الحكم بالفقر والتفقير والإفقار من الوسائل السائدة في مجتمعاتنا منذ تأسيس أنظمة الحكم فيها , وعلى مر العصور والأزمان , وهو من الأجندات السياسية الضرورية لديمومة القوة والقبض على مصير الناس وكسر إرادتهم , ولهذا فهو دائم ومتنامي.
ولو إطلعتم على ما قيل بخصوص الفقر وكيف تم التصدي له لوجدتم أقوالا وحسب ومنها ما يلي:
“لو كان الفقر رجلا لقتلته”
“كاد الفقر أن يكون كفرا”
“لو دخل الفقر إلى بلدٍ لقال له الكفر خذني معك”
وغيرها من الأقوال التي في جوهرها إنها إجابات تخديرية وتضليلية على سؤال كيف نتخلص من الفقر.
ولست معنيا بمن تنسب إليهم هذه الأقوال وغيرها , لكنها أجوبة إستسلامية إستلابية سلبية تعفي قائلها من المسؤولية وإتخاذ الخطوات الضرورية للقضاء على الفقر.
فالقول لو كان الفقر رجلا لقتلته , يعني بأن الفقر ليس رجلا فأنا غير قادر على القضاء عليه!!
وما تحدث عن نظام الزكاة والعدالة الإجتماعية وآليات توزيع الثروات على العباد.
وعلى ذات السياق القول أن الفقر كاد أن يكون كفرا , فهذا جواب تبريري إعفائي من المسؤولية وكذلك القول بأن الفقر سيتبعه الكفر.
ولا يوجد في التأريخ أحد سوى عمر بن عبدالعزيز الذي قضى على الفقر في ظرف بضعة سنوات , فلا أحد قبله ولا بعده إستطاع التخلص من الفقر , لأنه لم يتخذ الفقر وسيلة للحكم , وإنما العدل والإنصاف وإحقاق الحق وتحمل المسؤولية , والعمل الصادق بما أوجبته الرسالة الواضحة الصريحة.
فالفقر لعبة سياسية محببة للكراسي , وهو ليس معضلة مستحيلة , فالصين تحرر كل سنة خمسة عشر مليون شخص من الفقر , والعديد من الدول الأخرى تحذو حذوها.
ومجتمعاتنا برغم ثرائها الطبيعي فأنها تدفع بالملايين من الناس إلى ميادين الفقر والحرمان كل عام , وما إستطاعت أن تبتكر الكيفيات الازمة لتحريرهم من الفقر , والعلة في الأنظمة التي تحتكر الثروات وتستحوذ عليها وتصادر حقوق الناس.
ففي أغنى مجتمعاتنا يسود الفقر وتجد المستحوذين على السلطات يبذرون الملايين في الفساد والإفساد وإقامة الحفلات والعبث المنافي لبسط القيم والمعايير الإنسانية وجميعهم يتقنع بالدين , الذي تحوّل إلى أعظم تجارة في القرن الحادي والعشرين الفتاك المنطلقات.