الدستور العراقي \ الديباجة ( نحنُ ابناء وادي الرافدين موطن الرسل والأنبياء ومثوى الائمة الأطهار ومهد الحضارة وصناع الكتابة ورواد الزراعة ووضاع الترقيم. على أرضنا سنَّ أولُ قانونٍ وضعه الانسان، وفي وطننا خُطَّ أعرقُ عهد عادل لسياسة الأوطان، وفوقَ ترابنا صلى الصحابةُ والأولياء، ونظَّرَ الفلاسفةُ والعلماء، وأبدعَ الأدباء والشعراء … وأن يسُنَّ من منظومة القيم والمُثُل العليا لرسالات السماء .. )
المادة (2) : اولاً : الاسـلام دين الدولــة الرسمي ، وهـو مصدر أســاس للتشريع : أ ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .
المادة (3) : العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها وجزء من العالم الإسلامي .
المادة ( 17 ) : ثانياً: حرمة المساكن مصونة ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها الا بقرار قضائي ووفقاً للقانون .
المادة (29): اولاً: أـ الاسرة اساس المجتمع ، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية .
المادة (30) اولاً: تكفل الدولة للفرد وللاسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي ، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ ، تؤمن لهم الدخل المناسب ، والسكن الملائم .
المادة (37) ثانياً : تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني .
لاشك ان قانون ( العنف الاسري ) المزمع فرضه على الشعب العراقي معارض لكل هذه النصوص الدستورية التي تفرض على المشرّع احترام دين وثقافة وتقاليد الشعب العراقي . وان مثل هذا القانون يعد انقلاباً على الدستور ومخالفة صريحة لنصوصه . وانه انتهاك صارخ لحرمة الاسرة .
وبغض النظر عن ادخال الأجهزة الأمنية في قضايا الاسرة وتسليط الغرباء على اسرارها فان المادة 13 : ( لا تخضع الشكاوى في قضايا العنف الاسري للاختصاص المكاني ) انتزاع كلي عن الأعراف والتقاليد , اذ لا تتشابه مناطق العراق في عاداتها الاسرية , وبالتالي ما يمكن عده عنفاً في جنوب العراق قد لا يمكن عده كذلك في إقليم كردستان .
اما المادة 15 -أولاً : ( لمن تعرض للعنف الاسري، أو من ينوب عنه قانوناً، تقديم طلب الى القاضي المختص لغرض إصدار قرار الحماية وايداعه في المركز الآمن ) فهي لجوء مباشر للعقلية العسكرية التي لن تترك مجالاً للتصالح , اذ يعرف المشرع ان العقلية العراقية تجاه اللجوء للغريب , ومن ثم سوف تنقسم الاسرة . فضلاً عن اخضاع الاسر لمزاج قاض قد لا يعرف من القيم التربوية شيئا . وبصرف النظر عن كون المراكز الامنة عبأ اقتصادياً جديداً على الدولة فهي – وكما يراد لها – عامل هدم اجتماعي .
وفي المادة 17 ( للقاضي المختص عرض الضحية على اللجان الطبية والنفسية المختصة، واتخاذ ما يلزم لنقلها الى المركز الصحي للعلاج وله تأمين إيوائها في المركز الآمن خلال 48 ساعة ) مفارقة ملفتة , من خلال استخدام الاخصائيين النفسيين في مجتمع عانى الحروب والدكتاتورية والفساد , ومن ثم سيكون كل مجني عليه مفترض يعاني من عدة امراض نفسية , قد لا تكون ناتجة عن العنف الاسري ذاته . ولماذا لا يتم استخدام الاخصائيين النفسيين لفحص الاب العراقي الذي يحرمه قانون الأحوال الشخصية العراقي من حق الحضانة ويجبره على النفقة في تشريع مخالف للشريعة الإسلامية وللديمقراطية .
اما القول في المادة 18 ( يتضمن قرار الحماية إلزام المشكو منه، بتدبير أو أكثر من التدابير الآتية: أولاً: عدم التعرض للضحية وعدم التحريض عليها، أو على أي فرد من أفراد الأسرة أو على مقدم الإخبار. \ ثانياً- منع المشكو منه من دخول منزل الضحية او الاقتراب من أماكن تواجده ) فهو هدم كامل للاسرة , وسلب لحق الأقارب في جمع الطرفين , وتشجيع على الانسلاخ الاسري .
ولا تعني المادة20( اولاً-على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فتح مراكز آمنة لضحايا العنف الاسري في بغداد والمحافظات كافة، لحمايتهم وإعادة تأهيلهم، مع مراعاة الاحتياجات الخاصة لذوي الاعاقة، ويحق للمنظمات غير الحكومية المتخصصة فتح وإدارة المراكز الآمنة بموافقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ) سوى فتح الباب واسعاً امام التجارب الفاشلة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتدمير الحالة النفسية للضحايا , وكذلك منظمات المجتمع المدني الممولة دولياً للعب بالادمغة .
ان الشريعة الإسلامية واضحة في وجوب العمل بتشريعاتها , لا سيما من قبل برلمان تشكل الأحزاب الإسلامية النسبة المهمة فيه . اذ يقول الله تعالى في سورة المائدة : (( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) , وكذلك (( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) , وكذلك (( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) , فكيف ارتضى هؤلاء ان يكونوا ( كافرين , ظالمين , فاسقين ) , وأين هو الإسلام في تشريعاتهم والقوانين الصادرة عنهم .
وكيف لعقول تشريعية تربت في الحضن المليشياوي ان تسنّ قانوناً يناهض العنف الا اذا كان جاهزاً مفروضاً عليهم . فلا يوجد حزب في البرلمان العراقي ليس له ميليشيا او جماعة عنفية , بدليل ان هذه الحكومة ذاتها فرّقت تجمعات الكفاءات العراقية من حملة الشهادات العليا بمنتهى القسوة واللامبالاة دون ان ينبس احد ببنت شفة ممن عمل على سنّ هذا القانون لمنع هذا العنف والهدر , فمن اين جاءهم الحس الإنساني المرهف ! .
ولماذا لم يحيل مجلس الوزراء مثل هذا القانون المهم الى مكتب السيستاني لمراجعته , فلعله يبقى هناك لبضع سنين , او كسنيّ يوسف . ان عدم عرض القانون على المرجعية الدينية فيما عرض غيره سابقاً استهداف واضح للمبادئ الدينية .
ففي كتاب الخلق الحميد في القرآن المجيد عن النبي الاكرم صلى الله عليه و آله : ( خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ , وأَنَا خَيرُكُم لأَهلي . ما أَكرَمَ النِّساءَ إلاّ كَريمٌ و َلا أَهانَهُنَّ إلاّ لَئيمٌ ) . وبالتالي الإسلام اعم من قانون العنف الاسري .
بل في أوروبا ذاتها نجد التأكيد على احترام خصوصية ثقافة كل شعب من شعوبها . ففي ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي نجد ( ان شعوب أوروبا – وهي تنشأ اتحاداً أوثق فيما بينها – تعتزم التشارك في مستقبل آمن قائم على القيم المشتركة. وإدراكاً لتراثه الروحي والأخلاقي – يتأسس الاتحاد على القيم العامة التي لا تتجزأ للكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والتضامن؛ على أساس مبادئ الديموقراطية وسلطان القانون، ويضع الفرد في القلب من أنشطته بالاعتراف بالمواطنة للاتحاد، وبخلق مساحة للحرية والأمن والعدل. يسهم الاتحاد في المحافظة على تنمية هذه القيم المشتركة، بينما يحترم تنوع ثقافات وتقاليد شعوب أوروبا، وكذلك الهويات القومية للدول الأعضاء ) . وبالتالي النظر للموروث الثقافي ليس ببدعة .
وفي المادة 6 من القانون الأساسي لدولة المانيا ( 2 – رعاية الأطفال وتربيتهم هما الحق الطبيعي للأبوين , وأول الواجبات الملقاة على عاتقهما . وتعنى الدولة بمراقبة قيامهما بذلك ) . بل تشدد الفقرة التي تليها على رفض فصل الأطفال عن ابويهما . فكيف تسنى لمشرع مسلم ان يقوم بهذا الخطأ ! . ومن اين جاء بفلسفة الفصل وكسر الاسرة .
اننا ضد كل اشكال العنف , ومع الإسلام في الرحمة بالاسرة . لكننا ضد تشريع قوانين لا فلسفة لها , تريد اخضاع القيم التربوية لنصوص قانونية جامدة , وتسليم الاسرة الى مؤسسات تجهل ما يحدث في البيوت . كما نرفض عدم الاخذ بالحسبان اختلاف الأطر الحضارية العراقية . وان ما تراه المحكمة من صراع مادي قد يكون معنوياً تربوياً في داخل الاب او الام .
وان تشريع مثل هذه القوانين كان يتطلب حواراً مع القبائل العراقية , لا ان يكون وليد عقلية غربوية كهناء ادور .