19 نوفمبر، 2024 7:35 م
Search
Close this search box.

عبد الوارث عسر.. المصري البسيط الذي كتب الشعر وأجاد الإلقاء

عبد الوارث عسر.. المصري البسيط الذي كتب الشعر وأجاد الإلقاء

 

خاص: إعداد – سماح عادل

“عبد الوارث عسر” ممثل مصري، كان والده محاميا ناجحا، ولد في 16 سبتمبر من 1894 فى حى الجمالية، وكان يهوى الفن منذ طفولته إضافة إلى حبه للقراءة، التحق بكلية الحقوق ولكنه تركها بعد وفاة والده وتفرغ لرعاية أملاك الأسرة ورعاية شئونها، كما عمل كاتب حسابات بوزارة المالية، تعلم تجويد القرآن في الكتاب منذ الصغر. أتقن فن الإلقاء بعد ذلك وعلمه لكثير من النجوم في السينما المصرية، وكان شغوفا أثناء دراسته للبكالوريا بمشاهدة العروض المسرحية وهو خريج مدرسة التوفيقية الثانوية بنين. درس اللغة العربية دراسة حرة حتى أصبح من المتفقهين فيها، وله ديوان شعر مشهور نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب.

أنصار النمثيل..

انضم “عبد الوارث عسر” إلى جمعية أنصار التمثيل ثم خطفه “جورج أبيض” ليكون أحد أعضاء فرقته، كما التحق بوظيفة بوزارة المالية. وبدأ يشق طريقه الفني، حاول مع صديقيه “سليمان نجيب” و”محمد كريم” النهوض بفن التمثيل والتأليف والإخراج، وكانت مهمة “عبد الوارث عسر” هي تدريب الوجوه الجديدة.

استطاع أن يعلم الممثلين فن الإلقاء الذي أتقنه، وكتب كتابا بعنوان “فن الإلقاء” ما يزال حتى اليوم من أهم كتب تعليم التمثيل. كما أنه لم يكتف بالتمثيل بل كتب أفلاما وسيناريوهات وترجم موضوعات عديدة. ومن أهم الأعمال التي شارك في كتابتها “جنون الحب”، “يوم سعيد”، “لست ملاكا”، “زينب”.

حصل على جائزة أفضل سيناريو عن فيلم “جنون الحب” وعلى جائزة الدولة التقديرية ووسام الفنون من الرئيس السادات، كما كتب سيناريو فيلمى “سلامة، وعايدة” ل”أم كلثوم” وشارك فى التمثيل بهما.

وكان ل”عبد الوارث عسر” دور بارز فى اكتشاف عدد من عمالقة الفن ونجومه وتدريبهم ومنهم “عماد حمدى”، “سميرة أحمد”، و”نادية لطفى”، “آمال فريد” و”ماجدة الخطيب”، كما أنه اختار اسم الفنانة الكبيرة “شادية”.

كما كان له دور بارز فى “فاتن حمامة” وذلك عندما كلفه المخرج “محمد كريم” بكتابة سيناريو فيلم “يوم سعيد”، وكان من ضمن الأدوار فى الفيلم دور لطفلة عمرها 6 سنوات، فكتب دورا مختصرا يناسب طفلة، ولكنه عندما رأى “فاتن حمامة” مع والدها بعد الإعلان الذى نشره المخرج “محمد كريم” يطلب فيه طفلة لأداء الدور انبهر “عسر” بموهبة “فاتن حمامة” بعد حديثه معها وقال إنها ستكون نجمة المستقبل وأعاد كتابة دور الطفلة ليمنحها مساحة أكبر إيمانا منه بموهبتها.

سينما..

شارك خلال مشواره الفني فيما يقرب من 300 فيلم، أما أعماله كممثل فهي عديدة وأبرزها “شباب امرأة” 1956 “لصلاح أبو سيف”، “صراع في الوادي” 1954 “ليوسف شاهين” وفيلم “الرسالة” 1977 ” لمصطفى العقاد” وفيلم “البؤساء” 1979 ل”عاطف سالم”. وكان آخر أفلامه “ولا عزاء للسيدات” 1979. شهدت فترة الستينيات انتشار “عبد الوارث عسر” سينمائيا من خلال :”دموع الحب، يوم سعيد، حب في الظلام، دموع الحب، شباب امرأة، الأستاذة فاطمة، صراع في الوادي”، وغيرها من الأفلام.

كما أنه قدم في آخر حياته المسلسل التليفزيونى “أحلام الفتى الطائر” تأليف “وحيد حامد” من إخراج “محمد فاضل” وبطولته مع “عادل إمام” كما قدم مسلسل “أبنائي الأعزاء.. شكرا” مع “عبد المنعم مدبولي”.

“عبد الوارث عسر” كان يمتلك شخصية منظمة ومرتبة وحجرته كانت صومعته التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها سوى زوجته فقط، وفى الفترة الأخيرة من حياته ضعف بصره فكان حفيدة الفنان “محمد التاجي”، هو من يقوم بقراءة الكتب والسيناريوهات له.

كان يحب أن يقرأ في حجرته بهدوء وتركيز عال جداً، وكان يقوم بالتدرب على شخصيته في فيلم «ليلة من عمري»، حيث كان يؤدى مشهد الأب الذي أصيب بالشلل، فكان يدرب نفسه وكأنه أصيب فعلاً بالشلل.

المسرح..

في مجلة “صباح الخير” عام 1956 ووفقا ل”إيهاب عبد العال” يقول: “حصل عبد الوارث عسر على البكالوريوس عام 1914 وشاءت ظروفه العائلية أن تمنعه من التعليم العالى، فسافر إلى البحيرة ليشرف على أملاك أسرته هناك. وفجأة أدرك أنه يحب الأدب ويقرأ كثيرا في كتب التصوف والتراجم التي تتناول حياة الأدباء والفنانين في العالم. هداه تفكيره إلى أنه يجب أن يسعى لأن يكون أديبا، فترك البحيرة وعاد إلى القاهرة. وكان المسرح قد أصبح هو المنبر الوحيد الذي يعبر فيه الأدباء عن أنفسهم، وكانت أبرز وأشهر الفرق المسرحية حينذاك فرقة “جورج أبيض”، فذهب إليه وأعلن استعداده عن تقديم أي دور يسند إليه.. طلب منه “جورج أبيض” أن يمثل أمامه دور يجيده، فقدم خطبة الحجاج بن يوسف الثقفى في أهل الكوفة، وعندما سمعه “جورج أبيض” صفق له”.

و يقول “عبد الوارث عسر”: “كان قبولى بفرقة جورج أبيض الخطوة الأولى العملية في حياتى، واستمريت فيها حتى تكونت فرقة عبد الرحمن رشدى وطلب منى الانضمام إلى فرقته الناشئة. قبضت منه أول مرتب في حياتى وكان 10 جنيهات، وكان بشارة واكيم يتقاضى 17 جنيها إلا أننى كنت مقيدا بالعمل الحكومة فقد عينت بوزارة المالية وأجمع بين المسرح والوظيفة. في بداية حياتى الفنية لم أكن متدينا أو متصوفا ولم أكن عربيدا طائشا لكنى اتجهت بعد ذلك نحو التصوف. ثم عدت إلى فرقة جورج أبيض وتعرفت على سليمان نجيب ومحمد عبد القدوس وكانوا أيضا موظفين حكوميين وقررنا نحن الثلاثة تكوين فرقة مسرحية من موظفى الحكومة، كانت نواة لجمعية أنصار التمثيل. عن طريق عبد الرحمن رشدى تعرفت على محمد عبد الوهاب وعن طريق محمد عبد القدوس تعرفت على المخرج محمد كريم. ومنذ ذلك اليوم لم يظهر فيلما لعبد الوهاب إلا وأنا فيه ممثل حتى لو كان الدور دقيقة ونصف كما حدث في فيلم (رصاصة في القلب) ولم يخرج محمد كريم فيلما إلا وأنا معه طرف ثان في كتابة السيناريو للفيلم”.

وعن المسرح يقول : “إن المسرح الجدى مات وشبع موت بسبب عدم وجود فرقة تنافس الأخرى على نفس المستوى وعدم وجود الممثل الذي يخلص لفرقته المسرحية”.

أستاذ التمثيل..

وفي مقالة بعنوان “شيخ الفنانين..عبد الوارث عسر.. أستاذ التمثيل الذى لا يغيب” يقول : “ماهر الشيال”: “للفن آباء عظام، رعوه في النشأة رعاية الوالد الحاني، وأغدقوا عليه من أعمارهم وجهدهم؛ وقدموا في سبيله التضحيات الكبار، حتى صاروا مضرب الأمثال في الإخلاص والتفاني.. ورغم ذلك فقد ضنت عليهم حياة الفن وأموره العجيبة فلم يبلغوا أدوار البطولة؛ بل أسرتهم رؤى مختلة المعايير في أدوار بسيطة؛ فإذا بهم يستنطقون الصمت بأداء يسرق الأضواء من الأبطال، ويَرْسُخُ خالدا في الأذهان، باقيا في الأفئدة على مر الزمان.. هكذا كان عبد الوارث عسر، ومعه كثير من أبناء جيله.. استحقوا عن جدارة أن يوصفوا بأنهم «آباء الفن العظام»”.

ويواصل: “اعتز «عبد الوارث» كثيرا بكتابته سيناريو فيلم «زينب» عن قصة الدكتور محمد حسين هيكل الذي أذن له بإجراء ما يراه من تعديلات على القصة الأصلية، فحذف شخصيات، واستحدث شخصيات أخرى، وقد نال السيناريو إعجاب الدكتور هيكل، وكان المخرج محمد كريم قد أنتج الفيلم عام 1928، قبل السينما الناطقة، فلما أراد إنتاجه من جديد عرض الأمر على صديقه «عبد الوارث» فرحب بالفكرة وكان معه يدا بيد في كل مراحل إنتاج الفيلم”.

المصري البسيط..

في مقالة بعنوان “عبد الوارث عسر المصري البسيط” يقول “د.عمرو دوارة”: “بدأ ممارسة هواياته الأدبية والفنية بكتابة الشعر والزجل وكتابة بعض المقالات الصحفية بالصحف والمجلات، تلك المقالات التي تضمنت دعوته للإعتزاز بالشخصية المصرية وتوحيد الزي للمصريين، وتشجيع الصناعات المصرية والدعوة لمقاطعة شراء البضائع المستوردة، كما بدأت هوايته للفن مبكرا وبالتحديد في عام 1905 حينما أخذ يتردد على عروض فرقة “سلامة حجازي”، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا أخذ يمارس هوايته في حفلات جمعية “أنصار التمثيل والسينما”، ثم نجح عام 1912 في الإنضمام إلى فرقة “جورج أبيض”، وكان أول دور له يؤديه هو دور قسيس أسباني يقف وراء الكاردينال رئيس محكمة التفتيش في مسرحية “الساحرة” (ثريا الأندلسية) عام 1913، ثم قام بدور مدير المسرح فى مسرحية “الممثل كين”، والذي أسند إليه لغياب الممثل الأساسي للدور. وكان نجاحه في أداء الدور أكبر حافز على إحترافه للتمثيل والتفرغ له، وأمضى موسمين بفرقة “جورج أبيض” واشترك بمسرحيات: “أوديب”، “عطيل”، “هاملت”، “لويس الحادي عشر” وغيرها. اتسم أدائه لمختلف الأدوار بفرقة “جورج أبيض” بالأداء التمثيلي الكلاسيكي الذي اتسم به أداء جميع أعضاء الفرقة، وكان يدربه على التمثيل آنذاك الفنان القدير منسى فهمي. ونظرا لأن هذا الأمر لم يستهويه اتجه للإنضمام إلى فرقة “عبد الرحمن رشدي” عام 1917، وشارك بتجسيد شخصية الوزير بمسرحية “الضمير الحي”، والطبيب بمسرحية “الموت المدني”، كما شارك في مسرحيات: “الأرليزية”، “عشرين يوم في السجن”، “المحامي المزيف”، “النائب هالير”، “مدرسة النميمة”. انضم بعد ذلك إلى فرقة “أخوان عكاشة”، ثم فرقة “جورج أبيض” مرة أخرى، وفي عام 1924 شارك في مسرحيات: “سفينة نوح”، “المرأة المجهولة”، “باسم القانون”، “نكبة البرامكة”، “سفيرو توريللي” وغيرها. التحق في صيف 1926 بفرقة “فيكتوريا موسى” وشارك في مسرحيات: “زهرة الشاي”، “الساحرة”، “المرأة الكدابة”، “طاقية الإخفاء”، “كريم شيكولاتة”. اكتسب الطبيعية فى الأداء من خلال انضمامه بعد ذلك إلى فرقة “فاطمة رشدي” والتي كان يديرها الفنان القدير عزيز عيد، وبالتالي فقد أصبح هو نفسه بعد ذلك من رواد هذه المدرسة. خاصة وقد التقى في الفرقة بمديرها بالمخرج عمر وصفي الذي وجهه إلى أداء شخصية الأب”.

ويواصل : “اشتهر بصفة عامة بأداء شخصيات المشايخ والشخصيات الدينية، وأيضا أدوار الانسان المصري البسيط المتمسك بقيم الشرف والكرامة والعطاء، رب الأسرة المكافح، كذلك الموظف الصغير المحنك بخبرات الحياة. استمر في العمل بالمسرح وشارك في تأسيس فرقة “أنصار التمثيل والسينما”، وكان من الأعضاء البارزين بالجمعية، واشترك في إحياء مواسمها السنوية، كما شارك صديقه المقرب سليمان نجيب بترجمة واقتباس بعض المسرحيات من الإنجليزية والفرنسية، وأيضا شاركه كتابة أربع مسرحيات من بينها: الزوجة الثانية، الأمل (قدمت بالفرقة القومية)، كما قام بتأليف بعض المسرحيات ومن بينها: “النضال”، “الموظف” وغيرهما، وذلك بخلاف عدد كبير من التمثيليات الإذاعية”.

ويضيف: “أصبح منذ أربعينيات القرن الماضي من الأصوات المرموقة والشهيرة بالإذاعة المصرية، خاصة مع إجادته التمثيل باللغة العربية الفصحى فاشترك في مئات البرامج والتمثيليات الدرامية. عندما تم تأسيس فرق التليفزيون المسرحية في أوائل ستينيات القرن الماضي شارك في بطولة عدة مسرحيات من بينها: الأرض، السكرتير الفني، الشيخ رجب، خلف البنات. حصل على عدد كبير من الجوائز في التمثيل وأيضا جائزة عن سيناريو فيلم “جنون الحب”، كما حصل على تكريم من الملك فاروق، وكذلك حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الزعيم جمال عبد الناصر، وجائزة الدولة التقديرية، ووسام الفنون من الرئيس السادات. وحتى بعد وفاته قامت الدولة بتكريمه أيضا في عدة مناسبات، ومن أهمها إصدار طابع بريد بصورته واسمه”.

تزوج من ابنة خالته وأنجبا ابنتين فقط هما: “لوتس” و”هاتور” وأسماهما بأسماء مصرية إعتزازا بحضارته المصرية، وحفيده هو الفنان “محمد التاجي”. وقد توفيت زوجته فى 3 مايو 1979، وكان يحبها جدا ومرتبطا بها إلى أقصى درجة.

وفاته..

وبعد وفاة زوجته عام 1979، حزن “عبد الوارث عسر” حزناً شديداً وأصابته غيبوبة حتى توفى فى 22 أبريل من عام 1982، بعد حياة حافلة بالفن والإبداع والعطاء.

https://www.youtube.com/watch?v=6tWzmagsWUA

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة