عدنان حسين.. صاحب القلم الجريء الذي قضى عمره في الصحافة

عدنان حسين.. صاحب القلم الجريء الذي قضى عمره في الصحافة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عدنان حسين” هو كاتب عراقي، شغل منصب رئيس التحرير التنفيذي العام ل”جريدة المدى”، ورئيس الاتحاد الوطني للصحفيين عراقيين (NUIJ). درس الصحافة في جامعة بغداد، وعمل كمحرر في صحيفة “طريق الشعب” في 1970. ثم غادر العراق في عام 1980، وعاش في المنفى في لبنان وقبرص وسوريا، قبل أن ينتقل إلى لندن في عام 1992 ليعمل محرر ثم مدير التحرير لصحيفة “الشرق الأوسط”. في عام 2007، انتقل إلى الكويت للعمل مدير تحرير صحيفة “أوان”، وعاد إلى العراق في أواخر عام 2010 للعمل رئيس التحرير العام ثم رئيس التحرير التنفيذي العام “للورقة”. انتخب رئيس NUIJ في يناير 2013.

الصحافة مصادفة..

في حوار معه أجراه “حسين علي داود” يقول “عدنان حسين” عن بدايته مع الصحافة: “كانت مصادفة، تخرجت من المرحلة الثانوية في الحلة في بابل محملا بإشادات أساتذتي بقدرتي على كتابة الإنشاء، وتسلحت بقراءة عشرات الكتب في مكتبة المدرسة وشاركت في إصدار نشره مدرسية بمثابة مطبوع، ذهبت بعد التخرج إلى الجامعة وفي خاطري دراسة اللغة العربية لرغبتي في صقل لغتي وموهبتي بعد محاولات لكتابة الشعر، أثناء التقديم إلى كلية الآداب قسم اللغة العربية اكتشفت أنها تضم قسما للصحافة وهو ما أثار فضولي وقدمت فورا للدراسة في قسم الصحافة. بعد عودتي إلى المنزل تلقيت عتب والدي الذي لم يكن راضيا عن قراري لأنها مهنة متاعب بالنسبة إليه خصوصا، وأن نشاطه السياسي وعضويته في الحزب الشيوعي وتسلمه منصب قيادي فيه بعد عام 1958 جلبت للعائلة المشاكل وأراد أن ابتعد عن كل ذلك وأن أصبح مدرسا”.

ويواصل: “في الجامعة كنت من الطلبة الجيدين دراسيا، كانت لدينا صحيفة خاصة بالكلية اسمها “الصحافة” وعملت فيها حتى توليت إدارة تحريرها، في إحدى المرات كتبت مقالا ينتقد فيها الجامعة متحدثا عن مشكلة تخص طلبة الأقسام الداخلية وهو ما أثار سخط رئاسة الجامعة التي أوصت بفصلي تلك السنة الدراسية لكن أحد أساتذتي آنذاك كان يوقرني توسط لي وألغي القرار.. كنت عضوا في الحزب الشيوعي، وبسبب ذلك اعتقلت غير مرة وعندما تخرجت من الجامعة لم تتح لي فرصة التعيين في وظيفة حكومية أسوة بباقي زملائي، بدأت العمل وفق نظام المكافأة في مجلة الإذاعة والتلفزيون، وكنا مجموعة معروفة نكتب لهذه المجلة وفق نظام المكافأة منهم زهير الجزائري وفالح عبد الجبار وفاطمة المحسن وعباس البدري وحسين الحسيني، كما كتبت عدة تحقيقات لمجلة “ألف باء” ومواضيع أخرى في “مجلتي” و”المزمار””.

طريق الشعب..

ويضيف عن صحيفة “طريق الشعب”: “التحول المهم في حياتي كان مع “طريق الشعب” عندما قرر الحزب الشيوعي إصدار صحيفة ناطقة باسمه، وشاركت في الاجتماعات التحضيرية لإطلاق الصحيفة في أيلول 1973، وكنت محرر فيها ولي عمود أسبوعي، وكان يوسف الصائغ في حينها مسئول قسم المنوعات، ومن حسن حظي، عملت تحت يديه واستفدت منه الكثير واعتبره معلمي، واصلت العمل في الصحيفة حتى إغلاقها عام 1979 واضطررت بعدها إلى الاختفاء لأني كنت مطلوبا للسلطات وخرجت سرا إلى لبنان عبر سوريا”.

وعن أيام الغربة يقول: “انشغلت بالصحافة، عملت خلال عامي 81 و82 في الإعلام الفلسطيني في بيروت، ومن ثم انتقلت إلى قبرص للعمل مع مجلة” الموقف العربي” التي كان يرأس تحريرها سعدي يوسف، وكنت رئيس قسم الشؤون العربية، وهي أول مجلة تأخذ موقف من صدام حسين بشان الحرب العراقية – الإيرانية. بسبب نشاطي في المجلة لاحقت المخابرات العراقية عائلتي في بغداد، وأرسلوا لي أبي ووالد زوجتي لإقناعي بوقف نشاطي مقابل سلامة عائلتي لكنني رفضت التوقف، واتصلت عندها بفخري كريم المسئول المباشر في الحزب الشيوعي وطلب مني العودة فورا إلى بيروت لأن احتمال اغتيالي في قبرص كبيرة. عند عودتي عملت في مجلة “الهدف الفلسطينية” التي كان يرأس تحريرها غسان كنفاني وواصلت العمل فيها حتى عام 1990 عند الاجتياح العراقي للكويت، ولأن المجلة وقفت إلى جانب صدام اضطررت إلى تركها”.

وعن الصحف العربية يوضح: “العمل في الصحافة غير المحلية أضافت لي الكثير وأهم شي هي الموضوعية، فالصحفي ليس فقط ذاك المتمكن من اللغة والكتابة وإنما من يختار المواضيع بعيدا عن التحيزات والميول الشخصية، ومن أهم محطات عملي في الصحافة العربية كانت مع صحيفة الشرق الأوسط عندما هاجرت إلى بريطانيا عام 1992 وتم تعييني محررا للشؤون العراقية منذ 1993 حتى 1993، وبعد تسلم عبد الرحمن الراشد رئاسة التحرير قام بتعييني مدير تحرير حتى عام 2006 قدمت استقالتي لغرض العمل مع صحيفة “أوان” الكويتية حتى 2010.. في 2010 ذهبت إلى دبي لمناقشة مشروع لإصدار جريدة الكترونية عراقية ضخمة وباشرنا العمل بضعة أشهر لكن المشروع توقف بسبب التكاليف الكبيرة، بعدها في أحد زياراتي لبغداد التقيت بفخري كريم رئيس تحرير صحيفة “المدى” وهو صديق قديم وعرض علي العمل في الصحيفة والبقاء في بغداد، لم أتحمس كثيرا أول الأمر لأني كنت أرغب في العودة إلى لندن، لكن وافقت في النهاية وتم تعييني نائبا لرئيس التحرير”.

افتقاد المهنية..

وحول الفرق بين عقد السبعينات والعقد الذي أعقب العام 2003، على مستوى الصحافة يقول: “يمكن قياس ذلك بأمرين، على مستوى الحريات لم تكن لدينا حريات كافية في السبعينات، غالبية الصحف كانت حزبية وهناك الكثير من التابوهات سواء تتعلق بالأحزاب التي تمتلك الصحف أو السلطة القائمة، ولكن من الناحية المهنية كانت العمل الصحفي والإعلامي يتمتع بمهنية نسبية، فلا أحد يستطيع العمل في الصحافة إلا الأكفاء والمقتدرين. أما بعد 2003 أفق الحريات أوسع لكنها أيضا مقيدة بعض الشيء، ولكننا نعيش وسط مشاكل كثيرة ونفتقد المهنية، لأن المهنية والكفاءة تبدو غائبة كثيرا للعاملين في القطاع الإعلامي والصحفي”.

وعن الصحافة في الوقت الراهن يقول: “الصحافة والإعلام في البلاد لها مشاكل كثيرة والسبب غياب قانون لتنظيمها، نحتاج قوانين لتنظيم العمل الصحفي والإعلامي وليس تقييده، للأسف السلطة عندما تضع قوانين الصحافة والإعلام وحرية الرأي فإنها تكون مقيدة، ولكننا نريد قانونا غرضه التنظيم يضمن حرية التعبير والنقد ويرد أي محاولة للعدوان على تقييد حرية الصحفي والمثقف والأديب وأي شخص كان. هناك قانون للصحفيين أقره البرلمان قبل سنتين هذا القانون سيء للغاية لأنه لم يقدم شيء للصحفي على صعيد حرية التعبير والحصول على المعلومة، ولم يضمن وقف إساءات السلطات الرسمية للصحفيين وخصوصا القوات الأمنية، فالصحفي عندما يذهب إلى مكان التظاهرات لتغطية الحدث سيكون معرضا للاعتقال حاله حال المتظاهرين وهذه الظاهرة يجب وقفها”.

وعن الشناشيل التي يكتبها في صحيفة “المدى” يبين: “الشناشيل ضلت ترافقني منذ عام 1990، عندما أصدرنا أنا ومجموعة من المغتربين في لندن بينهم فائق بطي ورضا الظاهر وعبد المنعم الاعسم، مجلة باسم “رسالة العراق”، اتفقنا على نشر ما يشبه العمود في الصفحة الأخيرة منها ونتناوب على كتابته أسبوعيا، واقترحت أنا اسم شناشيل، وأثناء عملي في الصحف الكويتية أيضا كتبت عمود أسبوعي كان مخصصا للشأن العراقي باسم شناشيل، وعندما عدت إلى العراق كتبت عمودي في “المدى” بنفس الاسم، وفكرته إن الشناشيل معروفة بكونها ذاك الجزء الأعلى المطل من المنازل إلى الشارع “الدربونة” التي تمثل العراق والشناشيل بمثابة العين التي تطل على أحوال العراقيين”.

فساد العراق..

وفي مقالة كتبها في صحيفة المدى بعنوان (فساد العراق.. المهمة المستحيلة) يقول “عدنان حسين”: “هل سيمرّ يوم على العراق ولا يكون فيه شحاذ أو حرامٍ محتال من النوع الذي يُضجّ بهم الآن من كل صنف في السنين الأخيرة؟ هذا السؤال له ما يبرّر طرحه، فالعراق من أكثر الدول العربية فساداً، ويبدو ضرباً من الأوهام البعيدة والتمنيات العزيزة للغاية ألا نرى وزيراً أو وكيلاً أو مديراً فاسداً، فالعراق يتربّع الآن على رأس الدول الأكثر فساداً في العالم، في الميادين المختلفة. وفي العراق لا فرق بين فاسد بعمامة وآخر من دونها… الكل مشارك في لعبة المسافات الطويلة من أجل المال والامتيازات! وسيحتاج العراق إلى وقت طويل ليكون بين الدول الأقل فساداً. الحكومة العراقية الحالية تبدي اهتماماً بالموضوع أكثر من غيرها، لكنها لم تتجاوز بعد الكلام. والمفترض، بحسب تصريحات المسئولين، أنه بدءاً من الأسبوع المقبل ستبدأ خطة لمكافحة الفساد لا يثق بها إلا القليلون. ومن الصعب جداً تصوّر العراق بلا فساد إداري ومالي… أي ألا يكون فيه وزير يأمر مديره بترتيب «الأمور»، أو مدير عام يتفاوض على حصته وحصة غيره من المال الحرام المقتطع من صفقة مليونية مثلاً، أو ألا تكون هناك جماعة سياسية قد تفاوضت مع غيرها من أجل منصب حكومي واشترته بكذا مليون من الدولارات ليسدد الثمن من الرواتب والمغانم، فهذه كلها مما يحسب في العراق الذي لم يزل القهر وخيبة الأمل فيه يقتلان أصحابهما، وعملياً فإن أغلب الوظائف والمناصب العليا موزعة على أساس الحصص الطائفية والقومية”.

ويواصل: “حساب الفاسدين في العراق غير معتاد، هم يسرقون على هواهم المليارات ومئات الملايين من الدولارات، لكنهم لا يرغبون في الإفصاح عن شخصياتهم وفضح أمورهم، أي واحد يكشف أمره فسيفكر بكشف آخر فاسد مقابله، فالجميع متوفرة لديه الوثائق الصحيحة والمزورة اللازمة للإدانة! والقاعدة الذهبية هنا: اسكت عني أسكت عنك. هذه كانت القاعدة لنهب ما يزيد على 6000 مليار دولار من أموال النفط العراقي منذ 2003 حتى الآن، كلها تقريباً راحت إلى حسابات مسئولين حزبيين بدعوى أنهم ناضلوا ضد ديكتاتورية صدام حسين. والواقع أن بعضهم لم يناضل دقيقة واحدة في حياته، بل كان مع صدام حتى النهاية. ليس عبد المهدي الرجل المناسب لهذه المهمة الصعبة، بل المستحيلة، كما تبدو، فهو ليس الأقوى بين أقرانه قادة الكتل والأحزاب الذين يمكن لهم في أي لحظة الاتفاق ضده. أظن أن أفضل شيء أن يجري التوافق مع هؤلاء على إعادة الأموال التي نهبوها مقابل العفو عنهم كلياً أو جزئياً، على أن يرتبط أمر التسوية بحرمان الفاسدين من تولي مناصب حكومية وبرلمانية واقتصادية وتنفيذه لمدة عشر سنوات على الأقل. هذا لضمان ألا يخرج الحرامي من الباب ليدخل من الشباك. العقبة الكبرى الأخرى هي قانون العفو العام، وهذا مما يلزم إعادة النظر فيه من أجل عدم السماح للقتلة والفاسدين بالإفلات من العقاب”.

وفاته..

توفي مساء الخميس 10 أكتوبر 2019، الكاتب والصحفي العراقي، “عدنان حسين” في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة