18 نوفمبر، 2024 7:15 ص
Search
Close this search box.

اقتحام السجون … ذات المقدمات والنتائج

اقتحام السجون … ذات المقدمات والنتائج

مرة اخرى يتكرر سيناريو اقتحام السجون العراقية، وتهريب عدد غير قليل من الارهابيين المنتمين لتنظيم القاعدة منها. ومرة اخرى تتكرر نفس ردود الأفعال وآليات التعاطي مع الحدث، سواء من قبل الجهات التنفيذية المسؤولة أو من الجهات الاخرى المعنية بصورة او بأخرى بمجمل مجريات الامور في المشهد العراقي العام.
   قبل عملية اقتحام سجني “الحوت” في التاجي، و”بغداد المركزي” في ابو غريب، مساء الثلاثاء الماضي، كانت قد تعرضت سجون عديدة ومراكز امنية حساسة خلال العامين الماضيين لعمليات مماثلة، مثلما حصل لمديرية مكافحة الارهاب في بغداد، ووزارة العدل، وسجن تسفيرات صلاح الدين (تكريت)، والمجمع الحكومي في الانبار (الرمادي)، وسجون ومؤسسات اخرى، كان سجن التاجي واحدا منها.
   وهذه نقطة جوهرية ومهمة للغاية، ومنها تبرز نقاط اخرى تشكل بمجموعها صورة المشهد، بما فيها من مكامن خلل وضعف خطيرة على صعيد الاداء والجدية ومستوى الشعور بالمسؤولية، وتحديد الاولويات.
 
   كيف حصلت عملية اقتحام سجني التاجي وابو غريب؟…
   هذا التساؤل مهم جدا باعتباره يفتح باب الاجابة عن الكثير من الاستفهامات والاثارات التي تبحث في جانب منها عن توضيحات مقنعة، وفي جانب اخر منها تنتقد ما هو قائم من سياقات ومعالجات اثبتت التجارب انها عقيمة وبائسة ولا جدوى منها بالمطلق.
   ووفق مصادر حكومية رسمية، ومصادر غير رسمية، ووفق البيان الذي اصدره تنظيم ما يسمى بـ”دولة العراق الاسلامية” الذي اعلن مسؤوليته عن العملية، فإن عملية الاقتحام تمت على عدة مراحل. المرحلة الاولى تمثلت بقصف مباني السجنين والمواقع القريبة منهما بقذائف الهاون وصواريخ غراد، الى جانب مهاجمة نقاط التفتيش المرابطة على الطرق المؤدية للسجنين، وإشغالها ـ ان لم يكن اخراجها من دائرة المواجهة ـ وكان الهدف من المرحلة الاولى هو احداث اكبر قدر ممكن من الارباك والفوضى في صفوف ادارات السجنين والنزلاء، ليتم الشروع بالمرحلة الثانية، المتمثلة بتفجير سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة عند مداخل السجنين ومواقع اخرى، وقيل انه تم تفجير اثنتي عشرة سيارة مفخخة وحزاما ناسفا، مهدت أو ادت الى فتح بعض بوابات السجنين، وتدمير عدد من نقاط الحراسة وأبراج المراقبة، اما المرحلة الثالثة فقد تمثلت بدخول مجاميع مسلحة لباحات السجنين والزنازين، لتبدأ عملية تحرير السجناء.
   ويبدو ان عملية تحرير السجناء لم تستغرق وقتا طويلا، لان الخطوات التي سبقتها، وبإيقاعاتها السريعة، اختصرت الوقت، والايقاعات السريعة ارتبطت، كما هي الحال في كل مرة بعدم جاهزية واستعداد القوات الامنية العراقية لعمليات مثل هذه، وارتباكها وتخبطها الشديدين في التعاطي مع الموقف.
   طريقة الاقتحام والوقت المستغرق، مثلا احدى ابرز النقاط المساهمة في رسم صورة المشهد العام، والتي تحتاج الى وقفة طويلة.
 
   اما النقطة الثانية، فهي النتائج والمعطيات التي خرجت بها عملية اقتحام السجنين، فبينما حاولت الجهات الرسمية في وزارة الداخلية التقليل من حجم الخسائر البشرية، وأعداد السجناء الفارين، اكد اعضاء في لجنة الامن والدفاع البرلمانية ان الخسائر في صفوف منتسبي ادارات السجنين والنزلاء لم تكن قليلة، ناهيك عن ان عدد السجناء الذين تم تحريرهم تجاوز الخمسمئة سجين، وربما يكون قد ناهز الالف.
   النقطة الثالثة، ترتبط بطبيعة السجناء الفارين، فالمعروف ان اغلب نزلاء هذين السجنين هم من عناصر تنظيم القاعدة، الذين كانوا يقبعون في سجون بوكا في البصرة وكروبر في بغداد، وسجون اخرى كانت تخضع لسيطرة واشراف القوات الاميركية قبل انسحابها النهائي اواخر عام 2011، وفيما بعد ارتأت السلطات العراقية اغلاقها ونقل نزلائها الى سجون اخرى وبإدارات عراقية صرفة، وهذا يعني ان القسم الاكبر من الفارين هم ارهابيون ـ اما قياديون في تنظيم القاعدة او من عموم منتسبي التنظيم ـ وان عددا لا بأس به منهم محكومون بالاعدام، او ان الجرائم المرتكبة من قبلهم تجعل من احكام الاعدام بحقهم امرا طبيعيا جدا.
   النقطة الرابعة، تتمثل في انه من الخطأ توقع او افتراض ان هذه الاعداد الكبيرة من السجناء الفارين، سيفكرون بالنفاذ بجلودهم، بل ان اول ما يفكرون به ويخططون له هو تنفيذ المزيد من العمليات الارهابية، لتحرير اعداد اخرى من رفاقهم في السجون، ولإزهاق وسفك المزيد من الارواح والدماء، والعمل على افشال وتخريب ما تحقق من منجزات ومكاسب على الاصعدة الامنية والسياسية والاقتصادية في العراق.
   وتتحدث بعض الاوساط عن ان هؤلاء الفارين سيتجهون الى سوريا لدعم ومساندة الجماعات المسلحة المعارضة لنظام الحكم في هذا البلد، وسواء صحت هذه الفرضية، او انهم اعادوا تنظيم صفوفهم في داخل العراق، فإنه في كل الاحوال سينعكس الامر سلبا على الاوضاع الامنية في كل من العراق وسوريا على السواء، لأن عناصر التأزيم والاهداف والاجندات والمخططات واحدة، وكلاً منها يكمل الاخر.
   وطبيعي جدا ان تكون وجهة السجناء الفارين الى مناطق تقع غرب وشمال العاصمة بغداد، مثل ابو غريب والعامرية والفلوجة والرمادي وسامراء، بحكم الموقع الجغرافي للسجنين، ووجود مواطئ قدم ومراكز لتنظيم القاعدة هناك، ناهيك عن صعوبة تعقبهم وملاحقتهم من قبل اجهزة الحكومة.
   اما النقطة الاخرى ـ الخامسة ـ فتتعلق بطبيعة ردود فعل الحكومة، والتي تمثلت بعقد اجتماع طارئ لخلية الازمة التي يترأسها القائد العام للقوات المسلحة والمسؤول الاول عن الملف الامني نوري المالكي، وتضم في عضويتها كبار المسؤولين في وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني وجهاز المخابرات، وما خرج به الاجتماع هو تحصيل حاصل، وتكرار لما قيل في ظروف وأحداث مشابهة في السابق.
   ومجمل المعطيات التي تبلورت لدى خلية الازمة، هو وجود تواطؤ من قبل بعض الحراس الاصلاحيين لسجني التاجي وابو غريب مع الجماعات الارهابية، ولم تكن هناك اي اشارة لا من قريب ولا من بعيد الى طبيعة ومستوى اداء القوات الامنية. وترافق عرض تقرير خلية الازمة مع تصريحات للمالكي حمل فيها مسؤولية تدهور الوضع الامني في البلاد للقوى السياسية المختلفة، لا سيما التي تمتلك ميليشيات مسلحة، وهو ما خلق ردود فعل حادة وغاضبة، صعدت من منحى تبادل الاتهامات، وطرح الحلول والخيارات الصعبة والمعقدة، وغياب لغة العقل والمنطق.
   وفي خضم الاجواء المتأزمة نقلت بعض وسائل الاعلام العراقية تحذيرات جاءت على لسان مسؤول امني رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته، من “ان اياما سوداء تنتظر العراق بعد هروب قادة كبار من تنظيم القاعدة خلال عملية اقتحام سجني التاجي وابو غريب، التي اطلق عليها تنظيم دولة العراق الاسلامية عملية “قهر الطواغيت”، واعتبرها تكليلا لعملية “هدم الاسوار” التي اطلقها في شهر اب/اغسطس من العام الماضي بمحاولة اقتحام مبنى مكافحة الارهاب وسط العاصمة بغداد.
   ولعل تحذيرات المسؤول الامني الرفيع، وإن لم تكن مؤكدة، فإنها في واقع الامر تعبر عن مخاوف وهواجس طيف سياسي واجتماعي واسع في العراق، من تبعات وآثار عملية الاقتحام الاخيرة، ولا سيما انها جاءت في ظل تراجع امني واضح شهدته العاصمة بغداد، ومدن عراقية اخرى خلال الشهرين الماضيين، كان اخر مؤشراته سلسلة العمليات الارهابية التي ضربت مناطق عديدة في بغداد قبل يومين من عملية اقتحام السجنين، وأسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، اذ انها وقعت بعد موعد الافطار بساعة ونصف تقريبا.
   وما يزيد من حجم المخاوف والهواجس، هو استمرار حالة الشحن والشد السياسي بعناوينه المختلفة، وغياب القدر المطلوب من التوافق والتفاهم الذي من شأنه ان يساهم في تحسين الاوضاع الحياتية لأبناء الشعب، ويقطع الطريق على الجماعات الارهابية. وتترسخ لدى البعض ـ او لدى الكثيرين ـ حقيقة عدم وجود حلول ومعالجات واقعية وعملية في الافق، بغياب اي خطط وإجراءات حقيقية لإصلاح واقع المؤسسات الامنية والعسكرية العراقية، التي تمتاز بكثرة اعداد منتسبيها، وميزانياتها الضخمة، مع استشراء الفساد الاداري والمالي فيها، واختراق الكثير من مفاصلها من قبل تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل، ناهيك عن تأثيرات الواقع السياسي بجوانبه السلبية عليها.
   ولعل على المعنيين بزمام الملف الامني في العراق ان يتذكروا ويتوقفوا عند ما قاله زعيم “دولة العراق الاسلامية” المدعو ابو بكر البغدادي، في مثل هذا الوقت من العام الماضي بعد عملية الهجوم على مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة… اذ قال في تسجيل صوتي “أزفّ اليكم الاخبار الجيدة، سنبدأ مرحلة جديدة في صراعنا بخطة اطلقنا عليها اسم (هدم الاسوار)، ونذكركم بأن اولويتكم هي تحرير المسلمين الاسرى، وعلى رأس اهدافكم ملاحقة القضاة والمحققين والحراس وتصفيتهم”.
[email protected]

أحدث المقالات