أتفق مع من يقول بأن الجريمة لا تتساقط بالتقادم، واختلف تماما مع من يميز بين الضحايا ويكيلبمكيالين , فدم البشرية الذي يراق هنا وهناك وبدون وجه حق هو ليس أقل شأنا ولا حرمة من دم الراحل الخاشقجي رحمه الله..
فمنذ وقوع الحادث الآثم الأليم في نوفمبر من العام الماضي، آليت ان لا اتناول هذا الموضوع حتى لا أشوش على القارئ الكريم , لان ذلك هو من اختصاص القضاء والدوائر الرسمية والدبلوماسية والأمنية , وكذلك حتى لا أجد نفسي منحازا لطرف دون آخر دون دليل قاطع ولا برهان ساطع ,ومن جهة أخرى كنت اراقب تطورات الملف والجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية متمثلة بقيادتها وقضائها ودوائرها الدبلوماسية من جهة, ومتابعة التضليل والتصعيد للطرف الاخر وعدم الاعتراف بالجهود المبذولة لتقصي الحقائق ووضعها دوما في خانة الشك, حتى بلغ السيل الزبى مما إظطرني معها لسل قلمي الذي عاهدت الله ان لا اتناول به الا الحق ومرضاته..
وبسبب الإصرار المتعمد من الجهات المعادية للأمة الإسلامية وتوجيه التهم والسهام صوب المملكة العربية السعودية تتقدمهم في ذلك قناة الجزيرة الواجهة الاعلامية للماسونية العالمية بإعلامها اليائس البائس الذي بات واضح تحيزها وعدائها لجميع قضايا ومصالح الأمة, ولأن بلاد الحرمين الشريفين غدت القلعة الحصينة الصامدة بين القلاع التي انهارت تباعا فجهزت هذه القضية المفبركة والمحبوكة حبكا وتم اتخاذها حجة ومنطلقا للابتزاز ومدخلا لفرض واقع جديد في المنطقة , وكذلك ركب الموج من نصب نفسه حاميا للإنسانية في الاستمرار بالنفخ في رماد لا يوجد فيه بصيص او جذوة من نار تصلى.
عليه بات من الواجب الشرعي والأخلاقي ان نتناول هذا الملف ونفضح تلك الدوائر واجندتها في محاولة تبدولنا خاسرة في تشتيت الرأي العام العالمي وصرفه عن الحقيقة والسعي في الصاق التهمة بالدولة ورموزها دون ان يملكوا أي دليل على ادعائهم ليقدموه لنا وينهوا به الجدل العقيم..
ومن السذاجة بمكان ان تقوم أي دولة بتصفية مناؤيها بهذه الطريقة الغبية, والعالم اجمع قد اصبح اليوم قرية صغيرة تسجل فيه كل شاردة و واردة بفضل الأقمار الصناعية والتجسسية والتطبيقات والكاميرات الخفية وخصوصا عند الدوائر الحساسة والسفارات, فان كان لدى القيادة السعودية أي نية مسبقة في تصفية الراحل فمتيسر لها العديد من الطرق التي تعرفها تماما دوائر المخابرات والتي لا تكلفها شيئا دون ان تترك لها أي أثر او دليل كما تفعله دوما الدول الكبرى مع الجواسيس والعملاء بعد نهاية خدمتهم , ولا نغفل الكيان الصهيوني الذي نشط في تصفية العديد من العلماء العرب والمسلمين واخرهم علماء الذرة والفيزياء النووية في العراق عند احتلاله.
فهل تعقل انت أيها القارئ الكريم ان تخطط لجلب عدوك حاشاك لبيتك لتصفية حسابك معه بنحره في عقر دارك فذلك امر لا يقدم عليه الا مخبول ؟؟؟
فكيف اذا بتفكير وتخطيط دولة عريقة؟؟
الهذا الحد تريدون ان تمتهنوا عقولنا ؟؟؟
علما ان للمملكة العديد من المعارضين لها من اهم اشد عداء لنهجها من الراحل يجوبون العالم طولا وعرضا ولم يسجل يوما انها تعرضت لهم بسوء, فلماذا تستهدف الخاشقجي بالذات ولماذا تتم التصفية بهذه الطريقة الغبية البشعة ؟؟؟
تلك الاستفهامات تسقط تماما ولا تصمد امام العقل السليم بان تنسب للدولة , فضلا عن أي دولة مهما قل شأنها في عالم الدبلوماسية والمخابراتية تحسب الف حساب قبل التورط في تنفيذ ما يجلب الريبة والشك حولها في مهامها المخابراتية وتوقف أي عملية فيها نسبة فشل ولو %1
فكيف بمملكة عرقية لها باع طويل في الدبلوماسية والسياسة الدولية وثقلها العالمي كدولة عريقة ضاربة في عمق التاريخ؟؟
لم تنكر المملكة العربية السعودية ابتداء وقوع الحادثة لأحد مواطنيها ولم تتنصل من مسؤولياتها الشرعية والقانونية والأخلاقية, ولكون انها وقعت على أرض هي
من ضمن سيادتها وعلى أيد آثمة ومن قبل مواطنين سعوديين أيضا وهذا من شأنه ان يعطي الحق كاملا للقضاء السعودي ان يتولى الامر التحقيقي والقضائي دون املاءآت من أي جهة كانت لانه حق سيادي..
لكن الذي حصل انه تم تسيس القضية واخراجها من مسارها الجنائي الى قضية استهداف دولة, وقد إنبرت لهذا الموضوع العديد من الدوائر المشبوهة التي تدعي انها تهتم بحقوق الانسان ,وهي نفسها التي تغض الطرف لمئآت الجرائم بحق الإنسانية وهي أشد بوقعها بشاعة وحجمها من جريمة الخاشقجي الفردية!
وهي التي لم تجرم ما جرى للمسلمين في البوسنة ولا في بورما ولا حتى تحرك لها جفن في الانتهاكات التي اقترفها جنود الاحتلال ومرتزقتهم في العراق وما جرى في سجن أبو غريب من فضائع لا يكاد يفارق ذاكرتنا , ولا ما اقترفه الطاغية بشار الاسد ضد شعبه الأعزل ولا ما تقوم به ايران ضد شعبها والاعدامات بالجملة في الاحواز العربية ولا اجرام مليشياتها في العراق وسوريا واليمن , ولم تتحرك يوما لإقامة الدعاوى القضائية ضد الإرهابي قاسم سليماني وجنرالاته المنتشرون في سوريا والعراق واليمن ولم تتقدم يوما لإدانة الإرهابي حسن نصر الله وحزبه وما فعلوه في لبنان وسوريا , ولم تتوجه يوما صوب الكيان الصهيوني ومجازره ضد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق ولم تحرك ساكنا لما فعله الإنقلابيون الذين تآمروا على سيادة البحرين وأمنها لإلحاقها بالجمهورية الاسلامية والولي الفقيه وما اقترفوه من اعتداء سافر على رجالات الامن!!
بل اكتفت تلك الهيئآت والمنظمات المختبئة وراء أهدافها المسيسة بإصدار البيانات والمواقف المائعة .
ونراها اليوم قد إنبرت بقوة في هذا الملف مستندة على معلومات صحفية و تصريحات فضائية لمسؤولين اتراك وآخرين مغرضين لتكيل عبر ممثلتها الغير حيادية السيدة إغنيس كالامار بتوجيه اتهاماتها دون الرجوع والاستئناس بالقضاء والقوانين والاعراف الدولية!!
أهكذا يتم تناول ملف لم يحسمه القضاء يا سيدة كالامار؟؟
لقد كان للموقف والقضاء السعودي الكلمة الفصل حيث ان عدد الجلسات التي التأمت لحد هذا اليوم بلغت ثمان جلسات ومازالت القضية مفتوحة لاي معلومة جديدة تردها للنظر فيها دون تردد , ولقد اتخذت المحكمة العديد من القرارات بموجب ما توفر لديها من حيثيات وادلة قاطعة فقامت بعزل العديد من الأشخاص من مناصبهم وإعادة هيكلية المؤسسات الأمنية ,كما أصدرت النيابة العامة حكما بإعدام خمسة اشخاص ثبت تورطهم في مقتل الضحية بسبق وإصرار, وأن جميع الجلسات كانت علنية وحضرها ممثلون عن الدول الخمس الدائمة العضوية إضافة الى ممثلي تركيا والعديد من الهيئآت والمنظمات الدولية وممثل عن عائلة المجني عليه, مما يدل بوضوح انه ليس لدى المملكة ما تخفيه عن الرأي العام العالمي ,على العكس من الجانب التركي الذي ما زال غير متعاون في هذا الملف ويضمر وراء موقفه المتصلب الريبة متمثلا برفضه تزويد الجانب السعودي بالأدلة والتسجيلات الفيديوية والصوتية رغم الزيارات المتكررة للنائب العام ولقائه بالجانب التركي والطلبات والمراسلات الرسمية.
مما يعطي انطباعا ان الجانب التركي وحلفاؤه يقفون اليوم في الصف المعادي ويريدون ان يتخذوا من مقتل الخاشقجي وسيلة ضغط للتغطية على مواقفهم السلبية من قضايا الامتين العربية والإسلامية, وكذلك ركنت اليه بعض الدول الكبرى كوسيلة رخيصة للابتزاز.
لا يكتفي أعداء الامة اليوم من الاقتصاص من قتلة الخاشقجي , بل يسعون من الاقتصاص من الامة بأكملها ويريدون ان يحيكوا من قصته اساطير ربما كقصة رأس الحسين عليه السلام ليطوفوا فيه البلاد ليؤلفوا بين قلوب الأوغاد والله لهم بالمرصاد..