خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بدأت ملامح الغزو التركي تظهر على أرض الواقع بعدما انسحبت القوات الكُردية من أماكنها بموجب الاتفاقية التي تمت بين “أنقرة” و”واشنطن”، الأسبوع الماضي، والتي تنتهي الهدنة التي اتفق عليها، اليوم الثلاثاء، حيث أعلنت “تركيا”، أمس، إنها ستقيم “منطقة آمنة” بطول 120 كلم في شمال شرق “سوريا”.
وفي الوقت ذاته؛ يستمر الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، في المطالبة بمنطقة طولها 444 كلم في الأراضي السورية، لكن المرحلة الأولى من هذا المشروع لن تغطي سوى ربع تلك المسافة.
فيما يبدو أن الخطة الأولية لـ”أنقرة” قد تم إحباطها من خلال انتشار الجيش السوري، الذي دعاه الأكراد لإنقاذهم، في بعض القطاعات التي تشملها “المنطقة الآمنة”.
وذكرت مصادر عسكرية تركية أن إقامة منطقة محدودة بطول 120 كلم كـ”خطوة أولى” ستبدأ في وقت مبكر من، مساء اليوم الثلاثاء، في حال انسحاب القوات الكُردية من “وحدات حماية الشعب” طبقًا لاتفاق تم التوصل إليه، الأسبوع الماضي، بين “تركيا” و”الولايات المتحدة”.
هدنة 120 ساعة لتعليق الهجوم..
وفي التاسع من تشرين أول/أكتوبر 2019، شنت “أنقرة” هجومًا في شمال شرق “سوريا” ضد “وحدات حماية الشعب”، التي تصفها بأنها “إرهابية”، لكنها تلقى دعمًا من الدول الغربية بمواجهة “تنظيم الدولة الإسلامية”.
وتقرر تعليق الهجوم، منذ الخميس الماضي، إثر هدنة تم التفاوض عليها بين الأتراك والأميركيين الذين قالوا إن مدتها “120 ساعة”، لكن من دون تحديد موعد إنتهائها.
وقال وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، أمس، أنه: “إذا أكتمل الانسحاب، فستنتهي العملية العسكرية”.
منطقة آمنة بطول 120 كم..
وفي مرحلة أولى، ستمتد “المنطقة الأمنية” بين “تل أبيض”؛ التي سيطرت عليها القوات التركية في بداية الهجوم، و”رأس العين”؛ التي انسحب منها مقاتلو “وحدات حماية الشعب”، أمس الأول.
وبُغية توسيعها؛ يبدو أن “تركيا” مرغمة على التوصل إلى تفاهم مع “روسيا”، المتحالفة مع الرئيس، “بشار الأسد”، الذي انتشرت قواته في عدة مناطق في شمال شرق “سوريا”؛ منذ بداية الهجوم التركي.
ومن المتوقع التطرق إلى هذه المسألة في المحادثات التي سيجريها “إردوغان”، اليوم، في “سوتشي” مع نظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، الذي تحاول قواته منع أي صدام بين القوات التركية والسورية.
وقال “إردوغان”، في هذا السياق: “سنناقش الوضع في سوريا، وإن شاء الله، سنتخذ الإجراءات التي تفرض نفسها”.
إيران ترفض إقامة تركيا لقواعد عسكرية..
من جهتها، أعلنت “إيران”، أمس، أنه من “غير المقبول” إقامة قواعد عسكرية تركية في “سوريا”.
وقد أعلن “إردوغان”، الجمعة، أنه سيتم إنشاء 12 مركزًا تركيًا للمراقبة في “المنطقة الآمنية” في المستقبل، لكن مصادر عسكرية تركية أكدت أنها ستكون مشابهة لـ”قواعد” على غرار تلك التي أقامتها “أنقرة” قرب “الموصل” في شمال “العراق”.
“قسد” انسحبت تحت ضغط أميركي..
تعليقًا على التطورات الأخيرة، قال الخبير العسكري الإستراتيجي، “محمد كمال الجفا”: “عملية تسليم رأس العين وسحب الأسلحة الثقيلة وإبعاد الآليات وتدمير الأنفاق التي أقامتها (قسد) خلال سنوات، تمت قبل توقيع الاتفاق الروسي السوري مع (قسد)”، “والآن لا يوجد إلا بعض المقاتلين وهناك قتال بالأسلحة الخفيفة ولا يوجد آليات أو معدات ثقيلة تتصدى للمجموعات الإرهابية التي تقاتل تحت راية العلم التركي”. “(قسد) انسحبت من هذه المنطقة تحت ضغط القوات الأميركية قبل توقيع الاتفاق مع الدولة السورية، والأسلحة الثقيلة قد سحبت بالكامل من هذه المنطقة”.
بخصوص السجون التي يعتقل فيها عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي؛ قال “الجفا” أنه: “لا يمكن أن يكون هناك عناصر أو سجناء ذات قيمة أو على مستوى عالٍ من القادة، إلا وأن تكون الولايات المتحدة الأميركية قد نقلتهم إلى قواعدها العسكرية، أما باقي المقاتلين الذين يحذر منهم إردوغان وهؤلاء السجناء لديهم أبناء يقاتلون تحت راية الاحتلال التركي”.
أغلبية السوريين يرفضون العودة في ظل الظروف الحالية..
ويرى الكاتب والمحلل السياسي التركي، “مصطفى أوزغان”، أن هناك بعض الإحصائيات والاستبيانات حول السوريين الراغبين بالعودة إلى “سوريا”، تقول إن الأغلبية من السوريين لا يرغبون بالعودة إلى وطنهم في هذه الأوضاع. لذلك من الصعب جدًا ترغيبهم بالعودة إلى هناك، لأن هناك صعوبات، والأفضل أن يكون هناك حل سياسي مرضي للأطراف المعنيين، ثم يعود اللاجئين إلى سوريا”.
وأضاف أن: “الحكومة في تركيا ضاقت بهم ذرعا، (اللاجئين)، كون هناك ضغوطات داخلية من أحزاب شتى، وخاصة حزب الشعب الجمهوري، حيث يتبنون سياسة مخالفة لسياسة الحكومة، وهم يربحون سياسيًا، كون الشعب التركي لا يرغب في إقامة السوريين في تركيا، لذلك الحكومة كي لا تفقد قاعدتها الشعبية، تريد توطينهم، (اللاجئين السوريين)، وتشجيعهم للعودة، وهذا يتطلب حوالي 30 مليار دولار”.
مشيرًا إلى أنه هناك تصميم من قِبل الحكومة التركية في إعادة بعض السوريين على الأقل في هذه المنطقة لمن يرغب في ذلك.
استتثمار البنى التحتية في المنطقة الآمنة..
وحول ما ستقدمه “تركيا” للاجئين؛ قال “أوزغان”: “طبعًا تركيا راغبة في هذه الاستثمارات، (البنى التحتية في المنطقة الآمنة من مدارس ومستشفيات وتأمين فرص عمل، إلخ)، ولكن هل تمتلك هذه السيولة من الأموال ؟.. أو هناك مستثمرين أجانب، بينما الدول العربية والاتحاد الأوروبي وأميركا غير راغبين في الإشتراك في هذه الاستثمارات”.
مضيفًا أنه لم يتبق هناك إلا “روسيا” و”إيران”، ولكن لديهم تصور مختلف عن تصور “تركيا”، (حول المنطقة الآمنة)، مشيرًا إلى أنهم لا يمتلكون المال الكافي للاستثمار في هذا المجال.
وعلق “أوزغان” حول إمكانية إجبار الحكومة التركية، اللاجئيين السوريين، على العودة إلى “سوريا” قائلًا: “لا، الحكومة دائمًا تؤكد أن تركيا تريد أن ترسل السوريين الذين يرغبون بالذهاب إلى المنطقة الآمنة، دون اللجوء إلى إجبارهم على ذلك”.
حل مؤقت يمنح الوقت لقوات “إردوغان”..
من جهته؛ قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة “الجزائر”، الدكتور “رضوان بوهيدل”، إن التدخل الدبلوماسي الأميركي لوقف الإعتداء التركي على الشمال السوري وحثهم على التراجع، على الأقل 20 ميلاً من الحدود السورية، ووقف إطلاق النار يأتي كحلٍ مؤقت، وقد منح مزيدًا من الوقت لقوات “إردوغان” في ظل الرفض الدولي.
وأشار “بوهيدل” إلى أن حيثيات هذا الاتفاق تظل غير واضحة المعالم بالرغم من الإفصاح عن بعض التفصيلات الهامشية.
من سيتواجد في “المنطقة الآمنة” ؟
وأوضح “بوهيدل”، أن الإشكالية الكبرى تتمحور في مصير ما يعرف بـ”المنطقة الآمنة”، ومن سيتواجد بها في ظل انسحاب القوات الأميركية، واعتبار السوريين لها كمنطقة محتلة، لافتًا إلى أنه في الوقت ذاته؛ فالأكراد بحاجة إلى مرحلة للهدنة من أجل ترتيب أوراقهم وإعادة النظر في تحالفاتهم، خاصة وأن مواصلة الهجوم في غياب توازن القوى سيؤدي إلى خسارتهم خسارة فادحة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن العملية التركية المسماة، بـ”نبع السلام”، هي إمتداد تاريخي للصراع التركي مع “حزب العمال الكُردستاني”، وتحديدًا “وحدات حماية الشعب” الكُردية، والتي تعتبرها “أنقرة” جماعة إرهابية، مشيرًا إلى أن ما أظهرته قوات “إردوغان”، خلال الأيام القليلة الماضية، من قوة عسكرية خارج الحدود استدعى عودة “الولايات المتحدة” التي تحاول إبراز أنيابها في رسالة لأطراف متعددة وليس للأكراد فحسب.
“داعش” تنتظر فرصة للعودة..
وحول فرص تنظيم (داعش) بعد هروب عناصره، أكد “بوهيدل”، على أن (داعش) لا تزال تحاول العودة بعد أن فقدت بريقها وكادت تزول، إلا أنها تتربص فرصة دخول عدد من المناطق خلال الفوضى لتجد لها أرضًا خصبة لنشاطها، مثلما حدث سابقًا في “العراق” و”سوريا” و”ليبيا”، لافتًا إلى أن أي فرصة فراغ قد تمنحها الحرب (التركية-الكُردية) ستدفع بـ (داعش) إلى عمليات استعراض عضلات لإبراز تواجدها واستمراريتها وهو ما قد يهدد عددًا من الدول بالمنطقة من خلال إعادة إحياء الخلايا النائمة بها والتي تنتظر الضوء الأخضر من قيادتها للعودة للنشاط.
ولفت “بوهيدل”، إلى أن بقاء المنطقة في حالة لا استقرار لا يخدم إلا الغرب وحلفائه، وأن تلك المنطقة ليست آمنة، كما وصفها الأتراك، بل هي قنبلة موقوتة من التهديدات بوجود (داعش)، وأن “تركيا” تعرف جيدًا التعامل مع الدواعش من خلال خبرتها، وهي ستحاول الدفع بهم لخارج أراضيها قدر الإمكان، وأن أبقوا على حدودها فهي بالنسبة لهم ورقة يجيدون استخدامها، وأن أي حرب أو نزاع مسلح في المنطقة قد يشكل فرصة لإعادة النشاط للتنظيم الإرهابي الذي قد يستغل ما يحدث كفرصة ليبرز تحالفه مع طرف ضد آخر لإبراز قوته؛ وربما لشرعنة أنشطته الإرهابية والإجرامية.
وأوضح “بوهيدل”، أن الأكراد هم الحلقة الضعيفة، ويظل الخاسر الأكبر هو “سوريا” ومنطقه الأكراد، لأن إسترجاع تلك المنطقة بالنسبة لهم صعب في ظل تباين الأمكانيات والقوة.