مثلما كانت اليمن ومن بعدها الصومال وبعد ذلك جيبوتي في سبعينيات القرن الماضي، هاهي وزارة التربية في دولة العراق الديمقراطي الاتحادي، تزف البشرى للعراقيين بأن ابناءكم سوف لن يفترشوا الارض بعد اليوم، ويجدون سقفاً يحميهم من حرارة الشمس وغزارة المطر. فالكويت، نعم حكومة الكويت، قد تبرعت لحكومتنا الجائعة والفقيرة وللشعب العراقي ببناء ست مدارس نموذجية!
بالله عليكم، أرأيتم قلة حياء مثل هذه! نحن بلد الحضارة وبغدادنا كانت عاصمة الدنيا، وعراقنا كانت الشعوب الاخرى تسميه بأرض السواد.. وكنا نرسل المدرسين والمعلمين والمهندسين والاطباء الى دول كثيرة مثل الكويت وغيرها.. بعد ذلك تنقلب الدنيا ويصير سافلها اعاليها وتتبرع حكومة الكويت (الشقيقة) ببناء مدارس في العراق!
اين ذهبت مليارات الدولارات التي تمتليء بها خزائن العراق كل سنة؟ وما حاجتنا الى تبرعات الكويت التي افقرتنا وسرقت نفطنا واحتلت مدننا، وهجرت اهلنا، وحلبتنا حتى جفت الضرع؟
الكويت هذه التي نهبت اموالنا بحجة التعويضات لحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.. هذه الكويت تتبرع اليوم من اموال نفطنا المسروق من قبلها، وتفرح وزارة التربية بهذا التبرع السخي، وتريد منا ان نفرح معها وتهلل شبكة الاعلام للخبر، وتريد منا ان نصفق له وتكاد تقول لنا: اشكروا المحسنين فبالشكر تدوم النعم!!
ما هذا الزمان الرديء الذي نعيشه؟ وما هذا التردي في اخلاق بعض المسؤولين الذين يمجدون افضال سارق تبرع لنا من مالنا، وهو يريد بذلك ان يخدعنا ويهيننا ويحقرنا! ولو كانت هناك ذرة من الحياء، لما قبل المسؤولين في وزارة التربية هذا التبرع المخجل. ولو كان لدى بعضهم قليل من الكرامة لردوه على اهله.. فالعراق، وميزانيته السنوية والمخصص منها لبناء المدارس يكفي ويزيد لبناء عشرات الالاف منها. ولكن هذا المال العراقي يسرقه المسؤولون في التربية لاغيرهم وهم طامعون بالقليل القليل الذي تبرع به حكام الكويت، لان هؤلاء المسؤولون لا يشبعون! فقد كانو شحاذين قبل ان يصلوا الى ما وصلوا اليه.. ومن شب على شيء شاب عليه!