يقول مثلنا الدارج: “اليثرد يدري والياكل مايدري”.. وأظنني أصيب القول إن قلت أن أغلب ساستنا وأصحاب القرار من قياديينا في مجالسنا الثلاث، هم الذين “ياكلون”.. أما الذين يقع عليهم تعب الـ “ثرد” ويتحملون وزر ما “ينتجه” الآكلون فهم العراقيون، وهم الذين يدركون جيدا تفاصيل مايمر به البلد عن كثب، وكذلك هم في تماس مباشر مع مشاكله، والتي هي بطبيعة الحال من نتاجات الـ “آكلين” وإفرازاتهم. ومن تطلع لما جرى في الساحة العراقية لأكثر من عقد مضى، يتحير بما يمر به البلد من تضاربات في الأحداث، فتارة تبدو له حياة العراقيين على كف عفريت، وعلى شفا حفرة من الهلاك، من جراء تصرفات ساسة من الداخل، تقابلها من الخارج تدخلات إقليمية بأجندات لها أبعاد سياسية او اقتصادية او غيرها. وتارة أخرى تلوح له في الأفق القريب بشائر أمل، ويرى ان الفرج أدنى من قاب قوسين للعراقيين الذين طال انتظارهم له، ولطالما رددوا بحسرة ممزوجة بأمل وألم، بيتي الشعر:
إذا النَّائبـات بلَغْنَ المدى
وكـادت تذوبُ لهنَّ المُهـجْ
و حلَّ البلاء وبان العزاء
فعند التناهي يكونُ الفرَجْ
ذلك ان الخلافات والاختلافات التي يختلقها ويتبادلها ساستنا بتفنن متقن، أضحت منذ اعتلوا سدة الحكم، هي السمة البارزة والطبيعة السائدة لسياسة البلد، وكأن سياسيينا فطموا على بيضة “دجاجة هراتية” فصار العراك والـ “مناگر” ديدنهم في اجتماعاتهم وجلساتهم، ووضعو مصلحة الوطن والمواطن جانبا.
أما مايلوح من بشائر أمل من تصريح هذا المسؤول، أو بيان من تلك الجهة، فهو على مايبدو سراب في صحراء أرادها المغرضون بديلا عن رياض العراق وجنانه. وما المماطلات والمماحكات والتجاذبات إلا معوقات لم يعد لها صدى بعد ان صدئت، وفاحت روائح كثيرة، منها رائحة التقاعس ورائحة الغدر بالعهود، وعدم إيفاء الوعود. وفي حقيقة الأمر أن الذقون لم تعد مرتعا لضحكهم، بل آن الأوان لهم أن يتحذروا من رد فعل المواطن المسلوب حقه، وليحذروا من استجابة دعاء المظلومين، وهم عالمون باي منقلب ينقلب الظالمون. فهل هم حقا يحملون النوايا السليمة لوطنهم؟ وهل يعدّون منصبهم ووظيفتهم ومسؤوليتهم تكليفات وطنية وأخلاقية؟ أم يعدّونها فوزا وصفقات تضاف الى مآربهم النفعية.
لقد مر البلد بمآزق لاأظن شعبا ثانيا على وجه الكرة الأرضية يتحمل الأضرار التي أصابته من جرائها، آخرها ضياع أراضٍ شاسعة من وطنه، وتعرض أخوانه وأهله في محافظاتهم الى مصائب وأهوال، لاتحتوي وصفها صفحات ومجلدات لو أردنا حصرها.
إن المواطن ياساسة ويامسؤولون.. لم يعد ينطلي عليه ماكنتم تمررونه بالأمس، وعليكم مداراة هذا الجانب وتغيير سياستكم، فمن يدري.. ومن يضمن..؟ لعل ثورة ما تفضي الى سَورة غضب عارمة، تتفجر تحت وطأة الشد التي يعاني منها ملايين العباد في البلاد، يومها لاينفع الساسة الآكلين “ثريد” ولاجاه.. ولامال.. ولابنون.. بل ستتجسد فيهم الأبيات التالية:
واخش مناقشة الحساب فإنه لابد يحصى ماجنيت ويكتب
لم ينسـه الملكان حين نسـيته بـل أثبتــاه وأنت لاه تلعـب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتهـا متــاع يذهب
وجميع ماحصلتـه وجمعـته حقا يقينـا بعد موتـك ينهب