” لا يوجد شيء… أسوأ من الخوف نفسه… ومواجهة العرب لخوفهم العميق على حقيقته… بصدق ووضوح وشجاعة… هي السبيل الأوحد إمامهم… لأجل إدراك النمو والوعي والنضج الإنساني !!!”
تشعر الكثير من الشعوب العربية بالقلق المتفاقم إزاء الأوضاع السياسية والحياتية لأوطانها التي هوت أحوالها واحتضرت بسرعة متناهية، والتي لم يعد لها ولا حتى جذوة أو بصيص أمل في نهاية النفق الحياتي لأي تحسن في مستويات ومجريات الحياة اليومية، وتفاقم فيها الفساد المتشبث بمفاصل حكوماتها وبطرق علنية ونكرة ومنكرة ونكيرة، ولأني منكم واليكم وتابعتكم مليا فلذا اسمحوا لي إن اقول إنه وأمام كل ذلك، فلم يتبقى لنا ولكم سوى العمل على تشكيل مستقبلنا بأنفسنا بدلاً من الاستمرار في أجبار ذاتنا على التكيف مع الوضع السياسي الخانق, ولذلك ينبغي لنا أن تتوقع حتما وقوع بعضا من المآسي الرهيبة لأن المسار الذي اتخذته حكوماتنا يتطلب اجترار دعم الأغلبية الساحقة والمسحوقة والمحفوفة بالمخاطر والقهر بشكل مفرط، ومع اضمحلال الحلول والتغيرات وتقاعس ساستنا واحزابهم وكتلهم عن فعل شيئا يذكر حتى لو كان بسيطا! فنرى إن الحل الاوحد يتمحور بضرورة إيجاد سبل ووسائل حضارية وواقعية لمعالجة الأزمات, وهناك وسيلة حضارية ملائمة عبر تنظيم حملة لتوضيح خطر مجريات السياسات والثقافات المائعة المرتهنة والملتحفة بالدول الاجنبية المتسيدة للواقع السياسي العربي, كما ويمكن لحملة كهذه أن تؤثر على تشكيل ندية الرأي العربي العام، ولكنها ستتطلب أموالاً هائلة ولا يمكن أن تكون النتائج المرجوة منها فورية بينما الشعوب العربية بحاجة إلى تحرك وفعل حاسم وحازم وسريع!!
ولذا فقد يقترح البعض استخدام القوة ولكن هذا امرا مستبعد تمامًا إذ يمكن للعنف أن يخرج عن نطاق السيطرة وأن ينفرنا وينفر بعضا من جماهير الشعب والذين نحن وهم نعتبره غير مقبول إذ يمكن للعنف إن يستخدم بيد الإرهابيين أو الفوضويين في محاولاتهم لتقديمنا كجمهور بنماذج همجية ومتطرفة, وبالتالي فنحن بحاجة إلى إستراتيجية تقوم على الاعتراف بأن الاستمرار في تنفيذ سياسات استعباد واستبعاد الشعوب ستزيد من مخاطر العنف السياسي والجسدي وتزيد من تحجيم المكانة الدولية لبلادنا ولذلك فإن البديل الوحيد المقبول هو : “حملة العصيان المدني اللا عنفي”. وهنا يتبادر لذهننا السؤال المنطقي في ماهية العصيان المدني اللاعنفي؟ يتمثل العصيان المدني اللا عنفي في رفض الامتثال للقوانين التي تتعارض مع مبدأ العدالة الأخلاقية وفي انتهاك القوانين والنظام العام لتغيير سياسة الحكومات غير الأخلاقية، وينظر إلى هذا النوع من الاحتجاج في العالم ككل على أنه حق الفرد في مجتمع حر، والذي يدفعنا لان نرى انه من الضروري إن تسمح المدارس والجامعات العامة والخاصة بوجوب تدريس ونشر فكرة ونظرية أنه يجب انتهاك القوانين في بعض الأحيان إن تنافت تلك القوانين مع مبدأ العدالة لان العدالة فوق القانون، وعلى كل فرد فينا أن يتصرف وفقا لمبادئ العدالة حتى لو تعارض ذلك مع سياسات وقوانين الدول، والفرد حر في التصرف وفقا لإملاءات ضميره وضمير المجتمع العام حتى لو كان على حساب إزعاج النظام العام!! وإن مسؤولية الافراد تتحدد في حماية الحرية ومكافحة الظلم من خلال العصيان المدني غير العنيف الذي يمكنه أن يضمن وجود مجتمع حر، فالعصيان المدني المطبق بدرجة مناسبة من ضبط النفس والحكمة يساعد في الحفاظ على مؤسسة العدالة وتعزيزها ومن خلال التصدي للظلم في إطار سيادة القانون يتم منع انتهاكات العدالة وتصحيحها إن وجدت وبذلك يتترجم الاحتمال الأساسي لحملة العصيان المدني بجلب عنصر الاستقرار إلى المجتمع.
ان العصيان اللا عنفي لا يعني المقاومة المدنية لان المقاومة تعني الانقسام والمعارضة وذلك يعني وبشكل منهجي رفض أساسي للنظام والحكومة، وهنا نبين إن العصيان المدني اللا عنفي هو ليس مقاومة ولا تمرد, أنما عملية سلمية تتم في سياق المجتمع المدني ويجب أن يلتزم الأشخاص الذين يقررونه بالقانون المعقول والنظام السلمي على إن يشترك به وبصدق معظم ابناء الشعب فعلا وصوتا كما ويجب على الجميع السعي وبحرص للحفاظ على الاستقرار والامن في البلاد، وإضافة لما تقدم فأنه يجب على كل شخص يشارك في العصيان السلمي ألا يتصرف من منصب مراقب خارجي بل كعضو نشط في المجتمع الذي يحاول اصلاحه وتغييره ويجب أيضا عليه الالتزام بالقواعد الأخلاقية والديمقراطية حتى وان كان رافضًا قوانين أو سياسات محددة يعتبرها غير أخلاقية وغير عادلة، وكما نؤكد أنه لا يجب أطاعة أي قانون ظالم، لكن كيف يمكن لنا إن نميز القانون العادل عن القانون الظالم؟ إن القانون العادل هو قاعدة قانونية أنشأها الإنسان ومتسقة مع قانون أخلاقي أو هو من شريعة الله, بينما القانون الظالم فلا ينسجم مع الشرائع السماوية ولا حتى مع القوانين الأخلاقية.
إن جميع الاستنتاجات توحي بأن الاستجابة الممكنة والفعالة الوحيدة للتكتيكات الحكومية غير الأخلاقية وغير الشرعية هي حملة ضخمة من العصيان المدني اللا عنفي وتبرز هذه الحملة بوضوح التناقض بين الإيديولوجية والقلق بشأن مصير البلاد والشعوب, ومثل تلك الحملة ستجعل الجمهور يدرك أن المشكلة تتعدى مسألة ما إذا كانت الدساتير والقوانين سيئة أو جيدة، وان العمل المباشر اللا عنفي هو بحقيقته يسعى إلى صنع مثل تلك الضغوط والأزمات التي من شأنها أن تجبر المجتمع إن يلاحظ المشكلة وإن يسعى لمواجهتها, وسياسيا فأن ذلك العمل سيكشف الحقيقة, وإنه كإجراءً مباشراً قد يُجبر الحكومات على دحض التهم الموجهة إليها علناً وربما حتى اتخاذ بعض الإجراءات لإقناع الجمهور بزيف تلك التهم ولربما سيجبرها على قول الحقيقة لإنقاذ سمعتها، ومن المستحيل تحقيق الهدف من دون إظهار الاستعداد للتضحية بالذات, فلذا علينا اليوم أن نجعل من إعتصامات السلم حقيقة والبحث عن طرق أخرى للتعبير عن رأي الشعب وتطبيقها بلا عنف وأن نكون مستعدين للذهاب لتطبيقها وتفعيلها لأسابيع وأشهر متواصلة وعبر ذلك سيشاهد الجميع الوجه الحقيقي للحكومات وهي تنتهك وتحطم حقوق الشعوب، كما ويجب استبعاد رد المعتصمين على العنف الموجه ضدهم ومن الضروري أن نوضح مراراً وتكراراً أنه يجب ألا يشاركوا بمساقات الظلم والوحشية في النضال السياسي لأن النصر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفوق الأخلاقي للمعتصمين وإن الرد بالعنف على العنف لا يحقق الأهداف الشعبية وإنما فقط يلحق الأذى بالقضايا الوطنية وأرواح المعتصمين، وتجاه ذلك يجب أن يفهم العالم أننا كشعوب مضطهدين ونحن لسنا إرهابيين ولا نقاوم بالعنف بل باللا عنف، وان نجحنا بتعميم ونشر ذلك فإن سلاح الدعاية الذي كان يوجه ضدنا سيخرج من أيدي أعدائنا ليكون في صالحنا وستكون هذه الحملة اللا عنفية أداة قوية للتغيير الاجتماعي والسياسي.
واخيرا لا يجب تفسير هذه المقالة على أنها خطة لحملة مفصلة إذ يجب تطوير هذه النظرية الاستراتيجية بعناية من قبل مجموعة من النشطاء كل حسب دولته ومجتمعه والذين سيتحملون مسؤولية بدء الحملة اللا عنفية وتحويلها إلى إستراتيجية اجرائية وتطبيقية, ولا يمكن تحقيق النجاح من دون الصدق والوطنية والمثابرة، ونوصي المعتصمين إنه لا ينبغي الخوف ويجب عليهم أن انسحبوا، إن يعودوا إلى موقع الاعتصامات مراراً وتكراراً، وليطمئنوا فلن يكون أمام السلطات الحاكمة من خيار سوى الرضوخ لمطالبهم المشروعة، أو استخدام القوة والتي كل نوع منها يستخدم سيعني ويترجم في النهاية عن انه شهادة انتصار للمعتصمين ودليل موثق على وجوب الأيمان بحق رفض الخوف والتواصل الجاد لتحقيق أهداف الشعوب بصنع أنظمة حكم رشيدة،،، ولنوقن أبدا : ” ان العدالة دوما… فوق كل قانون !!!”