لفتت نظري- دون العادة – على مكتب شخص، تأخر عن استقبالي، في موعدنا المحدد، ساعة رملية صغيرة، مثبت عليها الوقت المحدد، لإفراغها الرمل من جهة إلى أخرى؛ فقررت اختبار دقتها، فقارنت الفترة مع ساعة إلكترونية، فتفاجأت بأن الفرق، كان كبيراً جداً، فإن الوقت المستغرق، تجاوز الرقم المثبت بكثير؛ فهل عدوى عدم إحترام التوقيت، انتقلت إلى الشيء الوحيد، الذي نعتمد عليه في ضبط الوقت؟! اذ اني أصبحت غير واثق، من دقة جميع أنواع الساعات.
احتاج الانسان لاكتشاف الوقت، و لا أعرف صراحةً، هل اكتشفت الساعة وأجزاءها أولاً، أم هل كان اكتشاف اليوم ومضاعفته هو الأول؟ لكن المهم ان هذه التقسيمات، ساهمت كثيراً في تنظيم حياة الانسان، وجدولتها حسب ترتيب موحد، يجعل من السهل، مراجعة الماضي، والتخطيط للمستقبل.
تفتخر الدول المتقدمة، أن احترام الوقت، كان أهم أولوياتها، و العامل الأهم في تسريع عجلة التطور؛ فاحترام الوقت، تعدى كونه ضرورة، فأصبح ثقافة شعبية، من لا يلتزم بها، يلاقي استهجان، و عدم رغبة في التعامل، من قبل الآخرين؛ وهذا ينصب في جميع الأخلاقيات المجتمعية، و قد تضطر الحكومة، لفرض قوانين، تحدد هذه الالتزامات، لكنها لن تستطيع أن تراقب كل مواطن، لذلك يجب أن يكون المواطن، هو الضابط لنفسه ولغيره، وهذا ينشأ من اقتناعه، بأهمية القوانين، و مردوداتها الإيجابية.
تختلف الحالة في البلدان العربية، فإحترام القوانين، و الوقت بالذات، يعتبر غباءً وخوفاً من العقاب، لذلك متى ما سنحت الفرصة للتجاوز، لا نتردد باستغلالها، فخورين بأننا شجعان، لكسرنا قوانين، وضعت لمصلحتنا؛ لأننا نرى، أن من يضع هذه القوانين، هو أول المتجاوزين، فلن نقتنع بالسير في طابور، يظهرنا ضعفاء خاضعين، في حين نستطيع تجاوزه، بالواسطة أو بالصوت العالي مثلاً!
نتعمد التأخر في مواعيدنا، لإعطاء انطباع الترفع، فإن من يحضر في الموعد- حسب ثقافتنا الدارجة- فهو خائف من عقوبة، أو متلهف للموعد، وهذا يعطي فكرة سيئة لدى المقابل، حتى ان الكثير من خبراء العمل، ينصحون بالتأخر في حضور أي اجتماع عمل، كي يشعر المقابل، بأنك مستغنٍ عما لديه، لكن ليست لديك مشكلة ان أخذت فكرة! وهذا قد يكون أسلوب موجود حتى في سوق العمل الأجنبية، بشكل مقنن ومدروس، لكن في مجتمعاتنا، يشمل جميع التعاملات.
أصبح عندي توقع، أن عدم إحترام الوقت، ليس عادة تعودناها، بل السبب هو اختلاف مرور الوقت في ساعاتنا، يعني أن العدوى لم تنتقل من صاحبي، المتأخر عن موعده معي، الى الساعة الرملية، بل العكس؛ فقد يكون توقيت ساعته، لازال مبكراً، بينما تأخر التوقيت حسب ساعتي؛ و إن هذه المشكلة المجتمعية، ليست عادة اخلاقية سيئة، بل فرق توقيت!
من يدري، قد نكون ظلمنا، الدكتور عادل عبد المهدي، حين اتهمناه بعدم الالتزام، بالسنة التي حُددت له، لإحداث إصلاحات، فقد تكون السنة، لم تنته بعد، حسب توقيته!