17 نوفمبر، 2024 3:51 م
Search
Close this search box.

والت ديزني والحقائق المخفية عن جاك سبارو في قراصنة الكاريبي

والت ديزني والحقائق المخفية عن جاك سبارو في قراصنة الكاريبي

بطولات وقيادات وحقب زمانية من تاريخنا العابق بالمفاخر، سُلِبت منّا. وتم تزييفها وصياغتها بصياغات غريبة بعيدة عن واقعها التاريخي الناصع، في افلام هوليود، وقدمت بشكل كسيح بائس. قد ينخدع بها البعض من المشاهدين، على أساس انها أحداث ووقائع من التاريخ، وهي ليست سوى خيالات واباطيل، ليس لها في الحقيقة من تاريخنا نصيب.
الافلام السينمائية الهوليودية، من أهم الوسائل في السلب والتزييف، وطمس الحقائق. ولعل انتاج مجموعة والت ديزني سلسلة افلام قراصنة الكاريبي الشهيرة جدًا، يؤكد هذا المعنى. فمن شاهد هذه السلسلة الماتعة اداءً واخراجًا، قد يتصور انها مغامرات وشخصيات اسطورية خيالية. وطبعًا كلها تدور حول شخصية القرصان جاك سبارو. وما هي في الحقيقة إلا تصوير لشخصية حقيقية من تاريخنا، حيث يتم تشويه صورة هذه الشخصية والمتمثلة في بطل السلسلة القرصان “جاك سبارو” وإظهاره بصورة سكير منحرف هزلي غريب الأطوار والتصرفات، غريب الملبس والهيئته والمشية، ومهووس بالقرصنة والبحر والمال والخمر. مما هو مُنافٍ للحقيقة.
فمن هو القرصان جاك سبارو؟. وما علاقته بالمسلمين؟، ولماذا يهمنا الحديث عنه؟. وهل هو قرصان سيء الى هذه الدرجة؟. وماهو التزييف على شخصيته الذي تُسبغه ستوديوهات والت ديزني المنتجة لهذه السلسلة ؟. ولماذا؟.
جاك سبارو ومهنة القرصنة:
جاك سبارو هو في الحقيقية جاك وارد البحار الانكليزي المولود في القرن السادس عشر، في سواحل جنوب شرق انكلترا سنة 1553.. نشأ في عائلة فقيرة تعمل في صيد الاسماك. لذا امتهن هو أيضأ في مطلع حياته صيد الأسماك في المستنقعات، لكسب لقمة العيش. كانت المنطقة الساحلية التي يعيش فيها تعج بالهاربين والقراصنة الذين وجدوا فيها ملاذا ومن أهلها تعاونًا. فكان ان تشبع جاك وارد في صباه بقصص البحر والقرصنة التي كانت شائعة شعبيًا. واصبح شغوفا بهذه المهنة الرائجة يومذاك، والتي منها ماهو مصرح به رسميًا، ومنها ماهو غير ذلك.
كانت الحرب المذهبية الدينية. بين قوات ملكة انكلترا البروتستانتية اليزابيث الاولى، وملك اسبانيا الكاثوليكي فيليب الثاني على أشده. ويعضد هذه الحرب الطاحنة التنافس الإستعماري المادي والتجاري بين انجلترا واسبانيا فكل منهما يريد السيطرة على البحار والعالم. (لقد اختارت الملكة اليزابيث الاولى المذهب البروتستانتي لإنكلترا. والعرف السائد أن الناس على دين ملوكهم فما يأمر به الملك فعلى الشعب تبني خياراته). كانت المواجهات الحربية تعتمد بالدرجة الأولى على الغزو والمجابهة من خلال البحر بين الإسطول الإنكليزي، وبين الإسطول الإسباني الذي يطلق عليه إسم (ألإرمادا).
ترك جاك وارد منزل العائلة. وتقدم للعمل بوظيفة قرصان، وحصل عليها. وهي وظيفة للعمل على السفن المدنية. تصرح بها الدولة ممثلة في ملكة انجلترا (اليزابيث الأولى) الى بعض السفن المدنية التجارية المسلحة. وتخويلها مهاجمة السفن وخاصة التجارية منها التابعة للدول الأخرى المعادية لإنكلترا. أي مهاجمة سفن إسبانيا.
وهكذا دخل الشاب جاك وارد في مرحلة جديدة من حياته واصبح قرصانا رسميًا، يساهم في الإستيلاء والنهب للسفن التجارية الإسبانية.
غزو الارمادا الاسبانية لإنكلترا:
في سنة 1588م جهزت اسبانيا حملة قوية جرارة للارمادا الإسبانية . ووجهت ما مجموعه 127 سفينة حربية وعليها الآف الجنود. لغزو انكلترا والاستيلاء على لندن، والإطاحة بعرش الملكة إليزابت الأولى، وإقامة نظام حكمٍ موالٍ لإسبانيا على التربة البريطانية. وقد أيد بابا الفاتيكان هذه الحرب واعتبرها حرب صليبية يباركها الرب. وجاء تأييد الفاتيكان لإسبانيا بإعتبار ان اسبانيا كانت قائدة الكاثوليكية في ذلك الوقت، وأن انكلترا في نظر الفاتيكان قد كفرت وارتدت عن المسيحية باختيارها للبروتستانتية.
البحرية البريطانية مع حليفتها البحرية الهولندية. استطاعتا كسر تقدم حملة الأرمادا. وكان مصيرها الفشل الذريع، وخسرت الارمادا فيها خسائر فادحة. ولم ينج منها ويعود الى اسبانيا سالمًا سوى67 سفينة. ارتفعت معنويات الانكليز وعملت انكلترا على دعم قواتها البحرية لتكون اقوى من البحرية الاسبانية. فقامت بغزوات بحرية مضادة على إسبانيا، ولكنها تعرضت للهزائم. هزيمة تلو الأخرى. وكانت نتائج الحرب منهكة للطرفين.
هذه الأوضاع خدمت جاك وارد وبحارته. فبعد ان اصيبت الارمادا الإسبانية بالإنتكاسة في حملتها الأخيرة واصبحت اضعف من ذي قبل. اتاحت له هذه الفرصة ان يبرز بشكل اكبر، فتعاظمت قوته وسطوته وقرصنته في البحر شيئًا فشيئًا، وخاصة في استهدافه واصطياده للسفن الاسبانية. واصبح القرصان المرخّص الأشهر خطرًا، والأكثر إثارة للرعب. والذي تحدى خطوط دفاع الاسطول الإسباني وأخترق مناطقه. واستولي على جزر اسبانية تابعة لقيادة ألارمادا الاسبانية. فتكونت له شعبية، واصبح يُعَدَّ بطلاً وطنيا وموضع فخر داخل انكلترا. وتغنت بإنجازاته الادباء والشعراء، للخسائر الكبيرة التي كان يلحقها بالقدرات الاسبانية في البر والبحر.
انهاء الحرب الانكليزية الإسبانية:
سنة1603م، تولى الملك جيمس الأول عرش المملكة في انكلترا. واعلن انهاء الحرب مع أسبانيا وعقد ألاتفاقات المتعلقة بذلك. واصدر أمرًا ملكيًا بتوقف اعمال القرصنة الرسمية، وعلى القراصنة المصرح لهم، العودة الى البلاد. ومن يخالف الأوامر الملكية، فيعاقب بالإعدام. بإعتبار ان التصريح الممنوح لاعمال القرصنة كان مقتصرًا فقط على كون البلد في حالة حرب.
عاد جاك وارد الى البلاد. وطبعا هنالك من رفضوا الإنصياع للأوامر الملكية واستمروا في القرصنة لكسب الرزق. واعتَبِروا قراصنة خارجين على القانون. كان عشق البحر والقرصنة يجري في دم جاك وارد. فالتحق بالبحرية الملكية الإنجليزية بشكل نظامي في احدى القواعد البحرية. ولم تكن ظروف العمل النظامي في البحرية الملكية يومذاك مشجعة للانظمام لهذا السلك، لزهادة الإجور ولمشقة العمل وقسوة الأوامر.
محاولة التخلص من جاك وارد:
تم تكليفه بمهام جديدة على احدى السفن الحربية، ولم يكن راضيًا عن مهمته الجديدة. ويبدو انه إرتاب في أن هنالك شيء ما يرتب له للغدر به والتخلص منه. ومعلوم ان سياسات بعض الأنظمة الغاشمة، تقوم على تصفية القيادات والكيانات والأشخاص، الذين يمكن ان يؤثروا في الجماهير أو لهم شعبية واسعة يمكن ان تُستَغل ضد السياسة القائمة للنظام الحاكم، وبالتالي يسببوا صداعًا وقلقاً لها. فتلجأ ألأنظمة الغاشمة الى اضعافهم وسجنهم والتشهير بهم لتنفض الجماهير عنهم. وابعادهم والتخلص منهم بطريقة او أخرى. فعزم جاك وارد وبمنتهى الذكاء على الفرار والعودة الى القرصنة في البحر، في اقرب فرصة. سواء بترخيص من القصر الملكي أو بدونه. وسايره في هذا التوجه آخرين ممن كانوا معه أو من رفاق المهنة. ثمّ بعد اسبوعين من عمله الجديد، وجد الفرصة سانحة له ليقوم هو وثلاثون من زملائه، بسرقة سفينة صغيرة كانت راسية على ساحل بورتسموث في منطقة هاربور وينطلق بها يشق عباب البحر. الامر الذي فُهِمَ على أنه تمرد على أوامر الملك. واعلان العداء لمملكة انكلترا.
انتخابه زعيمًا للقراصنة، وبحثه عن قاعدة انطلاق:
عمد القراصنة الذين رافقوه الى انتخابه رئيسًا لهم. ويبدو انها كانت البادرة الأولى في تاريخ القرصنة التي يتم فيها إنتخاب زعيم أو رئيس للقراصنة. ليبدأ مرحلة جديدة من القرصنة غير القانونية (أي بلا تصريح رسمي) .وبدأ يستولي وينهب السفن الواحدة تلو الأخرى. ولكونه مطاردًا من انكلترا، قرر الابتعاد والابحار بإتجاه السواحل الأوربية في البحر الأبيض المتوسط. فإستولى على سفينة حربية فرنسية كبيرة كانت في البحر الأبيض المتوسط وغنم ما فيها من ألأسلحة والعتاد، ما زاد من شهرته وسمعته السيئة كقرصان، وقطعًا مثل هذه السمعة تغري القراصنة الآخرين، من انكليز وهولنديين وألمان للإنضمام الى طواقمه. ومن ثُمَّ توسيع مناطق قرصنته للسفن التجارية في البحر الابيض المتوسط والمحيط الأطلسي. (كان استهدافه للسفن الأوربية ليس لأن هذه مهنته كقرصان فقط. وانما لكونهم كاثوليك وهم اعداء لمملكته البروتستانتية التي ينتمي اليها).
قد يرسو أحيانًا قبالة مدينه (سلا) القريبة من العاصمة الرباط على الساحل الغربي للمغرب في المحيط الأطلسي (وذلك لأن سلا كانت مدينة شبه مستقلة عن السلطات المغربية). حيث كانت نقطة اشبه بملتقى للقراصنة. واستمر في مهاجمة السفن الأوربية لمدة سنتين. ليبحر بعد ذلك مقتربا من السواحل العربية والإسلامية والتي كانت تابعة بشكل عام للخلافة العثمانية.
البحث عن موطئ قدم في الجزائر:
بحدود سنة 1605م، قرر التوجه الى سواحل الجزائر، كون الجزائر قاعدة بحرية عثمانية هي الأكبر والأهم في دول شمال افريقيا. علّهُ يحضى بالتعاضد مع القوات البحرية الجزائرية العثمانية. بإعتبار أن عمله في القرصنة ضد اوربا يتماهى ويساير مصلحة العثمانيين. وقد كانت الدولة العثمانية وولاياتها الممتدة في شمال افريقيا في صراع مع أوربا. وتعاني على الدوام من التهديد الحربي والقرصنة الأوربية في البحر الابيض المتوسط. ومن التهجير القسري الذي تمارسه محاكم التفتيش الكنسية في إسبانيا على مسلمي الأندلس. فلم يحصل جاك وارد على موافقة الجزائر في اتخاذ الساحل مرفأ لسفنه، ولم يجد الترحيب الذي كان ينتظره. وذلك لأن الجزائر كانت تعاني على الدوام من هجمات وغدر القراصنة الأوربيين على سواحلها، وما تحدثه من دمار. لذا من الصعب الوثوق ببحار أوربي في تلك الظروف. فلم تتشجع القيادة الجزائرية لاستضافة قرصان اوربي على اراضيها. ثُمَّ إنّ جاك وارد انكليزي من انكلترا وهذا موجب لعدم الثقة فيه بإعتبار ان انكلترا كانت في عداء مع العثمانيين.
استيلاءه على الحرير:
غادر بسفنه الى الضفة الأخرى للبحر. الى السواحل الجنوبية لأوربا. وهناك استطاع نهب عدّة سفن كانت احدى السفن التي تخص البندقية محملة بالحرير. وهي بضاعة مرغوبة ولها قيمتها. فأصبحت لديه بضائع كثيرة وعليه ان يجد موقعًا على اليابسة، يمكنه فيه من بيع وتصريف بضائعه، بغرض الإستفادة من اثمانها في التزود بالسلاح والمياه والمؤن التي يحتاجها. وكيف له ذلك وقد اصبح الآن مطاردًا من البندقية ( وكانت جمهورية مستقلة آنذاك) بل ومطاردًا من كل دول اوربا. لكونه قرصان أولاً، ولكونه من مذهب ديني مغاير لمذهبهم الكاثوليكي (الكاثوليكية تعني العالمية).
لاخيارات كثيرة امامه. فقرر مبدئيًا التوجه الى (سلا). وهناك استطاع تصريف بضاعته وأن يكسب اموالاً طائلة. وكان سخيًا في مساعدة القراصنة الانكليز الفقراء الذين وجدهم في سلا. (فكان في هذه الصفة كأنه يتقمص صفة روبن هود البحري). كما التقى هناك بقراصنه ذوي شهرة كبيرة انكليز وهولنديين وانظمّوا الى اسطوله. ولكنه لم يجد في سلا مايطمح اليه في اتخاذها قاعدة له. فغادرها الى السواحل العربية في شمال افريقيا المطلة على البحر الابيض المتوسط. بحثًا عن ارض آمنة يرسوا فيها.
جاك وارد في تونس:
لاتفاق الأهداف في مناهضة التغوّل والعدوان الإسباني البرتغالي الأوربي على تونس. اتفق جاك وارد مع احد القادة في البحرية العثمانية. ليتوسط له لدى حاكم تونس العثماني (عثمان داي)، عارضًا عليه تقديم خدماته، المتماهية مع البحرية العثمانية، مقابل السماح له بإستخدام موقع في ساحل تونس كقاعدة لعمليات القرصنة. بالاضافة الى دفع خُمس الغنائم للحكومة التونسية. فوافق الحاكم العثماني، وسمح له بذلك. ووعده بتوفير الحماية الرسمية له لاحقًا. ريثما يتبين له تساوق عمله مع اعمال الإسطول البحري العثماني. وعدم تقاطعه أيضًا مع ما يمكن تسميته بالمساند والرديف للأسطول العثماني، وهم قادة وأمراء البحر المسلمين، الموالين للقوات البحرية العثمانية. امثال ابراهيم بركاش، ومراد الريس (الأكبر) وهو من الترك الألبان، ومراد ريس (الأصغر) وهو قرصان هولندي اسلم وتلقب بلقب أمير البحر العثماني ، وغيرهم كثير من أمراء البحر (بعضهم عرب وبعضهم اوربيون اعتنقوا الإسلام)، كانوا يرفعون الأعلام العثمانية ويجوبون البحر الأبيض المتوسط في مهام جهادية لحماية الحدود والثغور الإسلامية، ويتصدون للقرصنة الأوربية. (أمير البحر رتبة عسكرية تعني قائد البحرية أو قائد اسطول، وحُوِّرت الى أميرال أو أدميرال في اللغات الغربية).

تحالف جاك سبارو مع غزاة البحر ” القراصنة ” المسلمين:
السفن الرديفة أو المساندة للإسطول العثماني (التي يسميها الغرب القراصنة المسلمون). في الحقيقة لم يكونوا قراصنة. فدين الاسلام لا يسمح بالقرصنة لا في البحر ولا في البر. ولكنها حركة شعبية تحرُّرية مستقلة، مضادة للاستعمار الأوروبي نشأت في البحر الأبيض المتوسط بداية من القرن الرابع عشر وامتد نشاطها الى القرن السادس عشر الميلادي وما بعده. لجأت اليها الشعوب المسلمة، كرد فعل طبيعي على الهجمات والقرصنة الأوربية المستمرة على الدول المسلمة في شمال افريقيا. وأن قباطنة وطواقم هذه السفن هم في الواقع مجاهدون ويعملون غالبًا ضمن أهداف وغطاء الاسطول العثماني. وقد يتقلدون مراتب عسكرية كجنرالات وامراء بحر (اميرالات). في سفنهم واساطيلهم الخاصة أو في اسطول البحرية العثمانية.
اصبحت سفن جاك سبارو ضمن السفن الرديفة. حيث عمدوا لتشكل جبهة أو حركة مقاومة جهادية بحرية ضد القرصنة الأوربية، فيما هو أشبه بنظام حكم مستقل متماهي مع الأسطول العثماني.
كان جاك سبارو ذا خبرة وكفاءة بحرية عالية اكتسبها من خلال تطوافه في البحار على مدى العشرين سنة الماضية من حياته. وكان ذكيا جداً يتقن خبايا واسرار الملاحة، فقد كان بحق قبطان البحار والمحيطات الذي يشار اليه بالبنان. وكان يدهش الجميع بمعرفته بطرق الملاحة البحرية. لذا كان انظمامه الى المنظومة التي ترفع علم البحرية العثمانية مكسبًا مهمّاً. (لأن الممالك الاوربية عموما كانت تخشى مواجهة الأساطيل العثمانية). كما انه في ذات الوقت وجد ماكان يشغل باله ويبحث عنه في العثور على ملاذٍ آمن لرسو سفنه، وموطنٍ لتصريف بضائعه.

لقب سبارو:
في تونس لقبه الناس “بجاك عصفور”. قيل لأنه كان مهووسًا بالطيور الصغيرة. أو لأنه كان هنالك طائر صغير يرافقه على الدوام. أو ربما لقب بذلك لمراوغاتة وخفه حركاته التي كانت تشبه خفة الطيور. وأيًا ما يكون السبب، فقد لقبه اهل تونس بجاك عصفور. فترجم الأوربيون عصفور الى معناها بالانكليزية “Sparrow” فأصبح اسمه “جاك سبارو”، واشتهر بهذا اللقب. كما كان يلقب كذلك ب “جاك بيردي” “Birdy” نسبة الى “Bird” أي “طير”.

اعتناقه للاسلام سرًا:
كان اتفاق القرصان جاك وارد “سبارو” مع حاكم تونس بداية لتأسيس مرحلة جديدة في حياته. مرحلة ستغير حياته وسلوكياته وأهدافه لبقية حياته. كان من الطبيعي وفق هذا الإتفاق، تقربه واختلاطه بالبيئة الإجتماعية المسلمة في تونس، والتعرف عليها عن كثب. فأحب اخلاق المسلمين وتعاونهم. والاحترام الذي يسود تعاملاتهم. “وأميل الى انه وبعد تواصله مع أهل تونس، قد اعتنق الإسلام سرًا في هذه المرحلة، ولم يشهر إسلامه في السنوات الأولى التالية”.
إن اعتناق جاك سبارو للإسلام رغم عدم الجهر به، يفسر، أولاً: الاعداد الكبيرة من المسلمين الذين انضموا الى طواقم سفنه، فهؤلاء لا يمكن ان ينخرطوا في القرصنة، وانما نظروا اليه على انه جهاد في البحر. ثانيًا: كما ويفسر طلبه العفو لاحقًا من ملك انكلترا. فهو ظاهريا في نظر الإنكليز مازال على ديانته المسيحية. ثالثٍا: كما يفسر ايضاً ايفاء الوالي العثماني بوعد حمايته رغم الخسائر التي اصيب بها. فهو على اي حال قائد بحري محسوب على البحرية العثمانية، وليس قرصانًا. ومن هنا نستطيع ان نقول: أن كتمانه لإسلامه فيه الدلالة على انه لم يُسلم مكرهًا، ولا تملقًا للتونسيين، ولا طلباً لرضى والي تونس العثماني”.
أصبحت طواقمه البحرية تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين العاملين على ظهر إسطوله. ومن قاعدته في تونس كان يشن حملاته، واستطاع بكل جدارة الإستيلاء على عدة سفن تجارية فرنسية ذات حمولة كبيرة وذات أهمية في النقل والشحن البحري.

الاضطهاد والتهجير القسري للأندلسيين:
ساهمت السفن المساندة، كما البحرية العثمانية، في إجلاء وانقاذ الآلاف من المسلمين واليهود الذين قامت محاكم التفتيش المسيحية الكاثوليكية في اسبانيا بتهجيرهم قسريًا بعد سقوط الأندلس. (مارست هذه المحاكم بطشها منذ سقوط الاندلس عام 1492م واستمرت لغاية عام 1838م). وكان جاك سبارو ممتعضأ ومتألمًا من القسوة والافعال الشنيعة التي وقعت على أهل الأندلس في اسبانيا الكاثوليكية. لذا شاركت سفنه البحرية العثمانية في نصرة المظلومين، الفارين من البطش الإسباني. وإنقاذ ونقل ألأعداد الكبيرة من المسلمين واليهود الأندلسيين الى البر العربي في شمال افريقيا. (ولاحظ المفارقة: إن محاكم التفتيش شملت بقسوتها المسلمين واليهود. في حين عاش اليهود في أحضان وحماية دولة الاسلام في الأندلس لـ 800 عام. اتيحت لهم فيها كل مقومات الحياة وحقوق المواطنة. وإنما الذي هجَّرَهم هم ابناء جلدتهم المسيحيون. واحتضنتهم مجددًا بعد التهجير الدول المسلمة، في شمال افريقيا تونس والجزائر وليبيا وخاصة المغرب، وكذلك مركز الخلافة العثمانية في تركيا، ليعيشوا فيها منعمين بالأمن والسلام).
ربما اغفلت المراجع الأوربية التأكيد على الدور الذي قامت به سفن جاك سبارو في انقاذ المضطهدين المهجرين من اسبانيا، وهذا لا ينفي اهمية الدور. وما قام به جاك سبارو والاسطول العثماني، وألإساطيل والسفن المساندة له في إنقاذ ما أمكنهم انقاذه من الفارين من البطش، انما هو بمثابة الادانة لمحاكم التفتيش الإسبانية، وإثبات لجريمتها في الإبادة الجماعية بحق الإنسانية.

كارثة غرق السفن:
في سنة 1607م، اصيب جاك سبارو بمأآسي رهيبة، وإنتكاسات موجعة متتالية في فترات متقاربة. حين غرقت اكبر وأهم سفينتين من سفنه قبالة سواحل اليونان. وكانت الضحايا كبيرة في ضباطه وبحارته. كان منهم 250 من المسلمين، و150 من الإنكليز. كما واستولت حكومة البندقية (وكانت دولة مستقلة) على ثلاث من سفنه بما فيها سفينته الخاصة. فغضب المسلمون عليه غضبًا شديدًا، لفقدان هذا العدد الكبير من البحارة المسلمين. وعلى أي حال فهذه مهنة المخاطرة والخطورة فيها عالية. وشأن الحرب يوم لك ويوم عليك.
اراد جاك سبارو ان يبقي له خط إتصال ببلده. يتيح له العودة الى انكلترا هو واصحابه بدون عقاب. فبعث إلى الملك جيمس الأول رسالة إستعطاف يطلب فيها عفوا ملكيا. ولكن طلبه قوبل بالرفض القاطع. فتخلى عن فكرة العودة. وواصل عمله في البحر.
اشهاره لإسلامه:
لم يجد جاك سبارو بعد الغضب العارم من المسلمين عليه، وبعد ان فقد الكثير. لم يجد بُدّاً من العودة الى تونس وحاكمها العثماني عثمان داي الذي بقي على كلمته. وحقق الوعد السابق الذي قطعه له. فوفر له الحماية والرعاية . وأهداه قصرا يعيش فيه. وهذه من شيم النبلاء في الوفاء بالوعد مهما كانت التحديات. وتوثقت علاقته بالحاكم العثماني كثيرًا.
اعتنق (أو لنقل أشهر) القبطان جاك سبارو إسلامه. مع جميع أفراد طاقمه وبحارته وغير اسمه إلى “يوسف الريّس” أو “الرايس” أو ” الريّس يوسف” (الريّس يعني القبطان أو الربّان وفي البصرة يعبر عنه بـ المراكبي. وفي دول الخليج العربي يعبر عنه بـ النوخذة). ولَبِسَ العمامة مثل المسلمين. وترك المعاصي والموبقات. وترك ما كان يعرف عنه سابقًا من العربدة والسكر حتى الثمالة. واتسق عمله مع البحرية العثمانية، واصبح يعرف بالقبطان أو الربّان (وليس القرصان)، أمير البحرالريس يوسف المجاهد في في البحر الابيض المتوسط. وقائد لإسطول حربي تخافه معظم دول أوربا. وانهمك بإستنزاف القوى ألأوربية ومطاردة السفن المعادية لدولة الخلافة العثمانية ، سواء أكانت تلك السفن انكليزية او اسبانية أو غيرها. وجاء عمله متعاضدًا ومتسقًا كذلك في جهاده مع آخرين من مجاهدي البحرية الاسلامية العثمانيين والجزائريين والمغاربة والليبيين. (وقد مر أعلاه ذكر بعض أسمائهم)، وكبَّدوا البحرية والقرصنة الأوربية خسائر لا يستهان بها.

دعوة العفو الملكي:
للشهرة التي تمتع بها جاك سبارو ولإسلامه، وربما لاستدراجه الى حتفه. دفعت ملك إنكلترا ليرسل احد قادته البحريين مع طاقم كبير للقاء جاك سبارو “يوسف الريّس” ومحاولة استمالته واقناعه بالعدول عن اعماله، والعودة الى البلاد. مقابل العفو الملكي عنه وعن طاقمه. فكان أن رفض يوسف الرّيّس العرض الملكي تمامًا. واللطيف: ان البحارة المرافقين للقائد الانكليزي هم انفسهم تمردوا على قائدهم ورفضوا العودة الى انكلترا، وآثروا الإنظمام ليوسف الريّس. فلم يجد القائد بُدّاً من ترك سفنه على الساحل التونسي والعوده الى دياره خالي الوفاض.

حملة التشهير الإعلامي:
لم يتقبل الغرب اسلام جاك سبارو واسمه العربي الذي عُرف به، وشكل انخراطه في البحرية العثمانية. صدمة لهم في أوربا. “خاصة وأن القراصنة الإنجليز كانوا يطمعون أن ينضم إليهم للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، فخابت آمالهم”. وبدأت حملة من الإدانة والتشهير والتشويه لصورته في محاولة لأسقاطه من أعين الناس. حملة قامت بها الكنيسة والعديد من الأدباء والشعراء والمسرحيين في انكلترا، ونعتوه بالكافر والمرتد عن المسيحية والمعتنق لدين الترك والمتحول الى المحمدية. كما حاول احد مساعديه اغتياله بسبب إسلامه وفشلت محاولته.

واصل القبطان يوسف الريّس “جاك سبارو” جهاده في مقارعة الصليبيين كقائد بحري لأسطول موالٍ للقوات البحرية العثمانية. قوة ضاربة يحسب لها الف حساب. قائد تهابه أوربا ويثير اسمه الخوف والرعب… وهو في ذات الوقت مطارد ومطلوب من الكنيسة ومن البحرية الملكية البريطانيه بل من كل اساطيل أوروبا.
تزوج من إيطالية تدعى (ياسمينا الصقلية) . كانت بدورها قد فرَّت الى تونس من تعسف الكنيسة الصقليّة، واعتنقت الإسلام. وعاش معها ماتبقى من حياته بقصره في تونس الخضراء وكان وفيًا لزوجته الأولى الإنكليزية التي بقيت في انكلترا. فكان يرسل لها المال مع البحارة الأنكليز.
في الربع الأول من القرن السابع عشر، انتشر الطاعون في بعض مناطق جنوب اوربا وبعض مناطق شمال افريقيا. ويقال ان يوسف الريس اصيب بهذا المرض وتوفي من جراءه في سنة 1622م ودفن في تونس الخضراء.

الخلاصة:
ستوديوهات والت ديزني المنتجة للسلسلة الماتعة من افلام قراصنة الكاريبي”وليس الأوربي!” ، بأجزاءه الخمسة حتى الآن، قد طمست شخصية جاك سبارو الحقيقية “يوسف الريّس”. فأظهرته على هذا الشكل الاسطوري الخيالي الهزلي ﻛﺴﺎﺭﻕ ﻭﻟﺺ ﻭﻣﺪﻣﻦ ﺧﻤﺮ. وتتدلى من خصلات شعره على كتفه ﻗﻼﺩة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﻬﻼﻝ ﻭﺍﻟﻨﺠﻤﻪ (ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻻﺳﻼﻡ). وكانها تريد ﺘﺄﻛﻴﺪ ﻫﻮﻳﺘﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ بهذه الصفات المبتذلة. وكل ذلك للتعمية على الشخصية الحقيقية.
لقد اغفلت في سلسلة قراصنة الكاريبي، الاشارة الى انه: أميرال معتنق للإسلام. وأنه من القيادات البحرية للاسطول العثماني. وأنه كان يقارع الظلم ويحرر المستضعفين الأندلسيين وينقذهم. وأنه من غزاة البحر وليس من القراصنة. وكان يحمي الثغور من قراصنة اوربا. ويتصدى للإستعمار الأوربي في احتلاله للبلدان العربية في شمال افريقيا. وانه إستقام وترك الخمور والموبقات. وانه شخصية جادةٌ مُهابة وليست هزلية. وانه كان كريمًا سخيًا يعطف على الفقراء الذين يقابلهم في المراسي. وليس مهووسًا بجمع المال. وغير ذلك من صفات شخصيته الحقيقية
رحم الله القبطان يوسف الريّس “جاك سبارو”، ورحم طواقمه وبحارته الذين جاهدوا معه.

الرابط والصفحة https://kitabat.com/author/khaladabdelmagid-com/

أحدث المقالات