لا شكَّ أنَّ أيّاً من القرّاء في الأقطار العربية فضلاً عن ” القرّاء العراقيين ” سوف يستنتج على الفور وبالفطرة أنّ رئيس الوزراء المذكور في العنوان اعلاه , هو السيد عادل عبد المهدي ولا سواه .! , حيث لا توجد مشاكل تُذكر لعموم الرؤساء العرب مع شعوبهم ” كما يحصل في العراق ” إلاّ باستثناءاتٍ محدودة , ولعلّ ابرزها نسبياً ما يواجهه رئيس الوزراء اللبناني من إضراباتٍ لبعض قطاعات العمل وتردّي الأقتصاد وتقلّص عملة الدولار , حيث يجري تحميله هذه المسؤولية في ذلك بالرغم من أنّ بعضها مفروضة على الدولة اللبنانية .
من الطبيعي , ومن محال المحال أن تتعادل كفّتا الميزان اذا ما جرى وضع السيد عبد المهدي في الميزان
كما < مرجُ البحرينِ يلتقيان بينهما برزخٌ لا يبغيان – سورة الرحمن , آية 19 , 20 > , ولعلّ رئيس الوزراءِ هنا يمثّل البرزخ المذكور والى حدٍ ما .! .. وإذ لا مكانَ لخلافٍ او جدال حول عدم استقرار الميزان والكفّتين وما بداخلهما , لكنّ المشهد الغريب في ذلك هو حالة الأضطراب لتلكما الكفّتين وصعود إحداهما الى الأعلى ونزول الأخرى الى الأسفل , والعكسُ بالعكسِ وتبادل الأدوار بينهما وبأستمراريةٍ وحركةٍ سريعةٍ طالما عبد المهدي داخل
هذا الميزان , وحالة افتقاد التوازن وعدم الإتّزان .!
رئيس الوزراء وعبر السنوات إمتلك رزمة ثريّة من التجارب ” سلباً ” وكان من المفترض به أن لا يغدو بهذه الصورة الملآى بالخدوش والخطوط المتعرجة والنقاط الداكنة , فعبد المهدي اكتسب ما اكتسب من المفاهيم الحزبية حينما كان عضوا في حزب البعث , وبدرجةٍ مرموقة في وزارة الخارجية في حينها , ومن ثَمَّ إنقَلّبتْ وتَغيّرتْ إتجاهات الرأي عنده عبر انتقاله للإنضمام الى الحزب الشيوعي , كما كان عليه الإستفادة في ادراك واستيعاب مجتمع الغرب وديمقراطيته طوال مكوثه لاجئاً في فرنسا وإجادته اللغة الفرنسية , ومن غير المعروف لماذا نال شهادة الماجستير في الأقتصاد من جامعة صفاقس في تونس بدلاً من نيلها من باريس او احدى جامعات المدن الفرنسية الصغيرة .! , وبعد هذه الخبرة المفترضة آثر السيد عبد المهدي تغيير ” اتجاهات الرأي ” مرّةً اخرى والى منحى مغاير عبر التحاقه او انضمامه كعضو قيادي في ” المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق ” الذي مقرّه طهران إبّان سنوات الحرب العراقية – الأيرانية في ثمانينيات القرن الماضي ,
وذلك ما قادَ وأدّى لعودة عبد المهدي الى العراق عند الأحتلال ليتولى حقيبة وزارة المالية اولاً .. لسنا هنا بصدد استعراض السيرة الذاتية – السياسية لرئيس الوزراء , إنّما علائم تعجّبٍ واستفهامٍ وغيرها تتوالى و تبعث حول افتقاده القدرة بالكامل والمطلق للإستكشاف المبكّر لما يتعرّض له وما تصيبه من نبال النقد المدببة التي باتت تتسدد نحوه من كلّ مساحة العراق ومحافظاته , وهو سوء في ” تقدير ” موقف ” حسب المصطلح العسكري .
خلال الأيام القلائل الماضية ظهرت او انتشرت بعض التسريبات الصحفية ” داخلياً وخارجياً ” , ويصعب الجزم والحسم اذا ما كانت تلكُنَّ التسريبات قد جرى تسريبها عمداً او غفلةً .! , ودونما إستبعادٍ لعدم وجودها اصلاً , وفرضاً , حيث مفاد ومواد تلكم التسريبات أنّ عبد المهدي قدّمَ استقالته منذ فترةٍ ليست طويلة , لكن جرى رفضها من بعض مراكز القوى النافذة ! , واذا ما صحّ ذلك , فخضوع واستجابة رئيس الوزراء لذلك الرفض وتلك الضغوط فأنها تمثّل مقامرة ” إنْ لمْ نقل كمقامرة لعبة الروليت الروسية – التي لا علاقة لها بالقمار التقليدي – ” , فعبد المهدي يُعرّض نفسه ويُعرّض صورته الأجتماعية والسياسية الى مزيدٍ ومزيد من السهام النقدية الجماهيرية الحادّة , وخصوصاً أنه مقبل على مواجهة الأسوأ من السيّء القريب او الذي كانَ وما برحَ بالأمس .!
ورئيس وزراء القُطر الذي حاولَ عبثاً وبطريقةٍ اصطناعيةٍ ومصطنعة ليوجِد حالةً ما من التوازن للسياسة العراقية الخارجية ما بين طهران والولايات المتحدة , والتي ما لبثت أن تفشل منذ لحظاتها او ساعاتها الأولى جرّاء وازاء الأنتماء الروحي والسيكولوجي للجارة الشرقية للعراق , والمعروف مسبقاً للقاصي قبل الداني , وبسبب قُصر النظر السياسي وضيق الأفق , فعبد المهدي لم يستطع الدنوّ او الإقتراب اصلاً حتى الى حافّات المتطلبات الحياتية للشعب العراقي , لكنّ الأشدّ خطورةً من كلّ ذلك هو فقدان الأدراك الأستباقي او
المسبق أنه هوَ او أيّ رئيسٍ آخرٍ للوزراء فأنه مُطَوّق ومقصوص الأجنحة منْ قِبَلْ مراكزالقوى المحيطة به وبمكتبه , وليس بمقدوره التحرّك الى ذات اليمين او ذات الشمال من دونهم , فتلك المراكز هي الحكومة العراقية برئاساتها الثلاث و وبقواتها المسلحة وبأجهزتها الأمنية المتعددة والمختلفة , ومن المبهم انتظار عبد المهدي لإزاحته عن الساحة دونما اسراعه في تقديم استقالته بما يتناغم ويتواءم ويتلاءم مع عصر السرعة .!