انتفاضة الاول من اكتوبر 2019 العراقية وضعت المشروع الطائفي في زاوية حرجة جدا ربما لن يُكتب له عمرا طويلا حتى يصبح في طي الماضي،ومايلفت النظر هنا ان القوى السياسية التي عملت على شرعنته وتغذيته بكل الاسلحة الفتاكة التي تجعله ينمو ويتمدد لم يخطر في بالها ان العرب الشيعة سيواجهونه في يوم ما،وان رأس رمح هذه المواجهة شباب في مقتبل اعمارهم لاصلة تجمعهم مع الايدلوجيات الحزبية التي سمَّمت الحياة السياسية منذ عقود وليس في رصيدهم اية خبرة في الاعيب السياسة.
عراق الانتفاضة غير الذي قبله
لو افترضنا ان الاجهزة القمعية التابعة للسلطة ومعها الميليشيات تمكنت من سحق المنتفضين نتيجة افراطها في استعمال العنف فان ماينبغي تاكيده ان العراق بعد الاول من اكتوبر 2019 غير العراق الذي اسسه الاحتلال الاميركي .
اليوم يشعر جميع العراقيين انهم تقدموا خطوة للأمام في اطار التعبير عن تطلعاتهم حول صورة النظام السياسي الذي يطمحون لتحقيقه على انقاض نظام طائفي جلب لهم الويلات ،وخطوتهم هذه عبروا عنها بآليات سلمية لم يسبق ان مارستها القوى السياسية المعارضة للانظمة التي حكمت العراق ،حيث اعتمدوا على استثمار امكانات الضغط السلمي المستمر باعتماد الاعتصام الطويل الامد في الساحات والشوارع ومن ثم اللجوء الى العصيان المدني ،و رغم العنف الذي جابهتهم به الاجهزة الامنية إلاَّ انهم لم يتخلوا عن نهجهم السلمي .
نتائج الانتفاضة
من النتائج التي تمخضت عنها هذه الانتفاضة والتي تستحق الاشادة بها انها تمكنت من اسقاط هالة كبيرة كانت تحيط بعض الشخصيات “مقتدى الصدر على سبيل المثال “عملت خلال الاعوام الماضية على ان تختزل العراقيين بشخصها في محاولة منها ان تلعب دور الاب،ودائما ما كانت توظف احتجاجهم ضد السلطة في اطار بناء مجدها الشخصي،ومثل هذه الفرصة لم تعد ممكنة كما كان الحال عليه قبل انتفاضة الاول من اكتوبر .
كما انها قدمت للعالم حقيقة العراقيين التي غيبتها الاحزاب والميليشيات الاسلاموية طيلة الاعوام التي اعقبت سقوط النظام الاسبق ،فأظهرتهم على طبيعتهم حيث لايشكل الانتماء الطائفي عقبة في تواصلهم وتفاعلهم .
حماقة النظام السياسي
في مقابل ذلك فإن موقف النظام السياسي المتمسك بالقوة والعنف قد كشف محدودية قدراته في فهم الشارع العراقي ،وعجزه عن قراءته بشكل صحيح،ولااظنه سيكون قادرا على ان يفهمه حتى لو حاول ذلك ،لان جميع القوى السياسية التي يستند عليها تنظر الى موضوع السلطة باعتبارها مشروعا للنهب وليس لبناء وطن،ومن هنا تتصرف بردود افعال تليق بحفنة لصوص مجرمين يدافعون عن غنيمتهم بكل وسائل القتل .
مرجعية النجف
مرجعية النجف بشخص السيستاني كانت الملاذ الآمن الذي احتمت به هذه الطبقة السياسية طيلة الأعوام الماضية نظرا لماتتمتع به من احترام كبير في الوسط الشيعي،ولو سلمنا جدلًا ان رهانها لم يكن في محله،وأنها تعاملت معها على أساس مايبدو منها من نوايا حسنة عندما دعمتها في البقاء ، لانها نجحت وبدهاء في أن تخفي عنها حقيقة فسادها واجرامها وظهرت أمامها بمظهر الحمل الوديع وانها تسعى لبناء البلد، فما موقفها اليوم بعد ان اتضح الخيط الأسود من الخيط الابيض ؟
مثل هذا التساؤلات تطرح اليوم في المحيط الشيعي خاصة بعد بيان المرجعية الذي صدر بعد مضي اكثر من عشرين يوما على استمرار التظاهرات وفي حينه وصل عدد القتلى الى اكثر من 150 متظاهرا،ولم يشر بيانها الى مسؤولية الحكومةعن هذه الجرائم،اضافة الى مطالبته المتظاهرين بضروة حفاظهم على الممتلكات العامة. بذلك تكون المرجعية قد وفرت للسلطة وربما من غير ان تقصد غطاء لكي تستمر في ممارسة العنف .
مسؤولية طهران واميركا
مسؤولية نظام الملالي في طهران عن ماوصلت اليه الاوضاع في العراق لم تعد أمرا يحتاج الى جدل ، فالشعارات التي رددها المتظاهرون منذ اليوم الاول كانت موجهة ضد ايران وطالبتها برفع يدها عن العراق لعل ابرزها (ايران برا برا وبغداد تبقى حرة) الا ان المسؤولية الاكبر تتحملها الادارة الاميركية ،لانها من كتبت سيناريو الخراب العراقي من الالف الى الياء،وهي الان تتفرج على المذبحة منذ اكثر من شهر وتستمتع بتفاصيلها،كما لو انها تشاهد فلما من انتاج هوليود معبأ بمشاهد تقطر دما وعنفا،وكلما طال الوقت واتسع الجرح كلما ارتفع رصيد الادارة الاميركية في ان تكون حبل الانقاذ الاخير للضحية بعد ان تعجز عن الوقوف على قدميها،انذاك لاسبيل امامها سوى ان ترجوها لتكون منقذها .
سقوط القداسة عن ماهو غير مقدس
نظام الطوائف في العراق ولبنان وسوريا انتهى اخلاقيا،بعد كل الجرائم التي سجلت باسمه وبتوقيع ميليشياته واجهزته القمعية ، ومامن جدوى في فتح قنوات اتصال معه كما يروج كتاب ومثقفون ومحللون ومستشارون يرتبطون معه بشكل ما ، لم يبق سوى الاصرار على اسقاطه.
آن اوان العراقيين بعد قائمة طويلة من القرابين وصل عددها الى اكثر من 350 ضحية قدموها على مذبح الحرية ان يشطبوا كلمة “المقدس” من قاموس مفرادتهم،فلاشيء على الارض مقدس سوى دم الانسان الاعزل،لاحجر ولاعمامة ولاسلاح ولاميليشيا ولا اي شخص يتعكز على حسبه ونسبه،ولولا هذه الكلمة التي ابتذلها واهانها كل الذين تحصنوا خلفها،لما تجرا خونة لبلادهم على ان يرتكبوا كل هذه الجرائم.
العرب والغرب
الشعوب العربية تستحق الاحترام لانها قالت كلمتها بوضوح وفي اكثر من جولة خاضتها ضد انظمتها بانها تنشد الحرية والعدالة والعيش الكريم،وقدمت لاجل ذلك تضحيات كبيرة،في سورية ومصر ولبنان وتونس والعراق،وبعد كل هذا الاصرار الذي عبرت عنه سلميا في مواجهة اعتى اجهزة القمع،ما المطوب ان تقدمه من ادلة اخرى للمجتمع الدولي والقوى الكبرى والاصوات العنصرية المصطفة معها،حتى يثبتوا لهم بانهم ليسوا عبيدا ولن يكونوا ،وانهم يعشقون الحرية ويموتون في سبيلها ،ولهذا يستحقون حياة كريمة مثل شعوب الغرب البيضاء،ومن الخطأ التعامل معهم بعنصرية مثلما تم التعامل مع السود في اميركا والغرب.