي مكنت “النخب الطائفية” من الاستئثار بالسلطة و الموارد الوطنية سيكون له ما بعده، و لن تعود الشعوب ثانيةً لأقفاص الخوف و التخوين و الخنادق الطائفية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات