يروى أن (الحارث ابن عُباد البكري)، وهو حكيم وفارس فيالجاهلية، عرض على (أبو ليلى المهلهل)، المطالب بدم أخيه ( كليباً )، إبنه ( بجيراً) ليقتله مقابل إنهاء (حرب البسوس) التي قامت بين أبناء العمومة، (البكريين ) و ( التغلبيين )؛ فقتله (أبو ليلى ) بطريقة مهينة، فضاع دم الفتى، و دخلالحارث طرفاً في الحرب، ثأراً لولده، بعد أن كان وسيطاًلحلها.
العساكر أقل الناس حظاً، فهم المقدمون في الحرب، و أولالمستبعدين أيام السلام، كأنهم ماضٍ أسود، نرفض تذكرهم،لكن هل يستحقون منا هذا؟!
كلنا نعرف، أن الحرب تبدأ وتنتهي بالسياسة، وكل ما يحدثبينهما، يدفن بدون شاخص قبر، ولا يبقى منه سوىذكريات، لضحايا قدموا جهودهم، لحرب ليس لهم رأي، فيإشعالها أو إخمادها، فهم إما ضحايا مدنيين، مصيرهمالتهجير والترويع، أو عساكر مأمورون، لا يملكون غيرالطاعة.
داعش لم يكن إختراق أمني فحسب، بل كان أزمة كبيرة فيتاريخ العراق، فرزت المساحات الوطنية، فكان أعظم دور،لأبطال التحرير، من القوات النظامية والحشد الشعبي،حيث أثبتوا أننا نختلف في الجزئيات، لكن تجمعنا أرضناالطاهرة، التي ترفض إستقبال، حتى جثث خائنيها.
هذه الأزمة بمثابة تصفية حسابات، لأطراف عدة، دفع ثمنهاالعراق غالياً، دماء أولاده؛ لكنها أظهرته كرقم صعب، يجب أنيعيدوا التفكير في معاملته؛ فلديه الآن، أقوى جهاز مكافحةإرهاب، في الشرق الأوسط، و أكبر عدد، من المدنيين المدربينعسكرياً، تجعله مصدر خطر، على عروشهم؛ فتجب معاملتهبحذر شديد، و التدمير الداخلي للقوة، التي تسببوا بالخطأفي نشأتها.
حرب الخليج الثالثة المُحتملة، أهم إفرازات إندحار داعش،فقد سقطت الأقنعة، و عرفت أطراف النزاع، ونجحنا في رميالجمرة، في أحضان مشعليها؛ لكن الخطر لم يبتعد، فإشتعال حرب إقليمية، يضعنا داخل المحرقة، لموقعناالوسيط بين الدول المتنازعة، جغرافياً أو سياسياً، فلسنامحسوبين على أحد المعسكرين، الشرقي أو الغربي، وهذايتطلب لعب دور الوساطة، لإيقاف الكارثة، التي لن نكون أقلالخاسرين فيها، إن لم نكن أكثرهم.
تحركات الزعامات العراقية، الحكومية والحزبية، لحل الأزمة،كانت مكوكية، و لها تأثير إيجابي، في تغيير تصريحاتالأطراف، فأصبحت هناك نية،للتهدئة و الحلولالديبلوماسية، وهذا يضعنا في موقع سياسي، نحتاجههذه الفترة، وهو ظهورنا كدولة تنتعش، و من مصلحة الكل،أن يكونوا شركاء، أو يصبحوا الخاسر الأكبر.
يضطر الوسيط في النزاع، أن يخسر شيء، مقابل إحلالالسلام، وهذا موجود حتى عشائرياً، منذ أيام ( ابن عُباد) وحتى يومنا هذا؛ ويبدو أن العراق، سلك هذا الطريق،فضحى بأبطاله، الذين ليس آخرهم الفريق الركن ( عبدالوهاب الساعدي) واللواء ( أبو الوليد)، فكأن أحد الأطراف،الذي عاد القائد العام منه مؤخراً، اشترط لقبول الوساطة،التخلص من الرموز الوطنية، الذين حطَّموا داعش! فنغصواعليه حياته، فلا يحب وجودهم في المستقبل، خصوصا أنمنهم من إقترب من منصب سيادي، له نتائج سلبية عليه!
نترقب زيارة، إلى الطرف الأخر، الذي تضرر، من وجودالرموز الوطنية، كونها سلبته دور المحرر، فالمتوقع أن يمليبعض الشروط، لقبول الوساطة، قد تتضمن، أسماء تعزل عنالساحة، فمن الضحية القادمة؟
إذا كانت التضحيات، ستحقن الدماء، وتقطع نهر الدم بينالأطراف، الذي سيكون أهم روافده، الدم العراقي؛ فهي ثمنمقبول، والضحايا أنفسهم سيقبلون بدورهم، كختاملتاريخهم المشرِّف، ويكونوا سبب غير مباشر، لحقن الدماء؛لكن اذا كانت تضحياتنا، كتضحية ( الحارث)، فأخوتهممستعدون، للثأر لهم، و يردوا الإهانة، بطريقة لن تخطر علىبال أحد.